من مختارات أبي حكيم في الجمعة الحادية والخمسين بعد الثلاثمائة ( 351 ) في تعداد الجمع ، والسابعة والأربعين ( 47 ) في عام ( 1440هـ ) وتوافق ( 1 / 12 / 1440 هـ ) بحسب التقويم والرؤية
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
بما أننا في أول العشر المباركات جعلنا الله من الذاكرين المكبرين الشاكرين فالعمل الصالح فيهن عظيم ، ومن أعظم الأعمال الصالحة الحج … فهذا الدكتور مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي – من أهل القنفذة المحروسة – ، قد أخرج مجموعة من الكتب من القطع المتوسط طبعتها الأولى من دار القلم ( دمشق ) عام ( 1440 ) ، عنوانها : (الأول : التركيز : أكثر العادات أثرا في حياة الناجحين ، الثاني :
ميلاد فجر : كثيرة هي المواليد في حياتنا غير أن ميلاد الفأل والأمل في قلبك ومشاعرك هو أكثرها عمقا وأثرا في مستقبل أيامك ،الثالث : صناع الحياة : سير الخلفاء الراشدين ، هذه مساحة من تاريخك ونسبك وقصة مجدك ، ونضال أجدادك في معركة الحياة ، والرابع : الحج يبني القيم ( قال أبو حكيم : وهنا مربط فرسنا ) ، مدرسة في تعليم الأفكار والمفاهيم وبناء القيم وتشكيل السلوك )، وله غيرها في مجال التخطيط للحياة ذكرها في أثناء كتابه الأول التركيز .
أما كتاب الحج يبني القيم فقد ذكر فيه خمسا وعشرين قيمة يبنيها الحج ، ثم تكلم عن كل قيمة بشرح مبسط في ثلاث صفحات ، – إن لم تنقص لم تزد – وهذه القيم هي : الأولى : إجلال شعائر الله ، الثانية : التوحيد ، الثالثة : تعظيم النص الشرعي ، الرابعة : الانضباط ، الخامسة ، الهدف ، السادسة : الوقت ، السابعة : النظام ، الثامنة : العزة ، التاسعة : الدعاء ، العاشرة : البراءة من المشركين ، الحادية
عشرة : المسؤولية الفردية ، الثانية عشرة : التيسير ، الثالثة عشرة : إجلال البيت وتعظيمه ، الرابعة عشرة : الأسئلة الناهضة ، الخامسة عشرة : ستر المرأة ، السادسة عشرة : المرأة الواعية ، السابعة عشرة : القدوة ، الثامنة عشرة : الوسطية ، التاسعة عشرة : الوحدة ، ا العشرين : الحافز ، الحادية والعشرين : البذل والعطاء ، الثانية والعشرين : المساوة ، الثالثة والعشرين : الذِّكر ، الرابعة والعشرين الصبر ، الخامسة والعشرين : الفأل والأمل .
وقال في الفأل والأمل :
تعلمك مدرسة الحج التفاؤل، وتفسح لك في ساحات الأمل، وتدعوك إلى أن ترى الغد في أبهج حالاته وأجمل أيامه:
– تطوف بالكعبة فتتذكر شكوى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عاشوا البلاء، وذاقوا مرارة الحياة، وقاسوا مض الأيام.. ( ألا تدعوا لنا يا رسول الله! ألا تستنصر لنا ! فيقول صلى الله عليه وسلم : « والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون ». قال أبو حكيم : ( رواه البخاري ) .
– وتصعد الصفا فتتذكر أول حوار واجتماع دار عليها ، بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش، الاجتماع الذي دعاهم فيه للإسلام ، فابتدره فيه أبو لهب وقال: (تبا لك، ألهذا جمعتنا؟!)، فانفضت قريش عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى في عقبه سورة المسد، ومنذ ذلك التاريخ إلى يومنا والإسلام يزيد ولا ينقص، ويكثر ولا يقل، ويتسع ولا يضيق.. وسيظل.
– تأخذ جولة في ربا مكة ومشاعرها وساحاتها فتتذكر سلى الجزور وهو على ظهره وهو ساجد، وكفار قريش
يتضاحكون ويستهزئون.. وتتذكّر حالات السخرية والاستهزاء التي كانت تلاحقه في كل مكان.. ويطوف في ذاكرتك تلك السنين الثلاث العجاف التي قضاها صلى الله عليه وسلم في الحصار في شعب أبي طالب حتى أكل هو ومن معه ورق الشجر!.. ثم هذا النصر الكبير في النهايات، ومشاهد العز التي تزدلف في ربوع مكة وحول الحرم، وفي ساحات المشاعر؛ في كل عام تزيد حتى تتوقف مشاعر مكة عن استيعابها.
– ماذا لو بعث الله تعالى أبا لهب وأقامه على ساحات الصفا التي جادل عليها بالأمس، أو أوقفه على حافة أجياد ليلقي ببصره لتلك الجموع التي اهتدت بتلك الدعوة ، وشربت من معين الحق، وعادت بهذا الدين إلى الحياة ؟!..
تخيل لو اصطف أبو جهل وأبو لهب وعقبة بن أبي معيط على هذه المشاهد المبهجة ، ورأوا هذه الأجيال وهي تعب من هذا الدين ، وتزدلف أرواحها إلى مشاهد الحياة في ربوع هذا البيت كل يوم وصدق الله تعالى : ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) [التوبة: ۲۲ – ۳۳). قال أبو حكيم وفي الصف : ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9 ) .
يذكِّرنا الحج بالحياة، ويفتح نفوسنا على أبواب الأمل المشرعة، ويدعونا للفرح بقادم الأيام، والشعور بالعز والنصر في المستقبل القريب، ويقول لنا: إن الدين دين الله تعالى، والبيت بيته، ووعده نافذ وإن طال زمان الانتظار، وهذه الأجيال التي تولد كل يوم على الفطرة، وتتحمل تبعات الطريق إلى هذه المشاعر، وتجد فيه أرواحها ومشاعرها، ستأتي بأحلام الحياة ولو بعد حين.