الجمعة العشرين / التاسع عشرة من جمادي الاول لعام 1440هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الرابعة والعشرين بعد الثلاثمائة ( 324) في تعداد الجمع ، و العشرين ( 20 ) في عام ( 1440هـ ) وتوافق (19 / 5 / 1440 هـ ) بحسب التقويم

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

لا تيأسوا :

في يوسف قال تعالى :  (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) .

وفيها أيضا : (  حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110(.

وفي سورة الرعد:  (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ ۗ بَل لِّلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا ۗ أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ۗ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31( ) .

وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ  (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاءِ رَبِّهِمْ ۗ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ (54) ) .

آيات بينات فيها المنهج للسالكين وأسوة  للمتأسين ، فمهما بلغ ضيق صدر المؤمن مما يرى من المنكرات ومهما بلغ به الحزن من مبلغ يطغى على القلب ،   فلا يأس ولا قنوط ، إنما شعلة تحث على العمل الدؤوب والسعي الحثيث وتدارك الزمان .

  فأولا : العمل على النفس بتزكيتها بالفرائض ورفعتها بالنوافل  والقرب من الله بالعلم  ، فمن عرف الله في الرخاء عرفه في الشدة ، ثم ثانيا : نشر الفضيلة في محيطك ومن تحت يدك مما ولاك الله ، ولا يأس ولا قنوط بل فرج قريب فما قدّر الله ألا الخير ،  ولكن هي سنة ربانية :  (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14( يونس .

والعمل ليس بكميته إنما بصوابه ومتابعته ، فأهل الفيزياء عندهم قانون الإزاحة وهو : ( أقصر مسافة مقطوعة بين موقع البداية إلى موقع النهاية)، فالمهم أن لا نقف ولو كانت المسافة قليلة ، فالقليل مع القليل كثير ، وأحب العمل إلى الله  أدومه وإن قل، وقد قال علماؤنا قديما: ( التخلية ثم التحلية ) ، فالمكان لا ينشغل بشيئين ، فإن كان ثمة خير فلن يبقى شواغر ،  وهكذا هي الحياة .

  في قصة يوسف صلى الله عليه وسلم مع أبيه كل المعطيات الدنيوية  تقول :  إنه لا لقاء ، فقد فُقِدَ الابن صغيرا ، قال ابن كثير في البداية والنهاية  في آخر قصة يوسف صلى الله عليه وسلم : (وقال مبارك بن فضالة عن الحسن: ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وغاب عن أبيه ثمانين سنة، وعاش بعد ذلك ثلاثًا وعشرين سنة، ومات وهو ابن مائة سنة وعشرين سنة ) * .

ثم جاءه الخبر المفجع بعد سنوات  بفقد الأبناء الثلاثة يوسف ثم بنيامين ثم الثالث الذي حلف أن لا يبرح ومع ذلك قال بقلب المؤمن : (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83))  الذي يعلم حاله ، ويعلم ما وراء هذه الأحداث والامتحانات ، ويأتي بكل أمر في وقته المناسب ، عندما تتحقق حكمته في ترتيب الأسباب والنتائج ،  ثم هذا الشعاع من أين جاء إلى قلب هذا الرجل الشيخ ؟ إنه الرجاء في الله  ،والاتصال الوثيق به ، والشعور بوجوده ورحمته ، ذلك الشعور الذي يتجلى في قلوب الصفوة المختارة ، فيصبح عندها أصدق وأعمق من الواقع المحسوس الذي تلمسه الأيدي وتراه الأبصار .

قال السعدي – رحمه الله –  في تفسيره :   قال يعقوب عليه السلام لبنيه : (  يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ )  أي: احرصوا واجتهدوا على التفتيش عنهما ( وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ) فإن الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه، والإياس: يوجب له التثاقل والتباطؤ، وأولى ما رجا العباد، فضل الله وإحسانه ورحمته وروحه، ( إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) فإنهم لكفرهم يستبعدون رحمته، ورحمته بعيدة منهم، فلا تتشبهوا بالكافرين.

اللهم إنا ندعوك أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويهدى فيه أهل معصيتك  ، اللهم ردنا إليك جميعا ردا جميلا  ، وهب المسيئين منا للمحسنين ، ولا تؤخذنا بما نحن له أهل ، وعاملنا بما أنت أهله فأنت أهل التقوى وأهل المغفرة .

ولا يستجرينك الشيطان فتأسى على ما فات ، فإنكار المنكر بالقلب وهو أقل درجات الإنكار وهو على كل أحد لازم لا ينفك  باق لا يتزحزح ، فنكره أن يعصى الله  في كل حال في إعلان أو إسرار  ، ولسنا بمعصومين ولكن نرجو توبته علينا  ، ونأخذ بأيدي بعضنا البعض ، ونتواصى على الحق وعلى الصبر فيه  ، ومن كان مستطيعا مدافعة فليدفع بما قدّره الله عليه  ، ولا تغفل عن معرفة الله في كل حال  وتأمل هذه الآية من سورة الحديد كيف بين الله عظيم خلقه  ، وبين أنه معنا بعلمه حيث كنا :  (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4( ) . قال السعدي (وهذه المعية، معية العلم والاطلاع، ولهذا توعد ووعد على المجازاة بالأعمال بقوله : ( وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(   ، أي : هو تعالى بصير بما يصدر منكم من الأعمال، وما صدرت عنه تلك الأعمال، من بر وفجور، فمجازيكم عليها، وحافظها عليكم . ا .هـ

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 🙁 لا يتمنى أحدكم الموت لضر نزل به، إما محسنًا فيزداد، وإما مسيئًا فلعله يستعتب، ولكن ليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي   ) .

* قال المحقق مصطفى العدوي ( صحيح ، وهو عند ابن جرير الطبري وهذا السند ضعيف لكن الأثر صحيح تابع مبارك يونس وهشام نفس المصدر ، وعند ابن أبي حاتم .   ( مجلد 1 ص 261 طبعة دار ابن رجب ) .

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

لمشاركة المقالة على حسابكم الإجتماعي

Twitter
Facebook

اترك تعليقاً