من مختارات أبي حكيم في الجمعة الثانية بعد الثلاثمائة ( 302) في تعداد الجمع ، و التاسعة والأربعين (49) في عام ( 1439هـ ) وتوافق ( 13/ 12 / 1439 هـ ) بحسب الرؤية .
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
كانت متعة هذا الأسبوع مع كتاب ( حضارة العرب ) للمؤلف الفرنسي ( جوستاف لوبون )( 7 مايو 1841 – 13 ديسمبر 1931) ) تعريب الأستاذ : ( عادل زعيتر ) وطبعة خزانتي طبعة : دار العالم العربي ، الطبعة السادسة ،
وكان سبب القراءة أن سمعت الشيخ ( سعيد الكملي المغربي ) في أحد دروسه عن تأثير فقه المالكية في القانون الفرنسي وبالأخص كتاب ( مختصر خليل ) يتحدث عنه ، وإن كان الشيخ سعيد استغرب الترجمة وتسمية الكتاب ب( حضارة العرب ) ، وكأني به يريد أن يكون الكتاب ( حضارة الإسلام ) .
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
كانت متعة هذا الأسبوع مع كتاب ( حضارة العرب ) للمؤلف الفرنسي ( جوستاف لوبون )( 7 مايو 1841 – 13 ديسمبر 1931) ) تعريب الأستاذ : ( عادل زعيتر ) وطبعة خزانتي طبعة : دار العالم العربي ، الطبعة السادسة ،
وكان سبب القراءة أن سمعت الشيخ ( سعيد الكملي المغربي ) في أحد دروسه عن تأثير فقه المالكية في القانون الفرنسي وبالأخص كتاب ( مختصر خليل ) يتحدث عنه ، وإن كان الشيخ سعيد استغرب الترجمة وتسمية الكتاب ب( حضارة العرب ) ، وكأني به يريد أن يكون الكتاب ( حضارة الإسلام ) .
فهي أولا : لابد أن تكون ذات اقتصاديات ضعيفة حتى يمكن النفاذ إليها ، ثم هي مصدر للإمداد بالمواد الأولية ، وساحة للعب
في الكتاب مقاطع كثيرة تصلح أن تكون مختارة بل مختارات ، وفيه ما لا يُوافق عليه المؤلف في بعض فهمه لديننا أو قرآننا ، ولعل مرجع ذلك إلى ما سوف أنقله من مختارة في هذا اليوم ومع ذلك ففي الكتاب إنصاف كبير وبيان لفضل المسلمين على العالم – الذي لا شك فيه – ، ولكن يجب أن يصل صوتنا للآخرين ، ويجب أن نبني مثل بناء أسلافنا.
قال جوستاف في آواخر الكتاب ص 577 :
وقد يسأل القارئ بعد ما تقدم : لِمَ يُنكرُ تأثيرَ العرب علماءُ الوقت الحاضر الذين يَضَعون مبدأ حرية الفكر فوق كل اعتبار ديني كما يلوح ؟ لا أرى غير جواب واحد عن هذا السؤال الذي أسأل نفسي به أيضًا وهو : أن استقلالنا الفكري لم يكن في غير الظواهر بالحقيقة،
، وأننا لسنا من أحرار الفكر في بعض الموضوعات كما نريد.
فالمرء عندنا ذو شخصيتين: الشخصية العصرية التي كَوَّنَتها الدراسات الخاصة والبيئة الخلقية والثقافية، والشخصية القديمة غير الشاعرة التي جَمَدَت وتحجرت بفعل الأجداد وكانت خلاصةً لماضٍ طويل، والشخصية غير الشاعرة وحدها، ووحدها فقط، هي التي تتكلم عند أكثر الناس وتُمسِك فيهم المعتقدات نفسَها مسماةً بأسماء مختلفة، وتملي عليهم آراءهم، فيلوح ما تُمليه عليهم من الآراء حُرَّاً في الظاهر فيُحترم.
والحق أن أتباع محمد ظلوا أشدَّ مَن عرفته أوربة من الأعداء إرهابًا عدة قرون، وأنهم، عندما كانوا لا يُرعِدُوننا بأسلحتهم، كما في زمن شارل مارتل والحروب الصليبية، أو يهددون أوربة بعد فتح القسطنطينية، كانوا يُذلُّوننا بأفضلية حضارتهم الساحقة، وأننا لم نتحرَّر من نفوذهم إلا بالأمس.
وتراكمت مبتسراتنا الموروثة ضد الإسلام والمسلمين في قرون كثيرة، وصارت جزءًا من مزاجنا، وأضحت طبيعةً متأصلةً فينا تَأَصُّلَ حقد اليهود على النصارى الخَفِي أحيانًا والعميق دائمًا.
وإذا أضفنا إلى مبتسراتنا الموروثة ضد المسلمين مُبْتَسرَنا الموروث الذي زاد مع القرون بفعل ثقافتنا المدرسية البغيضة القائلة:
إن اليونان واللاتين وحدهم منبعُ العلوم والآداب في الزمن الماضي أدركنا، بسهولةٍ سرَّ جحودنا العامِّ لتأثير العرب العظيم في تاريخ حضارة أوربة.
ويتراءى لبعض الفُضَلاء أن من العار أن يُرَى أن أوربة النصرانية مدينةٌ لأولئك الكافرين في خروجها من دور التوحش، فعارٌ ظاهر كهذا لا يُقبل إلا بصعوبة (1 ) .
نختم هذا الفصل بقولنا: إنه كان للحضارة الإسلامية تأثيرٌ عظيم في العالم، وإن هذا التأثير خاص بالعرب وحدهم فلا تشاركهم فيه الشعوب الكثيرة التي اعتنقت دينهم، وإن العرب هَذَّبوا البرابرة الذين قَضَوا على دولة الرومان بتأثيرهم الخُلقي، وإن العرب هم الذين فتحوا لأوربة ما كانت تجهله من عالم المعارف العلمية والأدبية والفلسفية بتأثيرهم الثقافي، فكانوا مُمدِّنين لنا وأئمةً لنا ستة قرون.
في الهامش : ( 1 ) حينما تلتقي المبتسرات الموروثة والثقافة في العالم الفاضل، ولا يدرى على أيهما يعتمد في وزن الأمور، يتجلى فيه ما يجتمع في شخص واحد من الذاتية القديمة التي هي وليدة الماضي، والذاتية العصرية التي هي وليدة المشاهدة الشخصية، فيصدر عنه من الآراء المتناقضة ما يستوقف النظر، ومن ذلك التناقض المثال البارز الذي يجده القارئ في الخطبة التي ألقاها الكاتب اللبق والعالم الفاضل ( مسيو رينان ) في السوربون عن الإسلام، والتي أراد) مسيو رينان ) أن يثبت فيها عجز العرب، ولكن ترهاته كانت تنقض بما كان يجيء في الصفحة التي تليها، فبعد أن قال ( مسيو رينان ) مثلًا :
إن تقدم العلوم مدين للعرب وحدهم مدة ستمائة سنة، وذكر أن عدم التسامح مما لم يعرفه الإسلام إلا بعد أن حلت محل العرب شعوب متأخرة كالبربر والترك، عاد فادَّعى أن الإسلام اضطهد العلم والفلسفة وقضى على العقل في البلاد التي دانت له.
بيد أن ناقدًا بصيرًا ك ( مسيو رينان ) لا يستطيع أن ينام مدة طويلة على مثل ذلك الزعم المناقض لأوضح ما رواه التاريخ، فذهبت عنه مبتسراته الموروثة ثانية، ورجع يعترف بتأثير العرب في القرون الوسطى، ويشهد بتقدم العلوم في بلاد الأندلس أيام سلطانهم.
ومن دواعي الأسف أن تغلبت على ( رينان ) مبتسراته غير الشاعرة بعد ذلك سريعًا، فصار يزعم أن علماء العرب ليسوا عربًا؛ بل ” من أبناء سمرقند وقرطبة وأشبيلية… الخ ” .
مع أن الواقع أن تلك البلاد مما ملكه العرب، وأن الدم العربي مما جرى في عروق أبنائها، وأن علوم العرب مما كان لها نصيب منه زمنًا طويلًا، وأنه إذا أبُيح لأحد أن يجادل في الآثار التي صدرت عن مدارس العرب، كان ذلك من قبيل إباحته لنفسه أن يجادل في مؤلفات علماء فرنسة بحجة أنهم من الشعوب الكثيرة التي تألف من مجموعها الشعب الفرنسي كالنورمان والسلت والأكيتان … إلخ.
ثم يظهر الكاتب الفاضل ( مسيو رينان ) أسيفًا، أحيانًا، على سوء رأيه في العرب، ويصل إلى النتيجة غير المنتظرة الآتية التي تنم، كذلك، على ما بين ذاتية الإنسان القديمة وذاتيته العصرية من التنازع، ويأسف على أنه ليس من أتباع النبي، فيقول » : إنني لم أدخل مسجدًا من غير أن أهتز خاشعًا، أي من غير أن أشعر بشيء من الحسرة على أنني لست مسلمًا « .
يمكن تحميل نسخة إلكترونية لحضارة العرب بصيغة pdf ) ) واضحة من هذا الرابط ( مكتبة هنداوي )