الجمعة الثالثة عشرة / التاسع والعشرين من ربيع اول لعام 1440هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الثلاثمائة ( 300) في تعداد الجمع ، و السابعة والأربعين (47) في عام ( 1439هـ ) وتوافق ( 28/ 11 / 1439 هـ ) بحسب الرؤية .

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

كتاب المسلسل في غريب لغة العرب ألفه الفقيه الكاتب الشيخ ”  أبو طاهر محمد بن يوسف بن عبدالله التميمي ” المتوفي بقرطبة عام (538 هـ ) – عليه وعلى علماء الأمة رحمات الله تعالى –   الناشر : ” مكتبة الخانجي بمصر”  ، وقد قدم له وحققه وعلق عليه الأستاذ : (  محمد بن عبدالجواد أستاذ فقه اللغة بدار العلوم )   ، وراجعه الأستاذ : (إبراهيم الدسوقي البساطي  المفتش العام للغة العربية بوزارة التربية والتعليم بمصر) ،  – حرسها الله وجميع ديار المسلمين – .

وهذا الكتاب قال فيه المؤلف في المقدمة : فإنه قد كان لعلم اللسان العربي في صدر هذه الأمة مطار ونَفَاق ، وعلى تقديمه إجماع وإصفاق …

 ( قال أبو حكيم : قال المحقق : الصفق والإصفاق : الضرب يسمع له صوت ، وصفق يده بالبيعة ، وعلى يده صفقا وصفقة : ضرب يده على يده ، وذلك عند وجوب البيع ، ومنه الصفقة أي تمام الموافقة .

والتصفيق : التقليب ، وتحويل الشراب من إناء إلى إناء ، ممزوجا ليصفو كالصفق والإصفاق ) ا. هـ

قال أبو حكيم : ولا نزال ( في القصيم )  نستخدم هذه الكلمة فإذا انتهينا من شرب قهوتنا ، قيل للساقي ( صفِّق الدِّلال ، أي حول  قهوة إحداها على الأخرى  ) .

قال التميمي : فتجرد لضبطها وتقييدها الخيار الصلحاء ، والخُلَّص الأفاضل الصرحاء ، وبذلوا فيها الاعتناء ، وقطعوا في جمعها وضبطها الأحيان والآناء حتى أحرزوا منها غاية ورفعوا لشأنها علما وراية ، حين رأوا أنه لسان العلوم الشرعية ، والهادي إلى المعاني الأصلية والفرعية ، بها يُتوصل إلى حقيقة معانيها ، ويُتسنم درج مبانيها ، وعنها يصدر التأويل وتتوجه الأقاويل ، وأنه لا يوصل إلى معرفة كتاب الله تعالى ، ومعرفة حديث رسول الله صلى الله عليه سلم ، وصحابته والتابعين وأئمة الهدى من أمته إلا بحفظ لغات العرب وأنحائها ، والأنس بإطنابها وإيحائها ، وإبلاغها وإيجازها وتوسعها ومجازها إلى ما في معرفتها من العون على البلاغة  والنطق والاستظهار على قمع الباطل وبسط الحق ، والتمكن من أنحاء القول ومسالك الكلام والتقلب في مسارح الأخبار والأعلام .

والآن فقد زهد الناس فيه  زهدهم في الفضائل ، ورغبوا عنه رغبتهم عن الأواخر من العلم والأوائل ، ولكل نجم طلوع ، وأفول ، ولكل حالة علو وسفول – وأنه كان في ما سُمع علي كتاب ( الـمُداخَل في اللغة ) لأبي عمر المطرز* رحمه الله –*(قال المحقق : محمد بن عبدالواحد الزاهد اللغوي غلام ثعلب ( 261 – 345 هـ ))  .   فاستنزرته  ولم أحط بهلاله فيه ولا بدره ، فرأيت أنه رأيٌ لم يستوف

تمامه ، وغرض لم تقرطسه سهامه ، ولعله إنما ارتجاله ارتجالا وجرت ركائبه فيه عجالا، فلم يُدَمِّث حزنه ، ( قال أبو حكيم : ما نزال نستعلم هذه الكلمة فإحدى أدواتنا الزراعية ” المِدْمَثَة ” وبها نصلح حَزَن حوض الزرع ونساويه للبذر والسقيا ) ،  ولا أقام وزنه ، ولا استوفى غرره ولا استقصى دِرَرَه ” جمع دِرَّةِ اللبن ”  فاقتضبها عجاله ووفّر دونها سجاله ( ذَنوب الماء الكبير )  ، فحركني ذلك إلى صلة ما ابتداه وتمكين ما رسم منه وأنشأ  ، واقتضبت في ذلك خمسا بابا ، افتتحت كل باب منها بشعر عربي ثم ختمت الباب بمثل ذلك ،

وأوردت ما أمكن من الشواهد ، على ألفاظه هناك ، وعلى ذلك فما اعتمدت مجاراة ولا قصدت مباراة ، وإني لأرى فضل السابق وأبخع ” أُقِرُّ ”  بخوع الآبق ، وأحمد منه ذلك البدء والعود  ” ثاني البدء” وأستسقي له السبَلَ ” المطر بين السحاب والأرض ” والجَود  ” المطر الغزيز ، أو ما لا مطر فوقه ” ، و الله أسأل التوفيق في كل حال …

قال المحقق :  وكتاب ” المسلسل ” يحوي خمسين بابا ليس لها عنوانات خاصة ، كما فعل المطرز في كتابه ( الـمُدَاخَل ) وإنما عنوانها بعدد الأبواب ، وقد تعمد التميمي أن يفتتح كل باب ويختمه بشاهد شعري يأخذ من الشاهد الأول الكلمة التي يجعلها أساسا للتسلسل ، ويكون الشاهد الأخير استشهادا على معنى الكلمة الأخيرة في الباب .

قال المؤلف : الباب الأول : أنشد أبو عبيد لصبيان الأعراب ، وتروى لامرئ القيس بن حُجر :

لِمن زُحلوقة زُلُ … بها العينان تنهَلُّ

ينادي الآخِرَ الأُل … ألا حُلُّوا  ألا حُلُّوا .

ويروى : ألا خَلُّوا إلا خَلُّوا .  ويروى زحلوفة  بالفاء والقاف والكاف ** .

قال المحقق : زحلوقة : زل، زلق ، والزحلوقة : آثار تزلج الصبيان من فوق لأسفل ، وقيل من فوق طين أو رمل إلى أسفل .

 **هذا ما جاء في كتب اللغة . والظاهر أن الأصل هي القاف ، أما الفاء فتصحيف كتابي ، والكاف تصحيف شفاهي للقاف ، إذ لا زالت كلمة ” زحليقة ” العامية مستعملة بالقاف .

أما اللعبة التي يقال فيها :  ” ألا حُلُّوا  ألا حُلُّوا ” هي أن يجتمع الصبيان فيأخذون خشبة يضعونها على قوز من الرمل ، ثم يجلس على أحد طرفيها جماعة وعلى الآخر جماعة ،  فأي الجماعتين كانت أوزن ارتفعت الأخرى ، فينادون أصحاب الطرف الآخر : ” ألا حُلُّوا  ألا حُلُّوا ” أي : اخفضوا من عددكم حتى نساويكم في التعديل .

قال أبو حكيم : هي من ألعبنا صغارا في مزرعتنا ، وكنا نسميها ” الروجحان ” ، ونسجع معها : ” الروجحان سبعٌ وثمان ” .

ومعنى التسلسل في اللغة ما صورتُه بقول المؤلف بعد البيتين السابقين   : (  الأُل : الأول ، وأول : يوم الأحد***، والأحد هو : الواحد ، والواحد : الفرد ، والفَرَدُ : الثور ، والثَّوْر : الظهور ، والظُّهور : الغلبة ، والغَلَبةُ : جمع غالب ، وغالب : أبو لؤي  ، قال حسان بن ثابت رضي الله عنه :

عقيلة حي من لؤي بن غالب … كرام المساعي ، مجدهم غير زائل .

ولؤي : تصغير اللأَى،  واللأى  : الثوْر ، والثور : فحل البقر ، والبقَر : الفَرْق ، والفَرق : تباعدُ ما بين الثنايا ، والثانيا : العِقاب ” الطريق الوعرة في الجبل ” ، والعِقاب : ” مصدر عاقب من عقِب الليل والنهار ” ، المولاة ، والمولاة  : المظاهرة ، والمظاهرة : لبس ثوب على ثوب ، والثَّوْب : الرجوع ، والرجوع : الكر ، والكر : حبل النخل ، والنخل ” مصدر من نخله : صفاه واختاره ” ، الخيار ، والخيار الحكم ، والحكم ، الحكمة ، قال تعالى : ( وآتيناه الحكم صبيا ) … وهكذا في بقية الخمسين بابا..

*** فائدة : أورد التوحيدي في بصائره في المجلد الثالث الجزء الخامس ص 63  بتحقيق د. وداد القاضي وطبعة دار صادر :

223 – قَالَ ثَعْلَبُ : كَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّي الأَحْدَ :  أَوَّلَ ، والاثنين : أَهْوَنَ، والثّلاثاءَ : جُبَارا، والأربعاءَ دُبَارا ، والخميسَ مُؤْنِساً ، والجمعةَ : عَرُوبَةً ،والسبتَ شِيَارا ، وأنشد : [ الوافر] :
أُؤمِّل أَنْ أعيشَ وَأَنَّ يَومِي … بِأَوَّلَ أَوْ بِأَهْوَنَ أَوْ جُبَارا
أَوِ التَّالِي دُبَارَ فِإِنْ أفُتْهُ … فمؤنسَ أو عَرُوبةَ أو شِيارا .

قالت وداد : الآثار الباقية : والقافية فيه مكسورة ، …

 

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

اترك تعليقاً