الجمعة الرابعة / الثالث والعشرون من محرم 1434هـ

من مختارات أبي حكيم   الجمعة الرابعة من عام 1434 وتوافق( 1/ 23 )

 لصوص الوقت .. مقال للطنطاوي

 قال  الألمعي الشيخ الأديب الأريب صاحب القلم السيال والمقالة المحكمة والطرفة المستملحة ( علي الطنطاوي – رحمه الله *- )  في كتابه الجميل الماتع ( مع الناس ) : هذا هو الموضوع –

قلت ( أي أبو حكيم ) : ولبدايته قصة جميلة ارجع إليها في(ص 63 ) – من الطبعة الثالثة لدار المنارة :  

لا تكلفك شيئا إلا ساعة من وقتك ···

الوقت هو العمر وهو أعز شيء على الإنسان ولولا الوقت ما كسب المال ولا حصل علم ولا نال أحد دنيا ولا ضمن أخرى ، فهل في السرقات أعظم من سرقة أوقات الناس ؟ ومن منا لا يشكو منها ولا يتألم ثم لا يستطيع أن يدفع ذلك ولا يستطيع أن يشكو أمره إلى القاضي ···

فماذا أصنع وكيف أفر من هؤلاء الذين يسرقون وقتي ؟ آتي إلى المحكمة منذ الصباح لأدقق في دعاوى اليوم ،  فيدخل علي صديق ثقيل لا يمنعه إغلاق الباب ، ولا بكور الوقت ،  فأحاول صرفه بالحسنى فأحادثه حتى أظن أني قمت بحقه ، وأنه قد سكت ،  فأنصرف إلى عملي ،  فلا أكاد أجمع ذهني وأُقبل إلى أوراقي حتى يفتح فمه ويلقي الجوهرة :  ( كيف الصحة ؟ )،  ( الله يحفظكم الحمد الله بس الشغل كثير كل يوم نحو أربعين دعوى كما ترى فأنا آتي باكرا لأدققها )  ، – وأقول في نفسي- :  إنه لو كان حيوانا لفهم الآن ·

وأرجع إلى عملي مطمئنا · فلا تمضي مدة حتى يلقي جوهرة أخرى : ( قضايا الطلاق كثيرة مو هيك ؟ ) فأجيب بما تيسر ويسكت · فأعود إلى عملي ، فلا أكاد أستغرق فيه حتى ينطق المحترم فيقول : (يمكن القضاء مزعج ) فأنفزر وأنفجر وأنسى كل أدب الاجتماع وأصرخ فيه : ( بل أنت والله المزعج مانك شايف شغل جاي تتسلى على حسابي )! ،  فيذهب ويحدث الناس ،  بأني غليظ شرس مغرور بالوظيفة قليل التهذيب ويشيع في مقالة السوء  ·  فماذا أصنع أيها القارئ الكريم ؟

والله أعلم وأحكم .

*توفي رحمه الله تعالى في جدة في الرابع من ربيع الأول عام 1420 هـ  ومولده في دمشق  في ( 23 – 5  -1327 هـ ) .   

اترك تعليقاً