من مختارات أبي حكيم في الجمعة الثلاثمائة ( 300) في تعداد الجمع ، و السابعة والأربعين (47) في عام ( 1439هـ ) وتوافق ( 28/ 11 / 1439 هـ ) بحسب الرؤية .
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : وإن كانت طويلة إلا أن المقام يستدعي البسط …
مما جاء في هذا الأسبوع رسالة عبر ( الواتس أب ) فحواها: قبل عشرين سنة ( 1419 ) تقريبا كان السفر إلى بلاد الشام سياحة والسفر إلى البوسنة حرب ، واليوم ( 1439 هـ ) السفر للشام حرب ، وللبوسنة سياحة ، إنها عشرون سنة فقط فسبحان من قال في آل عمران (… وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ … 140 ) .. ومما يذكر في هذا أن قرأت هذا الأسبوع وبدلالة الشيخ العلامة الحافظ عبدالكريم بن عبدالله الخضير – وفقه الله ونفعنا بعلمه – حين سئل عن أفضل كتب التاريخ فكان مما قال في فتواه في موقعه الرسمي – حفظه الله – :
( فلا شك أن المؤرخين لهم نظراتهم وتحليلهم للأحداث والأخبار، وتقييمهم للرجال يختلف، ولا شك أن المؤثرات موجودة، وهم بشر، فإذا قرأت في ترجمة حنبلي –مثلاً- عند مؤرخ حنفي أو العكس لا شك أن لاختلاف المذهب أثره في النفس، ولذلك -وهذا من الطرائف- في ترجمة ( ابن مفلح ) عند ( ابن تغري بردي ) في (المنهل الصافي) أو في (النجوم الزاهرة) غمزه في مسألة ( تيمور )، (فابن تغري بردي ) حنفي غمز ( برهان الدين ابن مفلح ) وهو من الحنابلة، فأثنى عليه كثيرًا ثم قال: لولا دخوله في مسألة ( تيمور )، ومسألة ( تيمور ) مبسوطة في (النجوم الزاهرة) في ” الجزء الثاني عشر صفحة مائتين وأربعين فما بعدها ” ، وهي قصة مؤثرة جدًا جدًا جدًا، لو قرأها عرف كيف يتعامل هؤلاء الظلمة في حروبهم للمسلمين كما يحصل الآن في بلاد المسلمين، وأن لكل قوم وارث، غمزه في دخوله في مسألة ( تيمور )
لأنه حنبلي وهذا حنفي والله أعلم بالمقاصد، لكن هذا الذي يظهر، بينما ( السفّاريني ) في (غذاء الألباب) مدحه بسبب مسألة ( تيمور ) ؛ لأن ( السفاريني ) حنبلي، فلا شك أن هذه المذاهب لها أثر في النفوس وإن كان الأصل في المسلم الإنصاف ولا يظن به غير ذلك إلا إذا ظهر في ثنايا كلامه ما يدل على خلاف ذلك، فالإنسان يكون على حذر من قراءة التواريخ، ولذا القحطاني في نونيته الشهيرة المفيدة النافعة الجامعة يقول:
لا تقبلن من التوارخ كلما … جمع الرواة وخط كل بنان
فلذا التاريخ النقدي مهم جدًا، وطالب العلم إذا قرأ في تاريخ ابن خلدون تولدت لديه ملكة، لكن لا تكون حساسيته أكثر من اللازم بحيث يرد كل شيء، بل الأصل في المؤرخين أنهم مسلمون وعلماء وثقات، لكن يبقى التحسس فلا يقبل كل شيء ) أ. هـ .
قال أبو حكيم وكتاب ( النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ) ، تأليف جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي الأتابكي ( 813 / 874 هـ ) . كتاب مطبوع في سبعة عشر مجلدا وهو أيضا في الشبكة لمن أراده إلكترونيا .
وما ذكره الشيخ الخضير أعلاه : في ذكر ابن تغري بردي (للقاضي الحنبلي برهان الدين ابن مفلح ) يقصد به هجوم تيمورلنك ملك المغول على الشام عام ( 803 هـ ) ودور ( ابن مفلح ) في عقد الصلح معه وأمن أهل دمشق ، وقد خدعه تيمور لنك في حكاية تطول ، و فعل في دمشق من الأفاعيل المنكرة الفظيعة التي لا يتخيل إنسان قدرة هؤلاء الظلمة على ابتكار وسائل التعذيب ، وقد سطرها ابن تغري بردي حيث عاصرها فقد كان له من العمر عشر سنوات ، فأطال في فاجعة دمشق وكان مما قال بعد ذكر أنواع العذابات التي
صبت على الناس بعد خذ أموالهم ( مج 12 ص 239 وما بعدها : (… واستمرّ هذا البلاء والعذاب بأهل دمشق تسعة عشر يوما، آخرها ( يوم الثلاثاء ثامن عشرين شهر رجب من سنة ثلاث وثمانمائة ) ، فهلك في هذه المدّة بدمشق بالعقوبة والجوع خلق لا يعلم عددهم إلّا الله تعالى. فلما علمت أمراء تيمور أنه لم يبق بالمدينة شيء خرجوا إلى تيمور، فسألهم: هل بقى لكم تعلّق في دمشق؟ فقالوا: لا .
