من مختارات أبي حكيم في الجمعة الثانية والخمسين بعد الثلاثمائة ( 352 ) في تعداد الجمع ، والثامنة والأربعين ( 48 ) في عام ( 1440هـ ) وتوافق ( 8 / 12 / 1440 هـ ) بحسب التقويم والرؤية
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
اللهم ارزقنا صيام يوم عرفة وسرّنا بالقبول ، وبارك لنا في العيد وتقبل الأضاحي واجعلها على التقوى في الفعل والمقول ، العيد جاء بفرحته ، وفيه استقبال المهنئين والزائرين و التعبير الحسن باستقبال الضيوف ” كؤوس القهوة … ” ، بل صارت ( القهوة ) في عرفنا ( دعوة ملحة لدخول البيت … ( تِقَهو..) ، ورمزا لبيان الدعوة إلى وليمة جاهزة قد تم تحضيرها ، ولم يبق فيها إلا تشريف المدعو ومشاركته المجموعة…( عندنا فنجال والم ) .
القهوة “العربية ” ( المرة ) ، وهي عندنا ليست إلا كذلك ، بخلاف أهل الشام ومصر وتركيا فقد دخلها السكر ، و القهوة الحديثة في مشاربها التي تنوعت ، و أسمائها التي تغيرت و أشكالها التي تعددت ، وعلتها أشياء تعرفُ منها وتنكر .. وهكذا حال الناس في جلِّ شؤونهم ، يكون الأمر أوله بسيطا ثم تتعقد الأمور باختيار أو بإجبار …
توقفت عن شربها قريبا من عشر سنوات …وما زال – بحمد الله – الامتناع ، أولا : كان لأسباب حمية ، فوجدت الأمر سائغا أن
أطبق مثلا يقول : “خير عادة أن لا يكون للمرء عادة ” … وأصحابي في هذا ( الكار )* يزيدون ولا ينقصون والحمد الله ، ومع ذلك إلى اليوم أجد ممن علم هذه المعلومة … يرفع حاجبيه استغرابا ، وكأنه يقول : كيف تعيش أنت !!!
في خزانتي ثلاثة كتب عن القهوة ومقالة استقيتها قديما من منتديات النت ( منتدى أهل الكهف ويُعنى بلمحات شامية ) :
أما الكتاب الأول فهو بعنوان : (على أرض القهوة البرازيلية جولة في المنطقة الجنوبية الغربية من البرازيل ) ، للشيخ محمد بن ناصر العبودي
حفظه الله طبعته الأولى ( 1415 هـ ) ، وما فيه عن القهوة إلا قليلا ، ولكن عنوانه بدأ بالقهوة ، وفي ص 94 : نقل الشيخ مقالة أدبية جميلة في التعبير عن شجرة القهوة وحبيباتها كتبها إمام جامع الملك فيصل في ولاية (لوندرينا ) ( الشيخ أحمد المحايري ) ، في جريدة الأنباء التي تصدر في البرازيل باللغة العربية ، والشيخ المحايري إمام ومعلم على نفقة حكومة المملكة العربية السعودية ، حيث بُني المسجد بهبة من الحكومة السعودية بأمر الملك فيصل ، وبتوصية من الشيخ العبودي ممثلا لرابطة العالم الإسلامي … ، وسمي المسجد باسم الملك تعبيرا عن شكره …

أما الآخران فأحدهما بعنوان : ( تحفة العقلاء في القهوة والثقلاء ) لعبدالعزيز بن محمد الأحيدب الدوسري نسبا المولود في جلاجل من منطقة سدير وعمل في السلك العسكري في صف الضباط حتى وصل إلى رتبة ” زعيم ” والكتاب ألف قبل خمسين سنة ( 1390 )
وطبعته الثانية ( عام 1404 هـ )، والحق أني لا أعرف سبب ربط بين : ” القهوة والثقلاء ” إلا إن كان في ذهنه ( يا حلاة الفنجال مع رحالة البال في مجلس ما فيه نفس ثقيلة … )، ولا أعرف لمن هذا البيت ومتى قيل ؟ ، وأهل الشأن أعرف به وأعلم ، وحسب المرء أن يقف عند حد علمه فيغنم ويسلم .
في الكتاب جمع لطيف وبيان لتاريخ القهوة والخلاف فيه ، من أين أتت ؟ ,وما أصلها ؟ , وكيف انتقلت في أقطار الأرض ؟ ومن الذي نقلها ؟ وأي البلاد ( شرقيها وغربيها ) لها السبق ؟ ، وإن كانت الدولة العثمانية والسلطان سليم ( نقطة التقاء الخطوط بين الشرق والغرب بالنسبة لمشروب القهوة ) .
ومن لطيف الكتاب فتوى من الإمام عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ يرد فيها على ( عبدالعزيز بن حسن بن مزروع ) وقد أرسل يستفتي عن القهوة ، وقد أصل في سؤاله التحريم … وهي في ص ( 36 ) من الكتاب .
ومن تاريخها كما يذكر الأحيدب عن العقاد : أن أول ظهورها في مصر في القرن العاشر الهجري في الأزهر في رواق اليمانيين ، ويقال عن طريق طلابهم من أهل الشام ( وبالذات الصوفية وبالأخص أهل الطريقة الشاذلية ) ، انتقلت إلى دمشق …
ثم يقول : أما اطلاق اسم القهوة على شراب البن فيزعم بعض اللغويين : أنه من الإقهاء أي الكراهية والاقعاد ، وسميت الخمر قهوة على زعمهم لأنها تقعد عن الطعام ، وكذلك قهوة البن تقعد عن النوم وتغني شاربها عن الأكل ، الى أشباه هذه التخريجات ، والغالب أن الكلمة من أصل ( حبشي ) ، لعله قريب في لفظه من اسم الإقليم الذي اشتهر بزرع البن ، أو لعله تصحيف من اسم النبات الذي يسمونه ( فلفل كاوة ) ، وله حبوب كحبوب البن ، وسكان الجزر الشرقية في آسيا يتعاطونه كتعاطي القهوة والشای .
الى أن قال : ومن الجائز جدا أن أهل اليمن – وهم على صلة قديمة بأهل الهند و الجزر الشرقية قد أطلقوا اسم الكاوة أو القاوة على شراب البن لما بينها من التشابه فانتقل بالتصحيف والتحريف ( من القاوة الى القهوة ولكن اسمها الإفرنجي منقول ولا شك من التركية عن العربية ، لأن الترك ينطقون “القاف” “كافا” ويقلبون “الواو” “فا” ومن المتفق عليه أن القهوات شاعت في القاهرة ثم في القسطنطينية قبل شيوعها في الأقطار الأوربية ، وقد نقلها مغامر يهودي يسمى جاكوب ( أو يعقوب ) الى العاصمة الانجليزية ، فأصبحت القهوة ناديا لأهل الأدب ، وملتقى اللساسة المشتركين في الأدب والخطة ، وكادوا يخلطون بين اسم ( كوبي ) و ( كوفي ) في مبدأ الأمر ثم سرت بينهم كلمة ( الكفى ) إلى اليوم وغلبت التسمية على أنديتها الفرنسية ، فهي اليوم – قال أبو حكيم: أيام العقاد – بأندية الفرنسيين ألصق منها بأندية الانجليز .
وثالثهما : (من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي ) لمحمد الأرناؤوط طبع طبعته الأولى عام ( 2012 م ) ، وفيه ذكر رسائل عن القهوة من القرن العاشر الهجري ، السادس عشر الميلادي ، وفيه ذكر القهوة من اليمن للبوسنة ، وذكر فتاوى العلماء حولها بالحل والتحريم والأدلة التي استندوا عليها …
*الكار : كلمة فارسية معناها الصنعة وهي موجودة في لغتنا الدارجة بقولنا ( وش كاري … أي ما دخلي أو ما صنعتي ) سمعتها من حديث للشيخ محمد الناصر العبودي في برنامجه العالم الإسلامي رحلات ومشاهدات ، ويقول الإخوة المصريين ( إحنا أولاد كار واحد … أي أهل صنعة واحدة ) .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
لمشاركة المقالة على حسابكم الإجتماعي
Twitter
Facebook