من مختارات أبي حكيم في الجمعة الثلاثمائة ( 300) في تعداد الجمع ، و السابعة والأربعين (47) في عام ( 1439هـ ) وتوافق ( 28/ 11 / 1439 هـ ) بحسب الرؤية .
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
كتاب المسلسل في غريب لغة العرب ألفه الفقيه الكاتب الشيخ ” أبو طاهر محمد بن يوسف بن عبدالله التميمي ” المتوفي بقرطبة عام (538 هـ ) – عليه وعلى علماء الأمة رحمات الله تعالى – الناشر : ” مكتبة الخانجي بمصر” ، وقد قدم له وحققه وعلق عليه الأستاذ : ( محمد بن عبدالجواد أستاذ فقه اللغة بدار العلوم ) ، وراجعه الأستاذ : (إبراهيم الدسوقي البساطي المفتش العام للغة العربية بوزارة التربية والتعليم بمصر) ، – حرسها الله وجميع ديار المسلمين – .
وهذا الكتاب قال فيه المؤلف في المقدمة : فإنه قد كان لعلم اللسان العربي في صدر هذه الأمة مطار ونَفَاق ، وعلى تقديمه إجماع وإصفاق …
( قال أبو حكيم : قال المحقق : الصفق والإصفاق : الضرب يسمع له صوت ، وصفق يده بالبيعة ، وعلى يده صفقا وصفقة : ضرب يده على يده ، وذلك عند وجوب البيع ، ومنه الصفقة أي تمام الموافقة .
والتصفيق : التقليب ، وتحويل الشراب من إناء إلى إناء ، ممزوجا ليصفو كالصفق والإصفاق ) ا. هـ
قال أبو حكيم : ولا نزال ( في القصيم ) نستخدم هذه الكلمة فإذا انتهينا من شرب قهوتنا ، قيل للساقي ( صفِّق الدِّلال ، أي حول قهوة إحداها على الأخرى ) .
قال التميمي : فتجرد لضبطها وتقييدها الخيار الصلحاء ، والخُلَّص الأفاضل الصرحاء ، وبذلوا فيها الاعتناء ، وقطعوا في جمعها وضبطها الأحيان والآناء حتى أحرزوا منها غاية ورفعوا لشأنها علما وراية ، حين رأوا أنه لسان العلوم الشرعية ، والهادي إلى المعاني الأصلية والفرعية ، بها يُتوصل إلى حقيقة معانيها ، ويُتسنم درج مبانيها ، وعنها يصدر التأويل وتتوجه الأقاويل ، وأنه لا يوصل إلى معرفة كتاب الله تعالى ، ومعرفة حديث رسول الله صلى الله عليه سلم ، وصحابته والتابعين وأئمة الهدى من أمته إلا بحفظ لغات العرب وأنحائها ، والأنس بإطنابها وإيحائها ، وإبلاغها وإيجازها وتوسعها ومجازها إلى ما في معرفتها من العون على البلاغة والنطق والاستظهار على قمع الباطل وبسط الحق ، والتمكن من أنحاء القول ومسالك الكلام والتقلب في مسارح الأخبار والأعلام .
والآن فقد زهد الناس فيه زهدهم في الفضائل ، ورغبوا عنه رغبتهم عن الأواخر من العلم والأوائل ، ولكل نجم طلوع ، وأفول ، ولكل حالة علو وسفول – وأنه كان في ما سُمع علي كتاب ( الـمُداخَل في اللغة ) لأبي عمر المطرز* رحمه الله –*(قال المحقق : محمد بن عبدالواحد الزاهد اللغوي غلام ثعلب ( 261 – 345 هـ )) . فاستنزرته ولم أحط بهلاله فيه ولا بدره ، فرأيت أنه رأيٌ لم يستوف
تمامه ، وغرض لم تقرطسه سهامه ، ولعله إنما ارتجاله ارتجالا وجرت ركائبه فيه عجالا، فلم يُدَمِّث حزنه ، ( قال أبو حكيم : ما نزال نستعلم هذه الكلمة فإحدى أدواتنا الزراعية ” المِدْمَثَة ” وبها نصلح حَزَن حوض الزرع ونساويه للبذر والسقيا ) ، ولا أقام وزنه ، ولا استوفى غرره ولا استقصى دِرَرَه ” جمع دِرَّةِ اللبن ” فاقتضبها عجاله ووفّر دونها سجاله ( ذَنوب الماء الكبير ) ، فحركني ذلك إلى صلة ما ابتداه وتمكين ما رسم منه وأنشأ ، واقتضبت في ذلك خمسا بابا ، افتتحت كل باب منها بشعر عربي ثم ختمت الباب بمثل ذلك ،
وأوردت ما أمكن من الشواهد ، على ألفاظه هناك ، وعلى ذلك فما اعتمدت مجاراة ولا قصدت مباراة ، وإني لأرى فضل السابق وأبخع ” أُقِرُّ ” بخوع الآبق ، وأحمد منه ذلك البدء والعود ” ثاني البدء” وأستسقي له السبَلَ ” المطر بين السحاب والأرض ” والجَود ” المطر الغزيز ، أو ما لا مطر فوقه ” ، و الله أسأل التوفيق في كل حال …
قال المحقق : وكتاب ” المسلسل ” يحوي خمسين بابا ليس لها عنوانات خاصة ، كما فعل المطرز في كتابه ( الـمُدَاخَل ) وإنما عنوانها بعدد الأبواب ، وقد تعمد التميمي أن يفتتح كل باب ويختمه بشاهد شعري يأخذ من الشاهد الأول الكلمة التي يجعلها أساسا للتسلسل ، ويكون الشاهد الأخير استشهادا على معنى الكلمة الأخيرة في الباب .
قال المؤلف : الباب الأول : أنشد أبو عبيد لصبيان الأعراب ، وتروى لامرئ القيس بن حُجر :
لِمن زُحلوقة زُلُ … بها العينان تنهَلُّ
ينادي الآخِرَ الأُل … ألا حُلُّوا ألا حُلُّوا .
ويروى : ألا خَلُّوا إلا خَلُّوا . ويروى زحلوفة بالفاء والقاف والكاف ** .
قال المحقق : زحلوقة : زل، زلق ، والزحلوقة : آثار تزلج الصبيان من فوق لأسفل ، وقيل من فوق طين أو رمل إلى أسفل .
**هذا ما جاء في كتب اللغة . والظاهر أن الأصل هي القاف ، أما الفاء فتصحيف كتابي ، والكاف تصحيف شفاهي للقاف ، إذ لا زالت كلمة ” زحليقة ” العامية مستعملة بالقاف .
