الجمعة الثالثة / الثامنة عشر من محرم لعام 1440هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة السابعة بعد الثلاثمائة ( 307) في تعداد الجمع ، و الثالثة (3) في عام ( 1440هـ ) وتوافق ( 18 / 1 / 1440 هـ ) بحسب الرؤية والتقويم

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

مما يزيدُ في الإيمانِ : معرفةُ سِيَرِ من اتَّصَفَ بالصُّحبةِ وبادَرَ إلى التصديقِ وآزَرَ النبيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  –  فالدعاءُ لهم قُربةٌ، والاقتداءُ بهم سُنةٌ ، ومحبتُهم من أصولِ الدِّينِ ، قال الطحاويُ – رحمه الله – في عقيدَتِهِ ” العقيدةِ الطَّحَاوية : ”  ونحبُّ أصحابَ رسولِ اللهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  – ولا نفرِّطُ في حبِ واحدٍ منهم ، ولا نتبرأُ من أحدٍ منهم، ونبغضُ من يبغِضُهُم وبغيرِ الخيرِ يذكُرُهُم، ولا نذكُرُهُم إلا بخيرٍ ، وحبُّهُم دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ ، وبُغْضُهُم كفرٌ ونفاقٌ وطغيانٌ”.  

عَنْ أَنَسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – «أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – صَعِدَ أُحُدًا، وَأَبُا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَرَجَفَ بِهِمْ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ، فَقَالَ: (اثْبُتْ أُحُدُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ) » . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

فهي أولا :  لابد أن تكون ذات اقتصاديات ضعيفة حتى يمكن النفاذ إليها ، ثم هي مصدر للإمداد بالمواد الأولية ، وساحة للعب

إنه أحدُ الشهيدينِ عظيمُ اليدِ كريمُ النفسِ رضي الله عنه وأرضاه  : أبو عبدِ اللهِ عثمانُ بنُ عفانَ بنِ أبي العاصِ ، ذو النورينِ أميرُ المؤمنينَ، وثالثُ الخلفاءِ الراشدين، وصاحبُ الهجرتين، وأحدُ العشرةِ المُبشَّرين بالجنة ، (بُشِرَ بها مراراً ) ،

في جَامِعِ السُّنَّةِ وَشُرُوْحِهَا في مُسْنَدِ العَشَرَةِ الـمُبَشَّرِيْنَ بِالـجَنَّةِ ، مُسْنَدِ الُخلَفَاءِ الرَّاشِدِيْنَ : حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ – يَعْنِي ابْنَ أَبِي إِسْحَاقَ – عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَشْرَفَ عُثْمَانُ مِنَ الْقَصْرِ، وَهُوَ مَحْصُورٌ، فَقَالَ: أَنْشُدُ بِاللهِ مَنْ شَهِدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حِرَاءٍ إِذِ اهْتَزَّ الْجَبَلُ فَرَكَلَهُ بِقَدَمِهِ، ثُمَّ قَالَ: ” اسْكُنْ حِرَاءُ، لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ ” وَأَنَا مَعَهُ؟ فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ. قَالَ: أَنْشُدُ بِاللهِ مَنْ شَهِدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ إِذْ بَعَثَنِي إِلَى الْمُشْرِكِينَ

إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ: ” هَذِهِ يَدِي، وَهَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ ” فَبَايَعَ لِي؟ فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ. قَالَ: أَنْشُدُ بِاللهِ مَنْ شَهِدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَنْ يُوَسِّعُ لَنَا بِهَذَا الْبَيْتِ فِي الْمَسْجِدِ بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ؟ ” فَابْتَعْتُهُ مِنْ مَالِي فَوَسَّعْتُ بِهِ الْمَسْجِدَ  ؟ فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ. قَالَ: وَأَنْشُدُ بِاللهِ مَنْ شَهِدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ جَيْشِ الْعُسْرَةِ، قَالَ: ” مَنْ يُنْفِقُ الْيَوْمَ نَفَقَةً مُتَقَبَّلَةً؟

” فَجَهَّزْتُ نِصْفَ الْجَيْشِ مِنْ مَالِي؟ قَالَ: فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ. وَأَنْشُدُ بِاللهِ مَنْ شَهِدَ رُومَةَ يُبَاعُ مَاؤُهَا ابْنَ السَّبِيلِ، فَابْتَعْتُهَا مِنْ مَالِي، فَأَبَحْتُهَا لِابْنِ السَّبِيلِ؟ قَالَ: فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ ) . قال العلامة شعيب الأرنؤوط : صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين  ، وقال العلامة أحمد شاكر : إسناده صحيح .

وهو رفيقُ النَّبِيِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  – فيها ، قال – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  -: كما عندَ أحمدَ وفي المستدركِ على الصحيحينِ للحاكم بسَنَدِهِ قالَ :  حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ :شَهِدْتُ عُثْمَانَ  يَوْمَ حُصِرَ فِي مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ ، فَقَالَ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا  طَلْحَةُ أَتَذْكُرُ يَوْمَ كُنْتُ أَنَا وَأَنْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا ، وَلَيْسَ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ غَيْرِي وَغَيْرُكَ ، فَقَالَ لَكَ : ” يَا طَلْحَةُ ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلا وَلَهُ رَفِيقٌ مِنْ أُمَّتِهِ مَعَهُ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَنَّ عُثْمَانَ رَفِيقِي وَمَعِي فِي الْجَنَّةِ ” ، فَقَالَ طَلْحَةُ  : اللَّهُمَّ نَعَمْ ، قَالَ : ثُمَّ انْصَرَفَ طَلْحَةُ  ) . هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

وتفرَّدَ بمنقبةٍ ليستْ لأحدٍ من البشرِ فلم يتزوَّجْ رجلٌ من الأولين والآخرين ابنتَيْ نبيٍّ غيرَه. فما ظنَّكُمْ برجلٍ رضيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أن يزوجَه ابنتاه (رقيةُ وأمُّ كلثومٍ واحدةً بعدها الأخرى رضي الله عنهن  ).

كان رابعَ أربعةٍ في الإسلام، أسلم علي يدي أبي بكرٍ الصدِّيقِ – رضيَ اللهُ عنْهُما -، وبايَع عنه – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بيدِهِ في بيعةِ الرضوانِ وقالَ: «هذِهِ يدي وهذهِ يدُ عثمانَ»؛ رواهُ أحمدُ.

في الترمذي : ( كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِعُثْمَانَ خَيْرًا مِنْ أَيْدِيهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ» .

وكان رضي الله عنهُ كثيرَ العبادةِ خاشعاً للهِ ، لما نزلَ قولُهُ تعالى:(  أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا ) [الزمر: 9]، قالَ عمرُ – رضيَ اللهُ عنْهُ -: “هو عثمانُ”.

وكان وفياً بالعهد قالَ – رضيَ اللهُ عنهُ -: “صحبتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – وبايَعتُه، فوالله ما عصيتُه ولا غششتُه حتى توفاه اللهُ – عزَّ وجلَّ -، ثم أبو بكرٍ مثلُه، ثم عمرُ مثلُه”؛ رواه البخاري.  

وهو رضي الله عنه  : وَجِلٌ من ربِهِ، ولا يغفلُ عن آخرَتِه ، كثيرُ الزيارةِ للمقابرِ ، إذا وقفَ على القبرِ يبكي حتى تبتلَّ لحيتُه .

 وهو قدوةٌ لغيرِهِ ، أَمَرَ النبيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بالاقتداءِ به عند حلولِ الفتنِ ، ووصفَه بالأمينِ، في روايةٍ عند أحمدَ. وفي روايةِ الْبَيْهَقِيِّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – : أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ فِيهَا، وَأَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَسْتَأْذِنُ عُثْمَانَ فِي الْكَلَامِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: « (إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي فِتْنَةً وَاخْتِلَافًا – أَوْ قَالَ: اخْتِلَافًا وَفِتْنَةً – فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنَ النَّاسِ: فَمَنْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ أَوْ مَا تَأْمُرُنَا بِهِ؟ قَالَ: (عَلَيْكُمْ بِالْأَمِيرِ وَأَصْحَابِهِ) وَهُوَ يُشِيرُ إِلَى عُثْمَانَ بِذَلِكَ» .

وَمَنْ تَعرَّفَ على اللهِ في الرخاءِ عرَفَهُ في الشِّدَّةِ وعصمَهُ من الفتنِ ، عَنْ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: «سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَذَكَرَ الْفِتَنَ فَقَرَّبَهَا، فَمَرَّ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ فِي ثَوْبٍ فَقَالَ: (هَذَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الْهُدَى) فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. قَالَ: فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ فَقُلْتُ: هَذَا؟ قَالَ: (نَعَمْ) » . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

ومنَحَه الله إيمانًا راسخًا وعقلاً راجحًا، بعثَه النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – يُفاوِضُ قريشًا في الحديبيةِ ، قالَ ابنُ عُمَرَ – رضيَ اللهُ عنْهُمَا -: “لو كانَ أحدٌ أعزُّ ببطنِ مكةَ من عثمانَ لبَعَثَهُ مكانَه”؛ رواه البخاري.

الحياءُ خُلُقٌ رفيعٌ يجمعُ المروءاتِ، وعثمانُ – رضيَ اللهُ عنهُ – كان حيِيًّا ، بل ليس في الأمةِ من يُدانيه في حيائِه؛ قالَ – عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ -: «أشدُّ أمتي حياءً: عثمانُ»؛ رواه الترمذي.

وكان النبيُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – والملائكةُ يَسْتَحُوْنَ منه، كانَ – عليه الصلاةُ والسلامُ – مُضطجِعًا على فراشِهِ، فلما دَخَلَ عثمانُ جَلَسَ وقالَ : «ألا أستحِي من رجلٍ تستحِي منه الملائكةُ ؟!»؛ رواه مسلم.

وكان – رضيَ اللهُ عنه – مُحِبًّا لكلامِ اللهِ، قالَ الحسنُ البصريُ : “ما ماتَ عثمانُ حتى خَلِقَ مصحفُه من كثرةِ ما يُديمُ النظرَ فيه”، ولتعلُّقه بكتابِ اللهِ كانتْ خاتِمَتُه عليهِ، فقُتِلَ والمصحفُ في حِجْرِهِ وسالَ الدمُ على مصحَفِهِ وكان يقولُ: “لو أن قلوبَنا طَهُرَتْ ما شبِعْنا من كلامِ ربِنَا”.

 

ومن حسناتِه العظيمةِ : جَمْعُ النَّاسِ على القرآنِ ، وكَتْبُه المصحفَ على العَرْضَةِ الأخيرةِ التي دارَسَ فيها جبريلُ النبيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – في آخرِ حياتِهِ، فأمرَ زيدَ بن ثابتٍ – رضي الله عنه – أن يكتبَ المصحَفَ كاملاً بخطِ يدِهِ ويُفرِّقَه في الأمصارِ ، وسُمِّي نوعُ خطِّ المصحَفَ باسمِهِ فقيلَ: الرَّسْمُ العُثْمَانيُ؛ نسبةً إلى أمْرِهِ وزمانِهِ وإمارَتِهِ، نفعَه القرآنُ ونفعَ الناسَ به، قال ابنُ كثيرٍ – رحمه الله -: “وفي عصرِ عثمانَ بنِ عفانَ امتدَّتْ الممالكُ الإسلاميةُ إلى أقصى مشارِقِ الأرضِ ومغارِبِها، وذلك ببركةِ تلاوتِهِ ودراستِهِ وجمْعِهِ الأمةَ على حفظِ القرآنِ “.

 ومع عبادَتِهِ وخشيتِهِ للهِ كان خليفةً راشدًا مُحنَّكًا، فتحَ اللهُ على يديِهِ كثيرًا من الأقاليمِ والأمصارِ ،واتَّسَعتْ رقعةُ أرضِ المسلمين، قال – عليه الصلاة والسلام -: «إن الله زوَى لي الأرضَ فرأيتُ مشارقَها ومغارِبها، وإن أمتي سيبلُغ مُلكُها ما زوَى لي منها»؛ رواه مسلم. قالَ ابن كثيرٍ في “البدايةِ والنِّهَايةِ”: “وهذا كلُّه تحقَّقَ وقوعُهُ وتأكَّدَ وتوطَّنَ في زمانِ عثمانَ رضي الله عنه .”.

قال الحسنُ عن زمنِ عثمانَ رضي الله عنهما : “الأُعطياتُ في خلافتِهِ جاريةٌ، والأرزاقُ دارَّةٌ، والعدو مُتَّقًى، وذاتُ البينِ حسنٌ ، والخيرُ كثيرٌ، وما مؤمنٌ يخافُ مؤمنًا، من لقِيَه فهو أخوهُ من كانَ”.

رضي الله عنه وعن صحاب رسولك الكريم صلى الله عليه وسلم ، اللهم ألحقنا بهم بحبنا إياهم …

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

اترك تعليقاً