الجمعة الخامسة عشرة / الرابعة عشرة من ربيع ثاني لعام 1440هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة التاسعة عشرة بعد الثلاثمائة ( 319) في تعداد الجمع ، و الخامسة عشرة ( 15 ) في عام ( 1440هـ ) وتوافق ( 14 / 4 / 1440 هـ ) بحسب التقويم

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

اليوم سنأخذ بنصيحة ابن عباس – رضي الله عنهما –  كما رواها محمد عَبْد الحَيّ بن عبد الكبير بن محمد الحسني الإدريسي، المعروف بعبد الحي الكتاني (المتوفى: 1382هـ) في كتابه : (التراتيب الإدارية والعمالات والصناعات والمتاجر والحالة العلمية التي كانت على عهد تأسيس المدنية الإسلامية في المدينة المنورة العلمية ) ” موجود على الشبكة ”  ،  قال : ” وفي مناهج الفاكهي: كان ابن عباس – رضي الله عنهما – يقول لأصحابه إذا داموا في الدرس: ( أحمضوا أي ميلوا إلى الفاكهة، وهاتوا من أشعاركم، فإن النفس تمل كما تمل الأبدان ) .  اهـ.  ،  وأخذت من صفحة ” حسن بن محمد الحملي” على الفيس بوك قوله  : وفي سير أعلام النبلاء (5/341) عن الإمام الزهري ” قال أبو حكيم هو : محمد بن مسلم بن عبيدالله الزهري ت ( 124 هـ  ) ” – رحمه الله – : ( كان يحدِّث ، ثم يقول : هاتوا من أشعاركـم وأحاديثـكم ، فإنَّ الأذن مجَّاجة ، وإن للنفس حَمْضــة )  ، قال أبو حكيم : (وصدق الحملي ، بيد أنه في طبعة دار صادر (الأولى 1417 ) في المجلد : ( 6 / 145 ) .  وقرأت مرة عند الطنطاوي رحمه الله تعالى  -لأنه كثير القراءة – : إني لأعرف المعلومة ولكن لا تسألني من أين أتيت بها  ، ومن هنا فقد كنت أردد مثلا يقول : ” اللهاء تقطع اللُّهى ” أو نحو هذا ومعناه  كما فهمته  : ( الهبة تقطع حديث اللهاة ) ، وقد بحثت عن هذا المثل في مظانه ، فلم يتيسر فعمدت إلى : ( أعط القوس باريها ) ،

فاستكتبت أهل اللغة – في مجموعة وأتس – ، فكان أن انبرى منهم ( مشاري ) ، ولا أعرف بقية اسمه،  ولا رسمه ، إنما قد فتح الله على ذهني بعلمه ، فدلني على مربط الفرس ، وبين لي خطل قولي ، ومن ثّمَّ  أخطأتُ في فهمي  ،  فكن مما كتب : (دخل على السلطان أبي القاسم محمد بن عباد يوماً، وهو ينشد قول المتنبي:

إذا ظفرت منك العيونُ بنظرةٍ … أثاب بها مُعْيي المطيِّ ورَازِمُهْ

وجعل يردده استحساناً له. فقال عبد الجليل بديهاً:

لئن جاد شعرُ ابن الحُسين فإنما … تُجيد العطايا ” واللُّهي تفتح اللَّهَا”

تَنَّبأ عُجباً بالقريض ولو دَرَى … بأنّك تَرويه إذا لتألَّها

فأمر له بمائتي دينار، وهو مثل قديم.

قال أبو سعيد القصار في جعفر بن يحيى:

لابن يَحيى مآثٌر … بلغتْ بي إلى السُّهَا

جادَ شِعْري بجُوده … واللُّهي تَفتح اللَّها

اللهي، بالضم: العطايا؛ واحدها: لهوة ولهية. واصلها: القبضة من الطعام تلقى في الرحى لتطحن، فجعلت الدفعة من المال المعطى لهوة. وأما اللها، بالفتح فجمع لهاة: الحلق  ، وقال مشاري  : إنه من كتاب : المطرب في أشعار أهل المغرب ) ا. هـ . أحسن الله إليه وفتح الله له أبواب البركة  .

( قال أبو حكيم  : (والمطرب لعمر بن حسن بن دحية أبو الخطاب ) ، فلما عرفتُ المصدر أحسنتُ المورد ، فبحثت عنها فوجدتها  أيضا في كتاب  (زهر الأكم في الأمثال والحكم للحسن اليوسي )  .( إنَّ الُّلهَي تفتح الَّلهي )

 وكنت أستحضر هذا إبان مطالعة كتاب ” معجم الأدباء لياقوت الحموي ” ( وقد تكلمت عنه في مختارة قبل أربع سنوات إلا ثلاثة أشهر ) والمعجم – للتذكير-  : كتاب أدبي ماتع جامع : ( في عشرين جزء ) .

 قال أبو حكيم : ومن عجيب صنع المال في النفوس  ما ذكره ياقوت حيث قال في (الجزء السادس عشر من المجلد الثامن (ص 187 )) : في ترجمة :  (الفتح بن محمد بن خاقان الإشبيلي)   : حدثني الصاحب الكبير العالم جمال الدين بن أكرم – أدام الله علوه – قال: لما عزم ابن خاقان على تصنيف كتاب ” قلائد العقيان ” جعل يرسل إلى كل واحد من ملوك الأندلس ووزرائها وأعيانها من أهل الأدب والشعر

 قال أبو حكيم : ومن عجيب صنع المال في النفوس  ما ذكره ياقوت حيث قال في (الجزء السادس عشر من المجلد الثامن (ص 187 )) : في ترجمة :  (الفتح بن محمد بن خاقان الإشبيلي)   : حدثني الصاحب الكبير العالم جمال الدين بن أكرم – أدام الله علوه – قال: لما عزم ابن خاقان على تصنيف كتاب ” قلائد العقيان ” جعل يرسل إلى كل واحد من ملوك الأندلس ووزرائها وأعيانها من أهل الأدب والشعر

والبلاغة يعرفه عزمه ويسأله إنفاذ شيء من شعره ونظمه ونثره ليذكره في كتابه، وكانوا يعرفون شره وثلبه ، فكانوا يخافونه وينفذون إليه ذلك ( وصرر الدنانير ) ، فكل من أرضته صلته أحسن في كتابه وصفه وصفته، وكل من تغافل عن بره هجاه وثلبه، وكان ممن تصدى له وأرسل إليه، ( أبو بكر بن باجة المعروف بابن الصائغ ) ، وكان وزير ابن فلويت صاحب الـمُرِّيَّة، وهو أحد الأعيان وأركان العلم والبيان، شديد العناية بعلم الأوائل، مستول على أهل الأشعار والرسائل، وكانوا يشبهونه بالمغرب بابن سينا بالمشرق، وله تصانيف في المنطق وغيره، فلما وصلته رسالته تهاون بها ولم يعرها طرفه، ولا لوى نحوها عطفه .وذكر ابن خاقان بسوء فعله، فجعله ختم كتابه، وصيره مقطع خطابه وقال: أبو بكر الصائغ: هو رمد جفن الدِّين وكمد نفوس المهتدين، اشتهر سخفاً وجنوناً، وهجر مفروضاً ومسنوناً، وضل فيما يتسرع، ولا يأخذ في غير الأباطيل ولا يشرع، ولا يَرِدُ سوى الغُمَّةِ ولا يكرع، ناهيك من رجل ما تطهر من جنابة، ولا أظهر مخيلة إنابة، ولا استنجى من حدث، ولا أشجى فؤاده تَوَارٍ في جدث، ولا أقر بباريه ومصوِّرِهِ، ولا فر عن تباريه في ميدان تهوره، والإساءة إليه أجدى من الإحسان، والبهيمة عنده أهدى من الإنسان، نظر في تلك التعاليم، وفكر في أجرام الأفلاك وحدود الأقاليم، ورفض كتاب الله العلي العظيم، ونبذه وراء ظهره ثاني عطفه، وأراد إبطال ما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، واقتصر على الهيئة، وأنكر أن تكون إلى الله الفيئة، وحكم للكواكب بالتدبير، فهو يعتقد أن الزمان دور، وأن الإنسان نبات له نَوْر، مع منشأ وخيم ولؤم أصل وخيم، وصورة شوهها الله وقبحها، وطلعة إذا أبصرها الكلب نبحها، وقذارة يوبئ البلاد نَفَسُهَا، ووضارة يحكي الحدادَ دَنَسُهَا، وله نظم أجاد فيه بعض الإجادة، وشارف الإحسان أو كاده، … مع كلام طويل، وهجو وبيل.  وبلغ ذلك ابن الصائغ فأنفذ له مالاً استكفَّه به واستصلحه.

وصنف ابن خاقان كتاباً آخر سماه: (مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ذيل شعراء الأندلس )، وصله ب (قلائد العقيان ) ، وافتتحه يذكر ( ابن الصائغ ) ،  وأثنى عليه فيه ثناءً جميلاً فقال: الوزير أبو بكر بن الصائغ هو بدر فهم ساطع، وبرهان علم لكل حجة قاطع، تفرَّحت بعطره الأعصار، وتطيبت بذكره الأمصار، وقام به وزن المعارف واعتدل، ومال وتهدل، وعطل بالبرهان التقليد، وَيَنْفُقُ بعد عدمه الاختراع والتوليد، إذا قدح زند فهمه أورى بِشَرَرٍ للجهل محرق، وإن طما بحر خاطره فهو لكل شيء مغرق، مع نزاهة النفس وصونها، وبعد الفساد من كونها، والتحقيق الذي هو للإيمان شقيق، والجد الذي يخلق العُمُرُ وهو مستجد، وله أدب يود عطارد أن يلتحفه، ومذهب يتمنى أن يعرفه، ونظم تتمناه الَّلبَّات والنحور، وتدعيه مع نفاسة جوهرها البحور. وقد أتيت بما تهوى الأعين النجل أن يكون إثمدها، ويزيل من النفس حزنها وكمدها، فمن ذلك قوله يتغزل:
أسكان نعمان الأراك تيقنوا … بأنكم في ربع قلبي سكان
ودوموا على حفظ الوداد فطالما … بلينا بأقوام إذا استحفظوا خانوا
سلوا الليل عني مذ تناءت دياركم … هل اكتحلت لي فيه بالنوم أجفان؟
وهل جردت أسياف برق دياركم … فكانت لها إلا جفوني أجفان؟
وله:
أتأذن لي آتي العقيق اليمانيا … أسائله ما للمغاني وماليا؟
وسل دارَهُم بالحزن أقفر إنني … تركت الهوى يقتاد فضل زماميا
فيا مكرع الوادي أما فيك شوبة … لقد سال فيك الماء أزرق صافيا؟
ويا شجرات الجزع هل فيك وقفة … فقد فاء فيك الفيء أخضر ضافيا؟
وقد جرى في هذا الميدان فأحسن كل الإحسان.

قال أبو حكيم وفي فرائد الخرائد في الأمثال لأبي يعقوب يوسف بن طاهر الخويّي تلميذ الميداني ت ( 549 ) في  أمثال المولدين التي تبدأ ب ( لا ) : ” لا رسول كالدرهم ” .

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

اترك تعليقاً