الجمعة الواحد والعشرين / التاسع والعشرين لعام 1436هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الثالثة والعشرين بعد المائة (123) في تعداد الجمع ، والجمعة الحادية و العشرين ( 21 ) من عام 1436 هـ وتوافق ( 29 / 5 / 1436 هـ ) بحسب التقويم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

أيها الكرام يحدثنا اليوم الدكتور ( السيد عبدالعزيز سالم أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية في كلية الآداب جامعة الاسكندرية ) عبر كتابه الموسوم ب ( التاريخ والمؤرخون العرب ) ، نشرته مؤسسة شباب الجامعة  في الاسكندرية عام ( 2003 م ) .  بتصرف .

قال الدكتور : قال الشيخ عبدالواسع بن يحي الواسعي اليماني ، صاحب تاريخ اليمن المسمى ( فرجة الهموم والحَزن في حوادث وتاريخ اليمن : ” أما بعد : فإن علم التاريخ علم جليل المقدار ، شهدت بفضله الآيات والأخبار ، واعتنى بنقله الأثبات والأخيار  ، وأنفقوا في ذلك نفائس الأعمار ، يطلع به العاقل على ما مر من الأعصار ، فيزيده من الكياسة والاستبصار ، بما حدث للأمم الماضية من الحوادث التي فيها عظة واعتبار ” .

ومما نقله الدكتور حديثه عن مقولة لابن خلدون المؤرخ الشهير وفاتح باب النقد للروايات التاريخية ،  وهي : اعلم أن فن التاريخ عزيز المذهب ، جم الفوائد ، شريف الغاية ، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين  من الأمم في أخلاقهم ، ، والأنبياء في سيرهم ، والملوك في دولهم وسياستهم ، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرويه في أحوال الدين والدنيا “

فائدة : سلك المؤرخون العرب في كتاباتهم التاريخية منهجين : الأول : الحولي أو التاريخ حسب السنين ،  والثاني : التاريخ حسب الموضوعات .

  • المنهج الحولي وعليه أشهر كتب التاريخ ، وعيبه أنه يمزق سياق الحادثة التاريخية الطويلة التي تتواصل وتمتد إلى عدة سنين .

  • الطبري عمدة مؤرخي العرب ، ( صاحب تاريخ الرسل أو الأمم  والملوك )   هو أول مؤرخ وصلنا إنتاجه التاريخي مرتبا على السنين ( على قول وهناك من يرفض هذا ويذكر أن الطبري سُبق في هذا من مثل / أبي عيسى المنجم ( ت  279 )، و  محمد بن يزداد وابنه أتم كتابه من بعده سنة ( 300 ) والهيثم بن عدي( ت 206  )  .

  • يؤرخ الطبري تاريخه منذ بداية الخليقة  حتى سنة( 302 ) ، والطبري نسبة إلى (طبرستان ) ، حيث ولد في بلدة (آمل ) عند الساحل الجنوبي من (بحر طبرستان) ( قزوين ) في عام (224 للهجرة ) ، وتاريخه اعتمد على طريقة الإسناد ، حيث كان -رحمه الله –محدثا فقيها ، وكان يكتفي بعرض الروايات ويقف محايدا لا يرجح رواية على أخرى .

وقد تبع طريقة المنهج الحولي بعد الطبري عدد كبير من المؤرخين مثل :  مسكويه صاحب : ( تجارب الأمم وتعاقب الهمم )  ، وابن الجزري صاحب : (تاريخ حوادث الزمان وأنبائه ووفيات الأكابر والأعيان من أبنائه )  ، وابن الأثير ، وأبو الفداء ابن كثير صاحب : ( البداية والنهاية ) ، والذهبي صاحب: ( تاريخ الإسلام ، وسير أعلام النبلاء) .

  • ابن الأثير ( علي بن محمد بن عبدالكريم بن عبدالواحد الشيباني ) المعروف بن الأثير الجزري والملقب بعز الدين ( 630  – 555 ) للهجرة ، وتاريخه ( الكامل في التاريخ ) انتقد المنهج الحولي ،  فيقول : ” ورأيتهم أيضا يذكرون الحادثة الواحدة في سنين ، ويذكرون منها في كل شهر شيئا ، فتأتي الحادثة مقطعة ،  لا يحصل منها على غرض ، ولا تُفهم إلا بعد إمعان نظر ، فجمعت أنا الحادثة في موضع واحد ، وذكرت كل شيء منها في أي شهر أو سنة كانت ، فأتت متناسقة متتابعة ، قد أخذ بعضها برقاب بعض ، وذكرت في كل سنة ، لكل حادثة كبيرة مشهورة ترجمة تخصها ، فأما الحوادث الصغيرة التي لا يحتمل منها كل شيء ترجمة ، فإني أفردت لجميعها ترجمة واحدة في آخر كل سنة فأقول : ذكر عدة حوادث ، وإذا ذكرت بعض من تبع وملك في قطر من البلاد ولم تطل أيامه ، فإني أذكر جميع حاله من أوله إلى آخره ، عند ابتداء أمره لأنه إذا تفرق خبره ، لم يعلم للجهل به ” .

  • لم يستطع ابن الأثير أن يطبق هذه القاعدة في كل الحوادث ، ففي حادثة الزنج والتي استمرت أربعة عشر عاما ، فقد وردت أخبارها في الكامل ممزقة على السنين .

أما من ناحية التاريخ حسب الموضوعات فقد كان عمادها الأشخاص  ( إما للدول  أو لعهود الخلفاء والأمراء ، والحكام  ، وإما للسير أو الطبقات أو الأنساب ووجد أرضا خصبة في الأندلس  .

من أقدم من ألف في الدول والعهود : أحمد بن أبي يعقوب بن واضح المعروف باليعقوبي (284 للهجرة) ، وكان معاصرا للطبري ، واليعقوبي مؤرخ  رحالة . وكتابه عبارة عن جزأين الأول لتاريخ العالم القديم قبل الإسلام  ، والأثر الجغرافي واضح فيه  ، حيث تحدث عن بدء الخليقة ، وتاريخ الأنبياء ، وتاريخ الفرس القديم ، وجاهلية العرب  ، والبابليين ، والآشوريين  ، والهنود ، واليونان ، والروم ، والصين .

 والآخر عن التاريخ الإسلامي ، مراعيا تسلسل الأحداث من مولد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى المعتمد العباسي .

  • ومن الأوائل ممن كتب عن العهود والدول ( ابن قتيبة الدينوري ) ( ت 270 ) ، وكتابه المعارف من أمثلة الكتابة التاريخية العالمية ، من بدء الخليقة وحتى أيام المعتصم العباسي  ، وله كتاب ( الأخبار الطوال ) ، وهو مثل سابقه .

(مروج الذهب ومعادن الجوهر ) للمسعودي( 346 ) ،  له نفس طريقة  اليعقوبي .

أما الطبقات  فقد جاءت الفكرة من طبقة ( أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وكان في  الطبقات الدينية  : كطبقات ابن سعد  ، وطبقات الشافعية للسبكي ، وطبقات الصوفية للسلمي ، وطبقات الحنابلة لابن يعلى ، والطبقات الكبرى للشعراني ، تراجم لشخصيات فقهية .

ثم كان في  غير الطبقات الدينية : كطبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة ، وطبقات الشعراء لابن المعتز ، وطبقات النحويين للزبيري .

  والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

اترك تعليقاً