من مختارات أبي حكيم في الجمعة المائتين وثلاث و أربعين (243) في تعداد الجمع ، والأربعين (40 ) في عام ( 1438هـ ) وتوافق ( 13 / 10 / 1438 هـ ) بحسب الرؤية و التقويم
الحمد الله هذا الأسبوع لنُحَمِّضَ بكم : قد نطيل ولكن تأكد أنك ستجد شيئا ممتعا فلا يفتك ، فهي فوائد تستحق أن تسير فيها الركبان كيف وقد جاءتك وأنت على أريكتك ، فلك غنمها وينعها ، وعلى كاتبها مشقة تحبيرها وتبعية ما فيها ، والله يحسن القصد والنية ويأجر على العمل .
تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي هذا الأسبوع خبراً من حساب في ” تويتر ” اسمه ” من روائع العلوم ” وجاء فيه ما نصه : (هناك عنكبوت في البرازيل يدعى ” العنكبوت الجوال ” لدغة واحدة منه تسبب في حدوث انتصاب جنسي قوي يستمر لعدة ساعات ! لذلك أحيانا يدعى بالفياغرا الطبيعية ) . وما استوقفني فيه ليس الخبرُ بذاته فليس بغريب على عالم النت مثل هذه الأخبار ، ولكن عجبت من تعليق أحد المغردين فقال : ” يارب يتكاثر في السعودية ” !!!!!! .
وبمناسبة هذا الخبر كنت أقرأ من الكتاب العظيم ( صيد الخاطر ) للعلامة العظيم جمال الدين ، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، وهو من نسل القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، واعظ حنبلي مشهور عاش في العراق في القرن السادس حيث ولد سنة خمسمائة وعشرة ( 510 هـ ) أو قبلها بسنة ، وتوفي في سنة ( سبع وتسعين وخمسمائة (597 هـ) في داره بقطفتا ومن خبره اللطيف الذي يناسب ما سأذكر ، ما ذكره الذهبي وغيره في ترجمته : (وكان يراعي حفظ صحته ، وتلطيف مزاجه ، وما يفيد عقله قوة ، وذهنه حدة . جل غذائه الفراريج والمزاوير ، ويعتاض عن الفاكهة بالأشربة والمعجونات ، ولباسه أفضل لباس : الأبيض الناعم المطيب ، وله ذهن وقاد ، وجواب حاضر ، ومجون ومداعبة حلوة ، ولا ينفك من جارية حسناء ، قرأت بخط محمد بن عبد الجليل الموقاني أن ابن الجوزي شرب البلاذر * ، فسقطت لحيته ، فكانت قصيرة جدا ، وكان يخضبها بالسواد إلى أن مات . قال : وكان كثير الغلط فيما يصنفه ، فإنه كان يفرغ من الكتاب ولا يعتبره . قلت : هكذا هو له أوهام وألوان من ترك المراجعة ، وأخذ العلم من صحف ، وصنف شيئا لو عاش عمرا ثانيا ، لما لحق أن يحرره ويتقنه ) .
قال ابن الجوزي في الخاطرة ( 256 ) واسمع يا من تريد تكثير “العنكبوت الجوال” في السعودية :
( ينبغي للصبي إذا بلغ ان يحذر كثرة الجماع ليبقى جوهره فيفيده في الكبر، لأنه من الجائز كبره. والاستعداد للجائز حزم، فكيف للغالب ؟ كما ينبغي أن يستعد للشتاء قبل هجومه ، ومتى أنفق الحاصل وقت القدرة تأذى بالفقر إليه وقت الفاقة. وليعلم ذو الدين والفهم أن المتعة إنما تكون بالقرب من الحبيب، والقرب يحصل بالتقبيل والضم، وذلك يقوي المحبة، والمحبة يلذ وجودها والوطء ينقص المحبة ويعدم تلك اللذة. وقد كان العرب يعشقون ولا يرون وطء المعشوق. قال قائلهم : إن نُكِحَ الحب فسد. فأما الالتذاذ بنفس الوطء فشأن البهائم. ولقد تأملت المراد من الوطء فوجدت فيه معنى عجيباً يخفى على كثير من الناس وهو أن النفس إذا عشقت شخصاً أحبت القرب منه، فهي تؤثر الضم والمعانقة لأنهما غاية في القرب ، ثم تريد قرباً يزيد على هذا فيقبل الخد ، ثم تطلب القرب من الروح فيقبل الفم، لأنه منفذ إلى الروح ، ثم تطلب الزيادة فيمص لسان المحبوب، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوشح عائشة ويقبلها ويمص لسانها ، فإذا طلبت النفس زيادة في القرب إلى النفس استعملت الوطء ، فهذا سره المعنوي ويحصل منه الالتذاذ الحسي.
وقال في الخاطرة ( 324 ) : من أعظم الضرر الداخل على الإنسان كثرة النساء. إنه أولاً يتشتت همه في محبتهن ومداراتهن وغيرتهن والإنفاق عليهن ولا يأمن إحداهن أن تكرهه وتريد غيره فلا تتخلص إلا بقتله ، ولو سلم من جميع ذلك لم يسلم في الكسب لهن ، فإن سلم لم ينج من السآمة لهن أو لبعضهن، ثم يطلب ما لا يقدر عليه من غيرهن حتى أنه لو قدر على نساء بغداد كلهن فقدمت امرأة مستترة من غير البلد ظن أنه يجد عندها ما ليس عندهن ، ولعمري إن في الجِدَّةِ لذةٌ ، ولكن رب مستور إذا انكشف افتضح ، وإذا سلم من كل أذى يتعلق بهن أنهك بدنه في الجماع فيكون طلبه للالتذاذ مانعاً من دوام الالتذاذ. ورب لقمة منعت لقمات ورب لذة كانت سبباً في انقطاع لذات. ( والعاقل من يقتصر على الواحدة إذا وافقت غرضه ) ولا بد أن يكون فيها شيء لا يوافق إنما العمل على الغالب ، فيوهب الخلة الردية للمجيدة ، وينبغي أن يكون النظر إلى باب الدين قبل النظر إلى الحسن. فإنه إذا قل الدين لم ينتفع ذو مروءة بتلك المرأة ، ومما يهلك الشيخ سريعاً الجماع فلا يغتر بما يرى من انبساط الآلة وحصول الشهوة. فإن ذلك مستخرج من قوته ما لا يعود مثله ، فلا ينبغي أن يغتر بحركة وشهوة ولا يقرب من النساء إن كان له رأي في البقاء . *البلاذر نوع نبات اختلف فيه ” سام ” وقيل هو جيد للحفظ ولكن الأكثر على أنه سام ويورث أمراضا منها الجنون والبرص وخلافها والله أعلم .
وقال في الخاطرة رقم ( 330 ) : العجب لمؤثر شهوات الدنيا ألا يتدبر أمرها بالعقل ، قبل أن يصير إلى منقولات الشرع ؟ إن أعظم لذات الحس الوطء فالمرأة المستحسنة إنما يكون حال كمالها من وقت بلوغها إلى الثلاثين فإذا بلغتها أثر فيها ، و ربما ابيضت شعرات من رأسها فينفر الإنسان منها و قد يقع الملل قبل ذلك و طول الصحبة يكشف العيوب . و ما عيب نساء الدنيا بأبلغ من قوله : { و لهم فيها أزواج مطهرة } فلو تفكر الإنسان في جسد مملوء بالنجاسة ما طاب له ضمه غير أن الشهوة تغطي عين الفكر ، فالعاقل من حفظ دينه و مروءته بترك الحرام و حفظ قوته في الحلال ، فأنفقها في طلب الفضائل من علم أو عمل ، و لم يسع في إفناء عمره و تشتيت قلبه في شيء لا تحسن عاقبته : ( ما في هوادجكم من مهجتي عوض
إن مت شوقا و لا فيها لها ثمن ) و عموم من رأينا من الكبار غلبت عليهم شهوة الوطء فانهدمت أعمارهم و رحلوا سريعا و قد رأينا من العقلاء من زجر نفسه عن هذه المحنة و لم يستعملها إلا وقت الحاجة فبقى لهم سواد شعورهم و قوتهم حتى تمتعوا بها في الحياة و حصلوا المناقب و عرفت منهم النفوس قوة العزيمة فلم تطالبهم بما يؤذي .
وختاماً إن طلبت نسخة من ” صيد الخاطر ” فخذ ما طبع قديما ففي خزانتي طبعة لدار الفكر عام ( 1420 هـ ) وذكروا أنها: “جديدة منقحة مصححة ” فاقتنيتها لقولهم ، ولدي طبعة قديمة قالوا عنها الطبعة الأخيرة عام 1408 هـ وإلا أولها كان عام ( 1345 هـ ) من نفس الدار وهي أكمل من الجديدة وأتم وإن كان في بعض سطورها مسح ، فلا أدري ماذا يقصدون ” بالتنقيح ” غير حذف ما لم يروه ولم يوافق رأيهم هذا ما أظنه .