الجمعة الثالثة والعشرين / العاشر من جمادي الثاني لعام 1440هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الثانية بعد الثلاثمائة ( 302) في تعداد الجمع ، و التاسعة والأربعين (49) في عام ( 1439هـ ) وتوافق ( 13/ 12 / 1439 هـ ) بحسب الرؤية .

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

كان قد طلب مني الصديق العزيز وزميل العمل في ثانوية رياض الخبراء الأخ الأستاذ أبو فهد منصور الغرابي – نزيل رياض الخبراء –   الكتابة عن الشيخ الأجل العلامة  : محمد ابن الشيخ إبراهيم ابن الشيخ عبداللطيف بن الشيخ عبدالرحمن بن الشيخ حسن ابن إمام الدعوة محيي السنة ومميت  البدعة الشيخ ( محمد بن عبدالوهاب ) عليه وعلى أبنائه وجميع علماء المسلمين موفور الرحمات  ، ولا أخال الأخ أبا فهد يعزب عن علمه سيرة الشيخ وإنما أراد – والله أعلم – نشر عَرْف سيرة هذا العلم بين الناس ، وقد أحسن الظن بأخيه لأكتب عنه في مختارة – وها أنا أفعل يسر الله الأمر .

قبيل برهة من الزمن انتشر مقطع صوتي للعلامة ابن باز وقد سئل عن الشيخ ابن إبراهيم  فبدأ بالكلام عنه فغلبه الشوق والحنين إليه فبكى لذكره عليهما رحمة الله  ، وشيخنا ابن باز أحد الثمار اليانعة من بركة هذا العالم العلم الأجل  فالشيخ محمد مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها  في وقته ومن أفاضل العلماء وأرسخهم فهو شيخُ  علمائنا الكبار من السبعينات و الثمانينات الهجرية وما بعدها ، فمنهم على سبيل التمثيل لا الحصر  الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن قاسم “جامع فتاوى ابن تيمية ” مع أبيه ، فهو أشهر طلابه وأكثرهم قراءة عليه ولازمه ملازمة تامة  ودرس عليه كثر من خمسة وعشرين عاما من ( 1357 حتى 1381 )وكان يكتب ما يقول في دروسه ، وجمع فتاوى ورسائل  شيخه ابن إبراهيم  في ثلاثة عشر مجلدا بأمر من الملك فيصل رحمه الله .

ومن طلاب الشيخ ابن إبراهيم  الشيخ عبدالله بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء  والشيخ العلامة العلم العامل ابن باز  ، وابن غصون ، والشيخ صالح المحمد اللحيدان  ، والشيخ ابن غديان والشيخ ابن جبرين والشيخ فهد بن حمين والشيخ عبدالله بن عقيل عضو المجلس الأعلى للقضاء   وغيرهم الكثير من القضاة والمشايخ وطلبة العلم والمدرسين وأئمة المساجد وخطباؤها ووعاظ ، ولا أظن الحصر قادر على الإتيان بجميع أسماء طلابه ومن درس عليه ، فقد عد صاحب كتاب ” المبتدأ والخبر لعلماء في القرن الرابع عشر ” في المجلد الخامس (  اثنين وثمانين ) طالبا للشيخ مع ما تولوا من أعمال جليلة .

ولد بالرياض في حي ( دخنة ) في السابع عشر من محرم عام ( 1311 هـ ) ، وفي السادسة عشرة من عمره أصابه الرمد لسنة فأخذ الله نور عينيه ، وفي قلبيه بصيرة وقادة ،  واستمر في طلب العلم على المشايخ ، مع ما استفاض عنه أنه كثير الدأب على  المطالعة في مختلف الكتب وتدريسها فكان هذا مصدرا ثانيا غنيا بتنمية حصيلته العلمية وتوسيع أفقه ، مع ما وهبه الله من حدة ذكاء ورجاحة عقل  ، ويذكر صاحب كتاب ” المبتدأ والخبر لعلماء في القرن الرابع عشر ” في ترجمته للشيخ  أن عمه عبدالله بن عبداللطيف زعيم أسرة آل

الشيخ في وقته  كان يتوسم فيه الخير ، ويذكره بكل خير في مجالسه الخاصة  … ولما حضرت الشيخ عبدالله  الوفاة عام ( 1339 ) عاده الملك عبدالعزيز عليهما رحمة الله ، فقال له الملك عبدالعزيز أو صني  ، فقال الشيخ : أوصيك بتقوى الله في السر والعلن ثم أوصيك بهذا الشاب – يعني الشيخ محمد بن إبراهيم – فإني أتوسم فيه ذكاء وإخلاصا وتقوى وزهدا . واستجاب الملك لذلك .   ويذكر عن الشيخ العلامة عبدالله  العنقري (ت في 23 / 1 /  1373 ) ،  أنه كان يخصه بالدعاء في صلاته آخر الليل  ، ويقول : إني لأرجو أن يبقيه الله لنصرة هذا الدين  ، وحماية هذه الدعوة  السلفية  .

بدأ – رحمه الله – التدريس في عام  (  1339 هـ ) أي قبل مائة سنة من هذا العام ،  واستمر يدرس لإحدى وأربعين سنة أي حتى عام ( 1380 هـ ) . فحين توفي  عمه ( عبدالله بن عبداللطيف ) عام ( 1339 ) الذي درس عليه العقائد والحديث ، أخذ الشيخ محمد مجلسه فبدأ التدريس إلى جانب مشايخه الذي ما زالوا على قيد الحياة ولما توفي شيخه ( سعد بن حمد ابن عتيق ) عام ( 1349 هـ ) ، وقد درس عليه الفقه والحديث ،  وتوفي قبله الشيخ حمد بن فارس عام ( 1345 هـ )  ، و درس على يديه الشيخ الفقه والعربية  ، توسع في مجالس التدريس واستقل بأكثرها إلى جانب أعمامه  ، وبقية المشايخ ،   فكان له النصيب الأوفر في كثرة  المجالس وكثر القاصدين له من طلبة العلم ، فقد كان يجلس للتدريس ثلاث جلسات منتظمة من بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس ، والثانية من بعد ارتفاع الشمس مدة تتراوح ما بين ساعتين وأربع ساعات ، والثالثة بعد صلاة العصر ، وهناك جلسة رابعة بعد صلاة الظهر ولكنها ليست مستمرة ، وكانت كل هذه الجلسات تتم في جامع الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، المعروف الآن ( في دخنة  “حي من أحياء الرياض”  شمال الميدان )  ، عدا جلسة الضحى فقد كانت في أول الأمر في الجامع ثم نقلها إلى بيته ، وكان ينقطع بعد المغرب لمطالعة دروس  الغد في الكتب التي كانت تدرس بعد الفجر ، ومنها الروض المربع ، وسبل السلام  ، وشرح ابن عقيل على ألفيه ابن مالك ، وما يعين عليها من المراجع .

ومن تعجب من مهام ومسؤوليات الشيخ ابن باز وكيف يقوم بها شخص واحد فلينظر في مهام ومسؤوليات شيخه ابن إبراهيم عليهما رحمة الله ومغفرته ، فإلى جانب التدريس والإفتاء تولى أعمالا عددها صاحب كتاب ( المبتدأ والخبر ..)  وبلغت : خمسة عشر  عملا ، كانت كليها في طور التأسيس والبناء ،  يقوم بكل واحد منها اليوم فريق من العاملين فسبحان من وهب بركة الوقت والعمر والإعانة على الخير .

 وقد سرد جانبا من حياته العملية  ابنه عبدالعزيز في جريدة البلاد في العدد ( 7264 ) وتاريخ  ( 29 / 4 / 1403 )

أما في يومه وسيره  فقد كتب عنه الشيخ عبدالله ابن خميس في جريدة  الرياض في ( 8 / 10 / 1389 هـ ) .

 وسبحان من له البقاء فقد اعتراه ما يصيب الخلق فذكر الشيخ ابن باز رحمه الله في كتابه  ” تحفة الإخوان في تراجم بعض الأعيان ” : 51 : في ذي الحجة من عام ( 1388 هـ ) أو أواخر ذي القعدة أصيب شيخنا العلامة محمد بن إبراهيم … بمرض خفيف في الوجه يسمى ( اللقوة ) وهو ميل الحنك للأسفل وعالجه العلاج المعتاد وحضر الحج هذا العام والمرض لم يزل ، ورجع للرياض ، وفي المحرم عام ( 1389 ) أشار عليه بعض الأعيان بالسفر للخارج للعلاج والفحوصات ، فسافر إلى لندن وصحبته ابنه عبدالعزيز وبقي هناك قريبا من شهر ، ثم رجع عن طريق جدة في ليلة الثلاثاء ( 26 ) صفر  وصحته متحسنة ولم يبق من المرض إلا الشيء القليل  ، وأجرى هناك عملية   نفع الله بها ، وشفي من المرض المشار إليه أما اللقوة فلم يزل له بقية ولكنها خفيفة .

ثم قال الشيخ ابن باز رحمه الله : في شعبان من عام ( 89 ) ألم به – رحمه الله مرض في المعدة ولم يزل حتى أدخل المستشفى المركزي بالرياض للفحص والعلاج في أول رمضان  ، ثم في ( 4 ) منه سافر إلى لندن للعلاج ،واشتد به المرض هناك ، ورأى الأطباء أنه لا مصلحة له في إجراء العملية  ، فرجع إلى الرياض في ليلة الجمعة الموافق ( 19 / 9 / 1389 هـ )  وهو ثقيل جدا وضعيف الشعور ولم يزل في غيبوبة إلى أن وافته المنية في ضحوة يوم الأربعاء الموافق ( 24 / 9 / 1389 ) رحمه الله رحمة واسعة .

وقد عدته يوم السبت الموافق  ( 20 ) رمضان وسلمت عليه ،فرد علي ردا ضعيفا، ثم لم يزل في غيبوبة وأخبرنا أخوه فضيلة الشيخ عبدالملك وابناه الفاضلان الشيخ عبدالعزيز والشيخ إبراهيم أنه لم يزل في غيبوبة من حين وصل من لندن  إلى أن توفي إلا أنه قد يتكلم بكلمات قليلة مضمونها طلب المغفرة والعفو والمسامحة … وصُلِّي عليه بعد الظهر من اليوم المذكور في الجامع الكبير ، وكنت أنا الذي أممتهم في الصلاة عليه وحضر الصلاة عليه جلالة الملك فيصل والأعيان من الأمراء والعلماء وغيرهم ،وامتلأ المسجد الجامع بالناس على سعته وصلى عليه الناس من خارج المسجد وتبع جنازته للمقبرة الجم الغفير . 

نقل  كتاب تذكرة الإخوان في الهامش ص ( 51 )   عن  كتاب جوانب من سيرة الشيخ عبدالعزيز بن باز رواية الشيخ محمد الموسى وإعداد الدكتور محمد الحمد : وكثيرا ما كان سماحة الشيخ ابن باز  يبكي إذا ذكر شيخه ابن إبراهيم وقال مرة :و الله ما أبصرت عيناي قبل فقد البصر مثله ،ولا سمعت أذناي بعد أن عميت مثله ، وكان له فضل كبير عليَّ .  

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

اترك تعليقاً