الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
من عجيب ما يقدر الله على عباده ما ذكره ياقوت الحموي في معجم الأدباء في المجلد الخامس الجزء التاسع ص ( 143 ) من طبعة دار إحياء التراث العربي في ترجمة : الحسن بن محمدٍ المهلبي أبي محمدٍ ( ت 351 أو 352 هـ ) ، حدث أبو عليٍ التنوخي قال:
كان أبو محمدٍ المهلبي يكثر الحديث على طعامه وكان طيب الحديث، وأكثره مذاكرة بالأدب وضروب الحديث على المائدة لكثرة من يجمعهم عليها من العلماء والكتاب والندماء، وكنت كثيراً ما أحضر
فقدم إليه في بعض الأيام حجل فقال لي : أَذْكَرَنِي هذا حديثاً طريفاً، وهو ما أخبرني به بعض من كان يعاشر الراسبي الأمير ) قال في الهامش : عامل خوزستان ، كما قال الذهبي في طبقاته ) قال:
كنت آكل معه يوماً وعلى المائدة خلق عظيم فيهم رجل من رؤساء الأكراد المجاورين لعملـه، وكان ممن يقطع الطريق، ثم استأمن إليه فآمنه واختصه ، وطالت أيامه معه وكان في ذلك اليوم على مائدته إذ قدم حجل فألقى الراسبي منه واحدةً إلى الكردي كما تلاطف الرؤساء مؤاكليهم ، فأخذها الكردي فجعل يضحك، فتعجب الراسبي من ذلك وقال:
ما سبب هذا الضحك وما جرى ما يوجبه؟ فقال: خبر كان لي ، فقال: أخبرني به . فقال: شيء ظريف ذكرته لما رأيت هذه . قال: فما هو ؟
قال : كنت أيام قطع الطريق قد اجتزت في المحجة الفلانية في الجبل الفلاني وأنا وحدي في طلب من آخذ ثيابه، فاستقبلني رجل وحده، فاعترضته وصحت عليه فاستسلم إلي ووقف ، فأخذت ما كان معه وطالبته أن يتعرى ففعل ومضى لينصرف ، فخفت أن يلقاه في الطريق من يستفزه علي فأُطلب وأنا وحدي فأُوخذ، فقبضت عليه وعلوته بالسيف لأقتلـه .
فقال: يا هذا أي شيءٍ بيني وبينك ؟ أخذت ثيابي ولا فائدة لك في قتلي !
فكتفته ولم ألتفت إلى قولـه ، وأقبلت أقنعه بالسيف ، فالتفت كأنه يطلب شيئاً فرأى حجلةً قائمةً على الجبل فصاح:
يا حجلة اشهدي لي عند اللـه تعالى أني أقتل مظلوماً .
فما زلت أضربه حتى قتلته ، وسرت ، فما ذكرت هذا الحديث حتى رأيت هذه الحجلة ، فذكرت حماقة هذا الرجل فضحكت .
فانقلب عليه الراسبي في رأسه حَرَدٌ وقال : لا جرم واللـه إن شهادة الحجلة عليك لا تضيع اليوم في الدنيا قبل الآخرة، وما آمنتك إلا على ما كان منك من إفساد السبيل ، فاما الدماء فمعاذ اللـه أن أسقطها عنك يابن الفاعلة بالأمان، وقد أجرى اللـه على لسانك الإقرار عندي. يا غلمان اضربوا عنقه ، قال: فبادر الغلمان إليه بسيوفهم يخبطونه حتى تدحرج رأسه بين أيديهم على المائدة وجُرَّت جثته، ومضى الراسبي حتى أتم غداءه…
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.