من مختارات أبي حكيم في الجمعة السابعة بعد المائة ( 107 ) في تعداد الجمع ، والجمعة الخامسة ( 5) من عام 1436 هـ وتوافق (1436 / 2 / 6 ) بحسب الرؤية ، والتقويم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وقفات مع حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال شيخنا ابن عثيمين في مصطلح الحديث : روى البخاري ، قال : حدثنا الحميدي عبدالله بن الزبير ، قال : حدثنا سفيان ، قال :حدثنا يحي بن سعيد الأنصاري ، قال : أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) .
سند هذا الحديث : قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله
رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب فقط ، ولم يروه عن عمر إلا علقمة بن وقاص ، ولا عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي ، ولا عن محمد إلا يحي بن سعيد الأنصاري ، وكلهم من التابعين ثم رواه عن يحي خلق كثير .
حكم هذا الحديث : ( باعتبارتعدد طرقه فهو من قسم الآحاد : غريب ) : ويقصد به : من في أحد طبقات سنده أو أكثر راو واحد .
قال الدكتور سيد بن حسين العفاني في كتابه ( تعطير الأنفاس من أحاديث الإخلاص ) : هذا الحديث صدّر به البخاري كتابه ( الجامع الصحيح ) وأقامه مقام الخطبة له ، إشارة منه إلى أن كل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل لا ثمرة له في الدنيا والآخرة .
قال عبدالرحمن بن مهدي : ( لو صنفت كتابا في الأبواب لجعلت حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -بالنيات في كل باب ) .
هذا الحديث اتفق عليه مجموعة من العلماء كالشافعي وأحمد وابن المديني وأبي داود والدار قطني والبيهقي وغيرهم على عده : ( ربع الإسلام أو ثلثه أو نصفه ) .قال أبو حكيم ويتبين ذلك فيما يلي :
قال أبو داود : كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (خمسمائة ألف حديث) ، انتخبت منها ما تضمنه هذا الكتاب – يعني كتاب السنن – جمعت فيه ( أربعة آلاف وثمانمائة حديث) ، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث :
أحدها : قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات ) .
والثاني : قوله صلى الله عليه وسلم : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه ) صحيح روي عن أبي هريرة والحسين بن علي وأبي ذر وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت والحارث بن هشام وصححه الألباني في صحيح الجامع .
والثالث : قوله صلى الله عليه وسلم : (لا يكون المؤمن مؤمنا حتى لا يرضى لأخيه إلا ما يرضى لنفسه ) مخرج في الصحيحين بغير هذا اللفظ من حديث أنس رضي الله عنه .
والرابع : قوله صلى الله عليه وسلم : ( الحلال بين والحرام بين ) . رواه الستة . عن النعمان بن بشير .
وفي رواية أخرى عن أبي داود –رحمه الله – قال : أصول الدين في أربعة أحاديث وذكرها إلا أنه جعل حديث ( ازهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس ) أحد هذه الأصول .والحديث صحيح أخرجه ابن ماجة والطبراني والحاكم في المستدرك والبيهقي عن سهل بن سعد رضي الله عنه وصححه الألباني في السلسة الصحيحة وصحيح الجامع .
ووافق الدار قطني أبا داود في الأحاديث الأربعة في الرواية الثانية ، وكذا عدها ابن المديني وابن مهدي أربعة أيضا ، ولكن خالفوا في ذكر بعض الأحاديث فهم يرون أن أصول الأحاديث الأربعة : ( إنما الأعمال بالنيات ) وحديث ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بثلاث ..) صحيح رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم عن عثمان وأحمد والنسائي عن عائشة رضي الله عنه وصححه الألباني في إرواء الغليل ، وحديث ( بني الإسلام على خمس …) رواه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي عن ابن عمر ، وحديث ( البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ) قال النووي : حديث حسن رواه البيهقي وهكذا وبعضه في الصحيحين ( جامع العلوم ) .
وقول العلماء إن حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) ربع الإسلام أنه أحد أربعة أحاديث عليها مدار الإسلام .
ويرى الإمام أحمد – رحمه الله – أن حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) أحد قواعد الإسلام ، ولكنه يراها ثلاثة أحاديث : ( إنما الأعمال بالنيات ) و ( الحلال بين والحرام بين … ) وحديث ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) .
ووجه البيهقي كون حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) ثلث العلم بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه ، فالنية أحد أقسامها الثلاثة وأرجحها لأنها قد تكون عبادة مستقلة وغيرها محتاج إليها .
وقد يقال إن القول مندرج في العمل الظاهر وبذا يكون هذا الحديث نصف العلم لا ثلثه وهذا منقول عن الإمام الشافعي رحمه الله .
ويتم مؤلف ( تعطير الأنفاس ) فيقول : وهذا الحديث من جوامع الكلم ، وهو يدخل في مباحث هامة في علم الأخلاق ، والأصول والتوحيد ، وغالب مسائل الفقه وأبوابه فابن مهدي يرى أنه يدخل في ثلاثين بابا من العلم ، والشافعي يرى أن حديث النية يدخل في سبعين بابا من الفقه ، وما ترك لمبطل ، ولا مضار ، ولا محتال حجة إلى لقاء الله تعالى .