الجمعة الثالثة عشرة / السابع والعشرين من ربيع اول لعام 1439هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة المائتين والسادسة والستين ( 266 ) في تعداد الجمع ، والثالثة عشرة ( 13 ) في عام ( 1439هـ ) وتوافق ( 27 / 3 / 1439 هـ ) بحسب التقويم .

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله  : من سوانح الذكريات وكما في معجمِ الـمـَعاني : السَّانِحُ مَنْ يَأْتِي مِنْ جَانِبِ اليَمِينِ ، أَيِ الْمَيْمُونُ عَكْسُ البارِحِ .

 في كتابة تاريخ المختارة ورقمها فائدة ، وهذه تغريدة تؤيد مذهبي ، وصلت إليّ في مجموعة واتس أب (لغة العرب)  ودخلتُ على حساب ناقلها في التويتر ،ونقلتها منه ، زاده الله خيرا وهو : حسام بن محمد السعدي : ‏” قال الصولي: كاتبت أباحنيفة رحمه الله ، فأغفلت التاريخ، فكتب إليّ: وصل كتابك، مبهم الأوان، مظلم البيان، فأدى خبرا، ما القربُ فيه بأولى من البعد منه. فإذا كتبت -أعزك الله – فلتكن كتبك موسومة بالتاريخ، لأعرف أدنى آثارك وأقربَ أخبارك”.    لباب الآداب(٢٠ص)  ، وكنت ولا زلتُ  أعمد إلى بعض ما يمر فيَّ من أقدر الله في الحياة وأدونُ بعض خواطري فيها ، وأحرص على تدوين الزمان والمكان وإن أمكن الظروف المحيطة  ، فألفيتها طريقة جميلة يمكن أن يستفيد منها الإنسان في ضبط تاريخ حياته :

وما من كاتبٍ إلا سيَفنى ،،، ويبقي الدهرُ ما كتبت يداه

فلا تكتب بـ كفكَ غير شيءٍ ،،،  يَسرّك في القيامةِ أن تراه .

وكنت كتبت جملة صالحة من الذكريات  خلال سنوات ، ولتعلموا أن كتابتي لهذه الحوادث هي ( خريطتي وصورتي الذهنية الخاصة التي كونتها عبر نوافذ عقلي خلال سنوات عمري إن صوابا أو خطاءا ) وليكن في مكنون علمكم أن أهل البرمجة العصبية يقولون: ( الخريطة “الصورة ” الذهنية ليست الواقع ) وبالمثال يتضح المقال  فهذا مثل أن أقول : ” سيارة ” ، فكل واحدمن قرائي ستتكون عنده صورة ذهنية عن سيارة بلون وحجم وطراز مختلف ، فلو قلت لكم إني أقصد ( سيارة ) في سورة يوسف  ، هنا تغيرت الصورة الذهنية وصار في عقولكم شكل قافلة للجمال ، وهي بالتأكيد صورة ذهنية خاصة يركبها عقلك بناءا على ما عنده من المعطيات ولا شك أنها  تختلف عما في ذهن كاتب المقال والقراء الآخرين .

وأجدني أعيش مع كتابة ذكرياتي السابقة في أحاسيس متباينة أحيانا ومتوائمة في أخرى  ، بل ربما قرأت الذكرى في وقتين مختلفين ويصدر مني حكم مختلف في كل مرة حتى يصل الأمر في بعضها إلى طمس الذكرى   ، وبهذه الذكريات أكون متذكرا حال الدنيا ومُضيَّها على كل حال ، فالشمس تشرق في كل يوم والكون يسير وفق ما قدر الله ولن ينتظر أحدا ، فكل أحداثه إنما هي ” كالصفر ” في الرياضيات ،  لا يحمل إشارة السالب ولا الموجب ، إنما هي أقدر الله ، والله لا يقدر إلا الخير  ، وردة فعلك تجاه الحدث  تحدد مصير الإيجابية في حياتك

أو تعيش السلبية وتصطلي نار الكآبة والحزن – أجارنا الله منهما ومن كل سوء ، أو ليس في الحديث الذي حسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع وزيادته رقم ( 2110 )  في المجلد الأول عن أنس رضي الله عنه (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ(  قَالَ أَبو عِيسَى الترمذي  : « هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ) .

 فما كنت فيه من ضيق من حادث سابق ، يبقى له في النفس ذكريات وأشجان ، كما أن فيه عبرة للمستقبل أن لا شيء في الدنيا يبقى إلا العمل الصالح والذكر الحسن أسأل الله لي ولكم كما سأل إبراهيم ربه في الشعراء  (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84()قال ابن كثير في تفسيره : واجعل لي ذكرا جميلا بعدي أذكر به ، ويقتدى بي في الخير ، كما قال تعالى : ( وتركنا عليه في الآخرين . سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين ) الصافات : 108 – 110 ،  قال مجاهد ، وقتادة : ( واجعل لي لسان صدق في الآخرين )  يعني : الثناء الحسن . قال مجاهد : وهو كقوله تعالى : (وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) العنكبوت : 27  ، وكقوله : ( وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين )  النحل : 122 . قال ليث بن أبي سليم : كل ملة تحبه وتتولاه  صلى الله عليه وسلم .

أقول أيها القاريْ اللطيف دوِّن بعض ما أنت فيه وارسم لحياتك خريطة مكتوبة ، فيها بعض العلامات لتدلك على كنوز ذكرياتك   ، ولتنظرها بين فينة وأخرى ثم تأمل نفسك  ، وانظر تقلبات الأيام بأهلها : فانظر مثلا لأبي حكيم وماذا سطر بتاريخ ( السبت 1413/4/1 ) قبل ست وعشرين سنة *:

 ” أول أيام الدراسة السبت أول ربيع الآخر  لعام (1413 ) وأنا جالس في قصرنا ( مزرعتنا ) في القصيم وأحس بقفره من سكانه حيث خرج منه ( ثلاثة عشر طالبا وطالبة ) للدراسة في المدارس ( ما شاء الله لا قوة إلا بالله )  ، وأحس بضيق شديد ، ولكن كلها يومين ونستقر في الرياض وننشغل بالدراسة هناك وتبدأ الحياة الرتيبة كما العام الماضي فسبحان مسير الليل والنهار  ) السبت صباحا – القصيم – الخبراء.  (وأقول الآن : كانت تلك السنة الثانية للدراسة في جامعة الإمام بالرياض) .

ثم دونت أسماء الطلاب والطالبات الذين خرجوا من المزرعة لمدارس التعليم العام  من إخوة وأولاد عم   ، وفي الكلية المتوسطة أخي محمد أبو طلال . معلم العلوم منذ سنوات في سدير ثم في عنيزة ثم في البدائع من أرض القصيم .

ثم أقارنها بعد هذه السنوات ولكم أن تتخيلوا أنه لم يخرج من ( قصرنا ) في هذا العام ( 1439 )  للدراسة لا في التعليم العام ولا الجامعي أحد ، حيث كبر الصغار وتخرجوا وجالوا في مسارب الحياة   ، ولعل من آخر الطلاب  ولم يكن مولودا حال كتابة النص السابق وهو ابن لأحدى بنات عمي وقد تخرج العام الماضي من المرحلة الثانوية .

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

*من تاريخ كتابة المقال

اترك تعليقاً