الجمعة التاسعة والعشرين / السادس والعشرين من رجب لعام 1436هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الحادية و الثلاثين بعد المائة (131) في تعداد الجمع ، والجمعة التاسعة و العشرين (29 ) من عام 1436 هـ وتوافق ( 26 / 7/ 1436 هـ ) بحسب التقويم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

أيها الكرام الأماجد  اليوم مع لغة العرب ومع أضدادها  ، فإنك ملفٍ  في ( كتاب : الأضداد ) ( لمحمد بن القاسم الأنباري  ) وحققه ( محمد أبو الفضل إبراهيم ) ،  وما في خزانتي – حرسها الله  – طبعته المطبعة العصرية  عام 1407 للهجرة ولم يبينوا رقم الطبعة ووقع في مجلد واحد مكون من ( 517 ) صفحة من القطع العادي .

ومما تجد فيه  ( ولا يغني عن مراجعته لما فيه من غرائب الفوائد ولطائف المعارف وصيد الأوابد ما يُقيم لسانك ويُثري عقلك ويغزر به قلمك   ) فهاك طرفا  وسر مع الجادة تصل الغاية والمنتهى – بإذن الله

– مما يشبه ألأضداد في الألوان  : قال تعالى : ( صفراء فاقع لونها )  قال بعض المفسرين : صفراء  حتى ظلفها  وقرنها أصفران  ، وقال آخرون  : الصفراء السوداء  ، قال جل اسمه  : ( كأنه جمالة صفر ) قال عدة من المفسرين : الصُّفر : السود  . وقال الفراء : إنما قالت العرب للجمل الأسود : أصفر  ، لأنه سواده تعلوه صفرة ، فسموه أصفر .

– ومن الحروف المشبهة للأضداد : ( الكأس ) قال ابن السكيت : قال أبو عبيدة : يقال للإناء كأس ، وللشراب الذي فيه كأس .   وقال الفراء : الكأس الإناء بما فيه  ، فإذا شُرب الذي فيه لم يُقل له كأس  ، بل يرد إلى اسمه الذي هو اسمه من الآنية  ، كما تقول العرب : المِهْدَي للطبق الذي عليه الهدية  ، فإذا أخذت الهدية من عليه قيل له : طبق ، ولا يقل له : مِهْدَي .   قال بعض المفسرين : الكأس : للخمر ، ولهذا المعنى أُنثت قال عز وجل : ( بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين ) . قال الشاعر :

ما زالت الكأس تغتالنا    ….     وتذهبَ بالأولِ فالأولِ .

– ومن حروف الأضداد  ( اللّحْن ) يقال : للخطأ لحن ، وللصواب : لحن   ، فأما كون اللحن على معنى الخطأ فلا يحتاج إلى شاهد  ، وأما كونه على معنى الصواب فشاهده قوله عز وجل : ( ولتعرفنهم في لحن القول ) محمد (40)  معناه : (في صواب القول وصحته ) . (قال أبو حكيم : هكذا قاله الأنباري في ص 238 . والله أعلم  ا.هـ )  ، وقال الأصمعي عن عيسى بن عمر قال : قال معاوية -رضي الله عنه – للناس : كيف ابن زياد فيكم  ؟ قالوا  : ظريف على أنه يلحن ، قال : فذاك أظرف له  ، ذهب معاوية رضي الله عنه إلى أن معنى ” يلحن ” يفطُن ويصيب  وأنشدنا أبو العباس وغيره :

وحديثٍ ألذُهُ هو مما    …    تشتهيه النفوسُ يوزن وزنا

منطقٌ صائب وتلحن أحيا    …    ناً وخيرُ الحديث ما كان لَحْنَا .

وقال : أراد ” تلحن ” تصيب وتفطُن  ، وأراد بقوله : ” ما كان لحنا ”  ما كان صوابا .

وقال ابن قتيبة  : اللحن في هذا البيت الخطأ ، وهذا الشاعر استملح من هذه المرأة  ما يقعُ  في كلامها من الخطأ قال أبو بكر : وقوله عندنا محال ، لأن العرب لم تزل تستقبح اللحن من النساء كما تستقبحه من الرجال …

قال ذو الرمة يصف امرأة :

لها بَشَرٌ مثل الحرير ومنطقٌ    …    رخيم الحواشي لا هراءٌ ولا نَزْرُ .

فوصفها بحسن الكلام …، وقال قيس بن الخطيم :  

ولا يَغِثُّ الحديث ما نطقتْ به    …   وهو بفيها ذو لذةٍ طَرِفُ

تخزنُهُ وهو مشتهىً حَسَنٌ    …     وهو إذا ما تكلمتْ أُنُفُ

فلو كانت هذه المرأة تلحن وتفسد ألفاظها كانت عند هذا الشاعر الفصيح غثةَ الكلام … وقال كُثيّر :

من الخَفِرات البيض ود جليسُها    …    إذا ما انقضت أُحدثةٌ لو تعيدُها

فخبّر بهذا  لصحة ألفاظها ، ولم تزل العرب تصف النساء بحسن المنطق ، وتستملح منهن رواية الشعر ، وأن تقرض منه المرأة البيت والأبيات ، فإذا قدرت على ذلك زاد في معانيها ، وتناهت عند من يشغف بها والدليل على هذا ما يروى عن (عزة وبُثينة ، وليلى الأخيلية ، وعفراء بنت مهاصر ) من قول الشعر ، وأن ذلك يزيد في محبة أصحابهن لهن ، فليلى الأخيلية تقول  في جواب توبة بن الحُميّر حين قال :

عفا الله عنها هل أبيتن ليلةً    …     من الدهر لا يسري إليّ خيالها

وعنهُ عفا ربي وأَصلحَ حالَه    …   فعزَّ علينا حاجةٌ لا ينالُها

قال أبوحكيم : وذكر أبيات للأخريات جميلات -( أقصد الأبيات ) فلم أر النساء  -في جواب أو في رثاء من كلُف بهن ، فيها من اللطافة ما يستحققن الوقوف معهن نردد أبياتهن ولولا خشية الإطالة ( وقد فعلت )  لكتبت لكم هذه الأبيات ولكن حسبي أني دللت على السوق  فمن أراد الشراء فقد عرف الجادة ،  وسيجد ما أقول في ( ص 243 ) ثم مال المؤلف إلى القول بمعنى ( اللحن ) إلى الخطأ وأورد شواهد وحكايات يحسن الوقوف عليها .
  والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

اترك تعليقاً