الجمعة الثالثة والاربعين / الثاني من ذي القعدة لعام 1440هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة السابعة والأربعين بعد الثلاثمائة ( 347 ) في تعداد الجمع ، والثالثة والأربعين ( 43 ) في عام ( 1440هـ ) وتوافق ( 2 / 11 / 1440 هـ ) بحسب التقويم والرؤية

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

أيها الأماجد قبل البدء:

  اليوم هو الثاني من ذي القعدة وهو شهر محرم وما بعده ذو الحجة والمحرم ثلاث أشهر متواليات ، ورابعها رجب الأصم بين جمادى وشعبان ،  ومن وصايا الله لنا حول هذه الأشهر جاءت في الآية السادسة الثلاثين من سورة التوبة في سياق خبره تعالى عن الأشهر وعددها وبيان عدد المحرم منها ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ..) .انتهى.

وثَمَّةَ  سؤال استقيته مما سأذكره في  أسفله * :

ما الذي يخبرنا به المال عن احتياجاتنا النفسية ؟ .

الكثير من الأسئلة يكون المال الإجابة الأولى لها ، فحين يُسأل شخص : ما الذي تتمناه ؟  كيف تجد السعادة ؟ عمّ تبحث ؟ لماذا تذهب إلى العمل ؟ لماذا اخترت هذا التخصص أو هذه المهنة ؟ أو حتى سؤال ( ما تحب ؟ ) .

يختار الكثير ( المال ) جوابا له .

فالبحث عن الاكتفاء المادي ” قد يكون ” هو الشيء الوحيد الذي اتفق عليه جميع البشر  ، لكن  :   السر دائما بعد امتلاك المال .

بعض الاحتياجات النفسية تتمثل أحيانا بمظاهر مادية ، وتصرفات تحمل رسالة واضحة لمن يقرأ ما بين السطور .

مفادها البحث عن شعور معين  ، نعم قد تُشترى المشاعر بصورة غير مباشرة ، فمثلا :

  • المبالغة بالعطاء ” وبالتحديد حين يكون البذل على حساب النفس ، وموجه لكل الناس المستحق منهم وغير المستحق ” ، في الظاهر يبدو من أنبل الأخلاق وأرقى الصفات ،  لكن حين تدقق في المشهد تجده لا يعكس نبل الأخلاق وكرمها ، بقدر ما يبدو مثيرا للسخرية ، ومحاولة شراء مشاعر ، وعطش للامتنان ، خصوصا حين يكون هذا الكريم المعطاء حريصا على تلقي ردة الفعل ( حتى وإن كانت مجرد شكر بالكلام ) ، فهو يجسد شخصا ليس مكتفيا داخليا ، ويشعر بحاجة شديدة لأن يحس بقيمته من خلال الآخرين ، وبعض العطاء أشد حقارة من المنع حين يكون وسيلة لشراء الوجاهة الاجتماعية والصعود على حاجات الآخرين .

  • قال أبو حكيم ، ولعل مما يعضد هذا ويمثله ما بلغني من الأخ ” ممدوح إبراهيم ” نزيل الخبر ” ، نضر الله وجهه ” ، فقد حكى لي أنه رأي في – أحد المطارات –  رجلاً أعطاه الله مالا ، فكان يوزع ( بالدولار !! ) على من لقيه في المطار من العاملين فيه ، يقول ممدوح : وسمعت رجلا من أهل البلد يقول لصاحبه – وهو يشاهد هذا الحدث-  : انظر لهذا  (الزُّمال )  بلهجة البلد  ” الحمار بلغتنا  ” –  أجلكم الله –  ، معه نقود لا يدري أين يصرفها … ) .

  • وتأملوا إن شئتم واعرفوا تفسيرها: ( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ) .  ا. هـ  .

  • وأما جمع المال وعدم صرفه ، فظاهره يدل على حنكة وتخطيط ، ولكنه في الأعماق يعكس حاجة للأمان ، يتبعه ” غالبا ” شخص يخشى مصائب الحياة ، يشعر بأنه بلا سند أو ضمان ، فوجود مبلغ من المال يشعره بأنه مستعد لمواجهة تقلبات الأقدار ، وأن حياته تحت السيطرة .

  • قال أبو حكيم : ولعل أصدق مثال على ذلك ( اليهود ) ، فقد اشتهروا في أدبيات العرب والغرب بأنهم جمّاعة مال ” والربا طريقهم ” ، وما يزالون ، ولكنه  ، حبل سيزول … ا. هـ .

  • المال بحد ذاته هدف مشترك للجميع ، لكن اختلافنا في التعامل معه يعكس الكثير عما ينقصنا نفسيا ، والسابقة السطحية للأمور المادية  تفوت علينا فرصة فهم بعض جوانب شخصياتنا أو شخصيات الآخرين .

  • *كتاب : سبعة أسرار في علم النفس ، منى التميمي  ، دار الصميعي للنشر والتوزيع  ، الطبعة الأولى (  1440 ) .

  • ملحوظة جاء في هامش الكتاب ص 19 : ( تبدأ التفسيرات بعبارة ” قد يكون ” لأن هذه التفسيرات ليست قاعدة ثابتة يمكن تعميمها ، وإنما تنظر لكل حالة على حدة ) .

  • ختاماً ص 94 : لا تعطيك قراءة هذا الكتاب ، ولا عشرة كتب غيره ، حق البجاحة في تفسير نوايا البشر ، ولا الوصول إلى درجة اليقين في الحكم على تصرفات أحد ، مهما بلغت من العلم والمعرفة ، فجميع فصول الكتاب إضاءة على أماكن مظلمة يربنا الإبصار فيها عدة احتمالات قد يكون أحدها حقيقية ، لكن تذكر دائما أن الاحتمال الصحيح يجب أن يستند على إثباتات أخرى أكثر من الظنون والتوقعات .

  • لأن كل إنسان يحتوى على عالم بحد ذاته ، نتاج خليط من أحلام قديمة وحاضرة يسعى فيها للتغيير ، ويتأرجح بين أدور ينتظر منه المجتمع أن يلعبها ، وأدوار يحاول التسلل لها ولو بخياله ، لا تعتقد بأنك تعرفه . ولو كنت تعرف الكثير عنه.

  • هناك شخص واحد فقط تعرف أدق تفاصيل حياته ، ولا يخفيك شيء من أسراره ، وتستطيع الجزم يقينا بما يريد ، ذلك الشخص هو أنت ، ، لذا أتمنى أن يدلك هذا الكتاب على نفسك أكثر ، إيمانا وامتثالا لقوله تعالى ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) الذاريات 21 .

  • والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

اترك تعليقاً