الجمعة الثلاثين / الاول من شعبان 1435هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الحادية والثمانين( 81 ) في تعداد الجمع ، والجمعة الثلاثين ( 30 ) من عام 1435 هـ وتوافق (1435 / 8 / 1 ) بحسب التقويم .

أيها الكرام : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

( مصر) كلمة عربية يراد بها معان منها : مصر البلد المشهورة وأهل الأرياف منها  يطلقون مصر على القاهرة  ، وقد يراد بها أي مدينة ففي التنزيل (اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم )  فعلى التنوين هي كذلك وبدونه قالوا : هي مصر المعروفة – على خلاف في تفسيرها  –  واشتهر من أعمال عمر رضي الله عنه أنه (مصر الأمصار )  كالكوفة والبصرة  وفي الحديث كما في الخصائص الكبرى للسيوطي ( ت 911 )

( َأخرج أَبُو نُعيم عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم : ( ستمصرون أمصارا فَيكون فِيهَا مصر يُقَال لَهُ الْبَصْرَة يكون فِيهَا خسف ومسخ ) .

وما نحن فيه اليوم هي مصر بلد الكنانة وصخرة الإسلام (َأخرج مُسلم عَن أبي ذَر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّكُم ستفتحون أَرضًا يذكر فِيهَا القيراط فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خيرا فَإِن لَهُم ذمَّة ورحما فَإِذا رَأَيْتُمْ رجلَيْنِ يقتتلان على مَوضِع لبنة فَاخْرُج مِنْهَا) قَالَ فَمر بربيعة وَعبد الرَّحْمَن بن شُرَحْبِيل بْن حَسَنَة يتنازعان فِي مَوضِع لبنة فَخرج مِنْهَا .

أيها الأكارم : تتبعوا التاريخ تجد كل من حارب الإسلام تكسرت سيوفه على أرض مصر أو من جيوش أرض مصر ولعلكم لم تنسوا التتار والمظفر قطز والظاهر بيبرس ولم تنسوا أهل الصليب ومعركة دمياط والمنصورة  المشهورة وهي في يوم جمعة مجيد حيث قال المؤرخون :

في يوم الجمعة الموافق (21 صفر سنة 647 هـ ) (يونيو 1249) كانت السفن الضخمة العديدة تقف تجاه دمياط, وأرسل لويس التاسع ( ملك فرنسا ) ويطلقون عليه لويس القديس !!!  إلى السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب إنذارا يهدده فيه ويتوعده ويطلب منه تسليم البلاد.. واختتمه بقوله:


(.. وقد عرفتك وحذرتك من عساكر حضرت في طاعتي تملأ السهل والجبل, وعددهم كعدد الحصى.. وهم مرسلون إليك بأسياف القضاء).

واستمع السلطان المريض إلى الإنذار الوقح, والدموع تملأ عينيه والغيظ ينهش قلبه, فكم يتمنى الآن أن ينهض ليطيح برأس هذا المعتدي الأحمق المغرور.. ولكنه المرض الذي يصفده بأغلاله, ويستهلك قواه.

وتنهد الصالح أيوب واختلجت كلماته وهو يملي رده إلى لويس:
(أما بعد, فإنه وصل كتابك, وأنت تهدد فيه بكثرة جيوشك, وعدد أبطالك, فنحن أرباب السيوف, وما قتل منا فريق إلا جددناه, ولا بغى علينا باغ إلا دمرناه, فلو رأت عيناك أيها المغرور حد سيوفنا, وعظم حروبنا, وفتحنا منكم الحصون والسواحل.. لكان لك أن تعض على أناملك بالندم, ولابد أن تزل بك القدم, في يوم أوله لنا, وآخره عليك…).

وقد كان  : حيث كان  الملك الفرنسي يروم الوصول للقاهرة ويجعلها قاعدة لأخذ الشام وجعل بيت المقدس ضمن مملكته ولكنه وصل إلى بيت القاضي فخر الدين بن لقمان, سجينا, مسكينا, جاثيا أمام أبواب دمياط والمنصورة, رافعا راية التسليم في ذلة وانكسار..!.  فالحمد لك يا رب

وقاعدة صلاح الدين كانت مصر  ولو تتبعنا لضاق الفضاء بالأمجاد .

فنقول :  يا أهلنا في مصر لا تضيقوا بما يقدره الله عليكم  ففي محكم التنزيل في أول العنكبوت (ألم ( 1 ) أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ( 2 ) ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ( 3 ) )

وقالت العرب :

لا يفزعنك هول خطب دامس

فلعل في طياته ما يفرح

لو لم يمد الليل جنح ظلامه

في الخافقـين لما أضاء الفرقـد

وأختم بهذه البشارة فقد أورد القرطبي في كتاب التذكرة في الباب الرابع والثلاثين : باب ما جاء في اختيار بقعة الدفن من تحقيق الدكتور الصادق بن محمد إبراهيم في المجلد الأول ص 310 :

(وروي عن كعب الأحبار رضي الله عنه أنه قال لبعض أهل مصر لما قال له هل لك من حاجة ؟ قال : نعم ، جراب من سفح جبل المقطم – يعني جبل مصر – قال : فقلت له يرحمك الله وما تريد منه ؟ قال : أضعه في قبري ، فقال له : تقول هذا وأنت في المدينة وقد قيل في البقيع ما قيل ؟! قال : إنا نجد في الكتاب الأول أنه

مقدس ما بين القُصير إلى اليحموم ).

المقطم : جبل يشرف على مقبرة فسطاط مصر والقاهرة يمتد من أسوان وبلاد الحبشة على شاطئ النيل الشرقي حتى يكون منقطعه طرف القاهرة ( معجم البلدان لياقوت الحموي  ) .

القُصير : يطلق على عدة مواضع في غور الأردن   وأول ضيعة بعد دمشق لمن يرد حمص وهناك موضع قرب عيذاب ( قال أبو حكيم : هي ميناء على ساحل البحر الأحمر من أعمال السودان اليوم وكان لها تاريخ في تسيير الحجاج أبان تملك أهل الصليب للشام ولعلها المقصودة في الأثر فهي في منطقة أسوان من صعيد مصر قديما .

اليحموم : جبال متفرقة مطلة على قاهرة مصر من جانبها الشرقي .

والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

اترك تعليقاً