الجمعة السادسة والاربعين / الحادي والعشرين من ذي القعدة لعام 1439هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة المائتين والتاسعة والتسعين ( 299) في تعداد الجمع ، و السادسة والأربعين (46) في عام ( 1439هـ ) وتوافق ( 21/ 11 / 1439 هـ ) بحسب الرؤية

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

مما ينعم الله به على الإنسان حين يقرأ ، أن يفتح الله عليه باب معرفة الصواب ، ويرى مصداق قوله تعالى في الإسراء  (…ومَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85 ) ) ، وأن كمال الإنسان في نقصه ،  قرأت لمحمد بن عبدالله أحمد أبي الفضل القُونَوي  كتابه ( المجتبى من كتاب البيان والتبيُّن *) بياء مشددة ( وهي الصواب )  ، وليس كما عرفناه ( التبيين ) !! بيائين … وهذه الأولى  ، أما الثانية فإن محقق الكتاب الأشهر ( عبدالسلام بن محمد هارون ) – رحمه الله – شيخ المحققين وقد ورد بيان جهوده في مختارة سابقة ( 113 ) ، قد حقق هذا الكتاب ، ولكن العمل البشري من كماله نقصه  ، فقد لاحظ ( أبو الفضل القونوي ) بعض الملاحظات وكان قال بداية :  ( ولم أحفل بكلام قرأته في نقد بعض تلك التحقيقات ، ذلك أني لم أقف عندما قيل  – في ذلك – وقفة متفحص أو متثبت ، وقلت  : لعله كلام أقران . وقلت : لعلها المبالغة  .

وكان يصرفني عن التأكيد من صواب أو خطأ نقدات بعض أمراء التحقيق ، لهارون ما صرف أكثر العلماء والأدباء عن نقده ، كهيبة الألقاب وجلالة الجوائز التي نالها ، حتى كان اليوم الذي أخذت نفسي فيه على بدء العمل الذي قصدت إليه ، وكان طبيعيَّا استهلالي بإعادة قراءة مقدمة تحقيقه قراءةً نقدية ، فكان نتاج ذلك فيَّ ” زلزلة ”  وعصفا ، وتبين لي – بعد – أنها كانت مقدمة الزلزلة وهدوء ما قبل الإعصار ! … ثم بين ملاحظاته وساق رأيه في نسخ الكتاب المخطوطة  ،  كان اعتمد في مجتباه على نسخة نقلت عن نسخة أبي ذر الخُشني والمقروءة عليه ، المستنسخة عن ” النسخة الكاملة ” لأبي جعفر البغدادي . 

قال أبو حكيم وقد بين أبو الفضل علة الخطأ الذي وقع من عبدالسلام  -عليه رحمة الله –  بسبب الاستعجال في اخراج الكتاب وحث الذي تولى نفقات الطبع ( عبدالسلام بن محمد الناظم )   على استخراج الكتاب عاجلا ، ولم يرح جسده وفكره المتعب بعد تحقيق كتاب الحيوان … فكان هذا الخطأ في الاسم مثلا ، وقد تنبه عبدالسلام إلى إشكالية الاسم ، ولم يأبه الناشرون …

 

 ومما جاء فيه من مُلحٍ في هذا الجمعة ص ( 74 / 75 ) : قال الجاحظ :

حدثني أبو سعيد عبد الكريم بن رَوح  قال: قال أهل مكة ( لمحمد بن الـمُناذر الشاعر ) : ” ليست لكم معاشر أهل البصرة لغة فصيحة، إنما الفصاحة لنا أهل مكة ” . قال : فقال ابن المناذر: أما ألفاظنا فأحكى الألفاظ للقرآن، وأكثرها له موافقةً، فضعوا القرآن بعد هذا حيث شئتم.

 أنتم تسمون القِدْر ” بُرْمَةً ” وتجمعون البُرمة على ” بِرَام ” ، ونحن نقول : ( قِدْر) ، ونجمعها على ( قُدور )، وقال الله عز وجل:  ( وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ) سبأ 13 .

 وأنتم تسمون البيت إذا كان فوق البيت ” عُلِّيَّةً “، وتجمعون هذا الاسم على “عَلالِي “، ونحن نسميه ( غُرفة ) ونجمعها على ( غُرُفات وغُرَف ). وقال الله تبارك وتعالى: ( غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ ) الزخرف 20 .  وقال: (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) سبأ 37.

وأنتم تسمون ” الطَّلْعَ ” ” الكافورَ والإغْريضَ ” ونحن نسميه ( الطَّلْعَ )  . وقال الله تبارك وتعالى: ( وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ ) الشعراء 148 .

فعد عشر كلمات لم أحفظ أنا منها إلا هذا.

 ألا ترى أن أهل المدينة لما نزل فيهم ناس من الفرس في قديم الدهر عَلِقُوا بألفاظ من ألفاظهم، ولذلك يسمون البطيخ “الخِرْبِز ” ، ويسمون السَّمِيط ” الرَّوْذَق ”  ، ( قال أبو حكيم : شيخ المحققين عبدالسلام هارون في تحقيقه للكتاب قال في الهامش  🙁 وفي الأصول الروذق : محرف ) .  ، ويسمون المصوص ” المَزُوز ”  ، ويسمون الشطرنج ” الأَشْتَرَنْج ” ، في غير ذلك من الأسماء،  وكذلك أهل الكوفة، فإنهم يسمون المِسحاة ” بال ” ، و ” بال ”  بالفارسية.
ولو عَلِقَ ذلك لغة أهل البصرة إذ نزلوا بأدنى بلاد فارس وأقصى بلاد العرب كان ذلك أشبه، إذ كان أهل الكوفة قد نزلوا بأدنى بلاد النبط وأقصى بلاد العرب.
ويسمي أهل الكوفة الحَوْك ” باذَرُوجا ” ، و ” الباذروج ” بالفارسية ( قال أبو حكيم : والباذروج ريحانة ) ، و”الحوك ” كلمة عربية .

وأهل البصرة إذ التقت أربع طرق يسمونها ” مُرَبَّعة ” ، ويسميها أهل الكوفة  “الجهار سُوك” ، و ” الجهار سُوك ” بالفارسية. ويسمون ” السوق والسويقة ” “وازار ” ، و ” الوازار ” بالفارسية. ويسمون ” القِثَّاء ” “خِيارا” ، و “الخيار ” بالفارسية. ويسمون المجذوم “وِيذي ” بالفارسية.

*المجتبى من كتاب البيان والتبيُّن  لأبي عثمان الجاحظ ، اجتباه  : محمد بن عبدالله أحمد  ، أبو الفضل القونوي  ، طبعته دار الميمنة في المدينة النبوية ، طبعته  الأولى ( 1438 ) ويقع في ( 486 ) صفحة والمجتبى من منقول الجاحظ في كتابه لا من مقوله .

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

اترك تعليقاً