الجمعة الثامنة والاربعين / السادس من ذي الحجة لعام 1439هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الثلاثمائة وواحدة ( 301) في تعداد الجمع ، و الثامنة والأربعين (48) في عام ( 1439هـ ) وتوافق ( 6/ 12 / 1439 هـ ) بحسب الرؤية .

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

يتداول الإعلام في هذا الأسبوع الأزمة الاقتصادية في تركيا ( ونزول سعر صرف الليرة التركية ) ، ولله الأمر من قبل ومن بعد ، ونتمنى لكل مسلم الخير حيثما يمم ، ونريد الرفعة لكل من قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  وهذه أي الرفعة  حاصلة لا محالة ، ولكن الله يفعل ما يريد ويختار ما يشاء،   فسبحان من له تصريف الأمور .

بين يدي كتاب لطيف المبنى غزير المعنى سهل التركيب واضح البيان وهو من إصدار مركز البيان للبحوث والدراسات ( 257 ) ألفه الأستاذ أحمد فهمي وأسماه : ( الحدائق الخلفية شرح ميسر لطبيعة العلاقات بين دول العالم وأسرارها من خلال مئات الأمثلة والحكايات )  ، والحدائق الخلفية : مصطلح دارج في الثقافة الغربية حيث يحرص أولئك القوم على أن يكون في بيوتهم حدائق خلفية يعملون فيها ما لا يعملون في الحدائق الأمامية مثل تجفيف الملابس وحفلات الشواء وتخزين الأثاث القديم ،( ففي بريطانيا هناك ما يقارب ( 10 ملايين ) حديقة خلفية ) ، وبدأ استخدام هذا المصطلح ” سياسيا ” في أمريكا ، حيث استخدمه بعض السياسيين في وصف مواقع دول أمريكا اللاتينية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة ، لكنه تعدى أمريكا اللاتينية – بحسب واقع الحال – ليشمل دولاً كثيرة من مختلف أنحاء العالم الفقير أو ” العالم الثالث ” وإن كان المعنى نفسه مطبقا على نطاق واسع منذ قرون ، مع بدايات الموجات الاستعمارية الأوربية لقارتي أسيا وأفريقيا .

والتطبيق  العملي لذلك – تبعا للمصطلح – يعني أن تصبح هذا الدول ” حديقة خلفية ” أي يعاد تصميمها وهيكلتها بما يتناسب مع وظيفة ” الحديقة الخلفية ” الخدمية .

فهي أولا :  لابد أن تكون ذات اقتصاديات ضعيفة حتى يمكن النفاذ إليها ، ثم هي مصدر للإمداد بالمواد الأولية ، وساحة للعب

ومنفذ للمواد الاستهلاكية المنتجة في الغرب ، وميدان للتنافس الاقتصادي ، كما أنها مكان لفعل كل ما تحظر القوانين الغربية فعله في ” الحديقة الأمامية ” ، وصولا إلى استخدام ” الدولة ” ، ” الحديقة ” ك ” مكب للنفايات ” .

قال أبو حكيم – غفر الله له – انظر هذا الرابط :

 

 اضغط هنا

ثم تدرج الكتاب بذكر حوادث عديدة بين فيها كيف يكون العمل على إخضاع  دول لتكون حديقة خلفية وجاء التوسع بضرب المثل بالعراق  .

وقال المؤلف في ص ( 161 ) في النظم الإقليمية يمكن أن نلاحظ ( 4 ) أنماط  من الدول من حيث تنوع سياستها الخارجية الإقليمية :

أولا : نموذج الدول المهيمنة أو المتطلعة للهيمنة :

وهي الدول التي تهيمن على الإقليم بالفعل ، أو تسعى لذلك ، وعادة ما تتصف هذه الدول بالقوة النسبية ،  ديموغرافيا  (علم السكان أو الدراسات السكانية )  وعسكريا واقتصاديا ، بحسب مستوى دول الإقليم ..

وفي المنطقة العربية  – الشرق الأوسط – يمكن ملاحظة أربع دول تنتمى لهذا النموذج وهي : إيران ، تركيا ، السعودية ، مصر … بالإضافة إلى ( إسرائيل ) ..

هذه الدول تملك مقومات الدولة القادرة على الهيمنة ، ولها بالفعل سياسات خارجية متطلعة ، ويمكن إلى حد كبير تفسير وتحليل النزاعات في المنطقة بحسب تطورات وتعقيدات العلاقة بين هده الدول الأربع . ويضاف إليها ” إسرائيل ” باعتبارها تملك قوة عسكرية واقتصادية ، وإن كانت ديموغرافيا وجغرافيا ذات قدرات محدودة …

ثم ذكر المؤلف ثمان مسوغات – ذرائع –  معلنة أو مصطنعة للتدخل :

1 . في بعض الحالات يكون العنف هو الوسيلة الأساسية لصناعة مسوغ التدخل أو تصعيد الأزمة .

2 . يكون قرار التدخل أو الحرب قد اتخذ بالفعل  ، ثم يجلس الجميع منتظرين حتى تأتي الذريعة المناسبة ، مثلما حشدت اسرائيل قواتها على حدود لبنان وانتظرت المسوغ للهجوم ،  ( قال أبو حكيم : و مثل قضية القس الأمريكي المحبوس في تركيا على إثر الانقلاب السابق ، ومع حصوله على محاكمة وفق القانون إلا أن أمريكا تلوح بقضيته وتثيرها وكأنها لم تعرف به إلا الآن ( فالسؤال لماذا الآن وهو موقوف من مدة طويلة ؟ … )

3 . في حالات أخرى تستغرق صناعة المسوغ فترة زمنية طويلة ، ويكون ذلك من قبيل التخطيط الزمني طويل الأجل .

4 . تحدث أحيانا محاولات  لصناعة ” أقلية ” لم تكن موجود من قبل في دولة ما ، حتى يمكن اتخاذها ذريعة مستقبلية للتدخل .مثل محاولة نشر المسيحية بين القبائل الجزائرية .

  1. عندما تكون الأقلية موجودة بالفعل ، فإنه يمكن اتخاذ حرية ممارسة الشعائر ، أو حماية الحقوق الدينية أو حماية المقدسات ، ذرائع للتدخل بصورة مستمرة عندما تكون الظروف مواتية ، وقد يكون التدخل بممارسة الضغط السياسي وقد يصل للتدخل العسكري . وأظهر مثال عليه : علاقة إيران بالشيعة العراقيين ، ومراقد الأئمة في النجف وكربلاء تعد نموذجا معبرا عن هذه الحالة .

6 . الاتفاقات السياسية أو التجارية تتخذ في بعض الأحيان كذريعة للتدخل واسع النطاق في الشؤون الداخلية لدولة ما .

7 . التحذير من خطر قادم : الخوف من أهم الوسائل التي يجري توظيفها سياسيا لأن النجاح فيه يضع الخائفين في حالة نفسية تجعلهم يتخذون قرارات غير عقلانية لم يكونوا ليتخذوها في حالاتهم العادية ، مثل ما فعل رئيس وزراء بريطانيا( لورد بالمر ستون )  في منتصف القرن التاسع عشر مع الخليفة العثماني بتخويفه من تنامي سلطة ” محمد علي باشا ” …

8 . التواطؤ الإقليمي أو الدولي  على السماح لدولة ما بالتدخل في شؤون دولة أخرى  ، لما أرادت بريطانيا الانسحاب من الخليج ، وكانت أمريكا غارقة في الحرب الفيتنامية وللخوف من وضع موطئ قدم للسوفييت في الخليج ، تم الاتفاق ( بين بريطانيا وأمريكا وفرنسا )   مع شاه إيران أن يوافق على إعلان استقلال البحرين  ، وفي المقابل تمكينه من احتلال جزر تابعة للإمارات في الخليج  ، ففي أغسطس عام ( 1971 م ) استقلت البحرين  وبعد ثلاثة أشهر احتلت إيران جزيرتي طنب الكبرى والصغرى  التابعتين لإمارة رأس الخيمة وجزيرة ( أبو موسى ) التابعة لإمارة الشارقة بعد انسحاب الانجليز منها .

كان هذا الحل – ملء الفراغ – الذي اعتبره الرئيس الأمريكي السابق – ريتشارد نيكسون – مناسبا جدا لتنفيذ نظريته ( تقوية أصدقاء أمريكا للدفاع عن أنفسهم ) ، وكان يعتقد أن إيران  ستتمكن من جعل دول الخليج يسيرون وفق رغبات واشنطن ، وستعمل على تحقيق الأمن كما يراه البيت الأبيض في مناطق مختلفة وبذلك تعفى أمريكا من نفقات الدفاع عن المنطقة ، ودفع ” نيكسون ” للشاة مكافأة بتوقيع الفواتير المتعلقة بذلك .

ظل نظام الشاه يقوم بدور الشرطي في الخليج العربي ومع نهاية السبعينات بدأت الولايات المتحدة تكثف وجودها في المنطقة ، وطورت علاقاتها مع الدول  العربية ، ثم أنشأت قوة الردع السريعة عام ( 1983 م) وتعهدت بحماية ناقلات النفط في الحرب العراقية الإيرانية ، ، ثم تعاظم وجودها بعد حرب الخليج الثانية ( 1991 م) ثم غزو العراق عام ( 2003 م) ولم تعد بحاجة لشرطي لينظم لها أوضاع منطقة الخليج مع تدخلها المباشر في الأحداث .

ولله الأمر من قبل ومن بعد

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

اترك تعليقاً