الجمعة الثامنة / الرابعة والعشرين من صفر لعام 1440هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الخامسة بعد الثلاثمائة ( 305) في تعداد الجمع ، و الأولى (1) في عام ( 1440هـ ) وتوافق ( 4 / 1 / 1440 هـ ) بحسب الرؤية أول جمعة في العام نسأل الله العون على التمام .

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

هذه جمعتنا الثامنة مع العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم و ثامنهم عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفِ بنِ عَبْدِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ ابْنِ عَبْدِ بنِ الحَارِثِ بنِ زُهْرَةَ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ، أَبُو مُحَمَّدٍ.
أَحَدُ العَشْرَةِ، وَأَحَدُ السِّتَّةِ أَهْلِ الشُّوْرَى، وَأَحَدُ السَّابِقِيْنَ البَدْرِيِّيْنَ، القُرَشِيُّ، الزُّهْرِيُّ.  وَهُوَ أَحَدُ الثَّمَانِيَةِ الَّذِيْنَ بَادَرُوا إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَحَدُ الخَمْسَةِ الَّذْينَ أَسْلَمُوا عَلى يَدِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ . 
لَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ. لَهُ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) حَدِيْثَانِ، وَانْفَرَدَ لَهُ البُخَارِيُّ بِخَمْسَةِ أَحَادِيْثَ.  وَمَجْمُوْعُ مَا لَهُ فِي (مُسْنَدِ بَقِيٍّ): خَمْسَة وَسِتُّوْنَ حَدِيْثاً.


وَكَانَ اسْمُهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ: عَبْدُ عَمْرٍو. وَقِيْلَ: عَبْدُ الكَعْبَةِ، فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَبْدُ الرَّحْمَنِ.

وَقَدِمَ الجَابِيَةَ مَعَ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهُ ، فَكَانَ عَلَى المَيْمَنَةِ، وَكَانَ فِي نَوْبَةِ سَرْغٍ عَلَى المَيْسَرَةِ (أي في خَرْجَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الثَّانِيَةِ إلى الشَّامِ ، وَهْوَ من الشُّهُودِ في كِتَابِ صُلْحِ بَيْتِ المَقْدِسِ .

َلَمْ يَكُنْ عُمَرُ رضيَ اللهُ عنهُ أَخَذَ الجِزْيَةَ مِنَ المَجُوسَ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ رضيَ اللهُ عنهُ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَهَا مِنْ مَجُوْسِ هَجَرٍ .

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَلَسْنَا مَعَ عُمَرَ فَقَالَ: هَلْ سَمِعْتَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئاً أَمَرَ بِهِ المَرْءَ المُسْلِمَ إِذَا سَهَا فِي صَلاَتِهِ كَيْفَ يَصْنَعُ؟  فَقُلْتُ: لاَ وَاللهِ، أَوَ مَا سَمِعْتَ أَنْتَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ فِي ذَلِكَ شَيْئاً؟


فَقَالَ: لاَ وَاللهِ. فَبَيْنَا نَحْنُ فِي ذَلِكَ، أَتَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ فَقَالَ: فِيْمَ أَنْتُمَا؟  فَقَالَ عُمَرُ: سَأَلْتُهُ، فَأَخْبَرَهُ.
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَكِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُ فِي ذَلِكَ.   فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَأَنْتَ عِنْدَنَا عَدْلٌ، ( وفي رواية عدل رضا ) فَمَاذَا سَمِعْتَ؟

قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُوْلُ: (إِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ حَتَّى لاَ يَدْرِي أَزَادَ أَمْ نَقَصَ، فَإِنْ كَانَ شَكَّ فِي الوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ، فَلْيَجْعَلْهَا وَاحِدَةً، وَإِذَا شَكَّ فِي الثِّنْتَيْنِ أَوِ الثَّلاَثِ، فَلْيَجْعَلْهَا ثِنْتَيْنِ، وَإِذَا شَكَّ فِي الثَّلاَثِ وَالأَرْبَعِ، فَلْيَجْعَلْهَا ثَلاَثاً، حَتَّى يَكُوْنَ الوَهْمُ فِي الزِّيَادَةِ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ). هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ.صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ

قَالَ الذَّهِبِيُ : فَأَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنْ كَانُوا عُدُولاً، فَبَعْضُهُم أَعْدَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَأَثْبَتُ، فَهُنَا عُمَرُ قَنَعَ بِخَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَفِي قِصَّةِ الاسْتِئْذَانِ يَقُوْلُ: ائْتِ بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ.

وَعَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ يَقُوْلُ: كَانَ إِذَا حَدَّثَنِي رَجُلٌ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَحْلَفْتُهُ، وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمْ يَحْتَجْ عَلِيٌّ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الصِّدِّيْقَ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كُنَّا نَسِيْرُ مَعَ عُثْمَانَ فِي طَرِيْقِ مَكَّةَ، إِذْ رَأَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ، فَقَالَ عُثْمَانُ: مَا يَسْتَطِيْعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْتَدَّ عَلَى هَذَا الشَّيْخِ فَضْلاً فِي الهِجْرَتَيْنِ جَمِيْعاً. ( في تاريخ دمشق : ( يعني هجرته إلى الحبشة وهجرته إلى المدينة ) ) .

وَمِنْ مَنَاقِبِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهِدَ لَهُ بِالجَنَّةِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ الَّذِيْنَ قِيْلَ لَهُم: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُم).
وَمِنْ أَهْلِ هَذِهِ الآيَةِ: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِيْنَ إِذْ يُبَايِعُوْنَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفَتْحُ: 18].
وَقَدْ صَلَّى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَاءهُ.

قال ابن كثير ( ص 317 مج 4 طبعة ابن رجب )  في ترجمته : وثبت في الصحيح ” صحيح مسلم ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى وراءه الركعة الثانية من صلاة الفجر. وهذه منقبة عظيمة لا تبارى . 

دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ:  يَا أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ! إِنِّي أَخْشَى أَنْ أَكُوْنَ قَدْ هَلَكْتُ، إِنِّي مِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالاً، بِعْتُ أَرْضاً لِي بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفِ دِيْنَار.
قَالَتْ: يَا بُنَيَّ! أَنْفِقْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّ مِنْ أَصْحَابِي مَنْ لَنْ يَرَانِي بَعْدَ أَنْ أُفَارِقَهُ).
فَأَتَيْتُ عُمَرَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَتَاهَا، فَقَالَ: بِاللهِ أَنَا مِنْهُم.      قَالَتْ: اللَّهُمَّ لاَ، وَلَنْ أُبْرِئَ أَحَداً بَعْدَكَ.

قال شُعْبَةُ: أَنْبَأَنَا حُصَيْنٌ، سَمِعْتُ هِلاَلَ بن يِسَافٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ ظَالِمٍ المَازِنِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ عَلَى حِرَاءَ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ، فَقَالَ: (اثْبُتْ حِرَاءُ! فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيْقٌ، أَوْ شَهِيْدٌ).  وَذَكَرَ سَعِيْدٌ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُمْ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (خِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِي). فَأَوْصَى لَهُنَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِحَدِيْقَةٍ قُوِّمَتْ بِأَرْبَعِ مَائَةِ أَلْفٍ. قال محقق السير ( العمروي ) : في تاريخ دمشق لابن عساكر ، وأخرجه الحاكم في معرفة الصحابة بلفظ قريب وصححه على شرط مسلم وأقره الذهبي في “التلخيص” .

وَمِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَزْلُهُ نَفْسَهُ مِنَ الأَمْرِ وَقْتَ الشُّورَى، وَاخْتِيَارُهُ لِلأُمَّةِ مَنْ أَشَارَ بِهِ أَهْلُ الحِلِّ وَالعَقْدِ، فَنَهَضَ فِي ذَلِكَ أَتَمَّ نُهُوضٍ عَلَى جَمْعِ الأُمَّةِ عَلَى عُثْمَانَ، وَلَوْ كَانَ مُحَابِياً فِيْهَا لأَخَذَهَا لِنَفْسِهِ، أَوْ لَوَلاَّهَا ابْنَ عَمِّهِ، وَأَقْرَبَ الجَمَاعَةِ إِلَيْهِ، سَعْدَ بنَ أَبِي وَقَّاصٍ.

ومن عجيب ما ذكر الذهبي قوله في السير  : وَقَدِ اسْتَوْفَى صَاحِبُ (تَارِيْخِ دِمَشْقَ) أَخْبَارَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَرْبَعَةِ كَرَارِيْسَ.

قال أبو حكيم : فراجعته في المطبوع من تاريخه فوجدته في الجزء الثالث عشر ترجمة ( 3911 ) وبدأت من ص ( 235 حتى ص 308 ) .

وَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى المَدِيْنَةِ كَانَ فَقِيْراً لاَ شَيْءَ لَهُ، فَآخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بنِ الرَّبِيْعِ، أَحَدِ النُّقَبَاءِ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُشَاطِرَهُ نِعْمَتَهُ، وَأَنْ يُطَلِّقَ لَهُ أَحْسَنَ زَوْجَتَيْهِ.

فَقَالَ لَهُ: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، وَلَكِنْ دُلَّنِي عَلَى السُّوْقِ، فَذَهَبَ، فَبَاعَ وَاشْتَرَى، وَرَبِحَ، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ أَنْ صَارَ مَعَهُ دَرَاهِمَ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى زِنَةٍ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ رَأَى عَلَيْهِ أَثَراً مِنْ صُفْرَةٍ: (أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ).
ثُمَّ آلَ أَمْرُهُ فِي التِّجَارَةِ إِلَى مَا آلَ. قال أنس  : فلقد رأيتُهُ قُسِمَ لِكُلِ امرَأةٍ منْ نِسَائِهِ مِائةُ ألفِ ِدرْهَمٍ  وَهُنَّ ثلاثُ نِسْوة  ، وقِيْلَ أَصَابَ الواحدةُ مِنْهُنِ ( رُبعَ الثُّمُنِ )  ثمانين ألفاً ،  وهن أربع . 

الأكثر أنه توفي في خلافة عثمان رضي الله عنهما ، سنة ثنتين وثلاثين وله من العمر خمس وسبعون سنة رضي الله عنه وأرضاه

قَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: كَانَ مَجْدُوْداً فِي التِّجَارَةِ، خَلَّفَ: أَلْفَ بَعِيْرٍ، وَثَلاَثَةَ آلاَفِ شَاةٍ، وَمَائَةَ فَرَسٍ، وَكَانَ يَزْرَعُ بِالجُرْفِ عَلَى عِشْرِيْنَ نَاضِحاً.. رضي الله عنه وأرضاه .

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.             

اترك تعليقاً