الجمعة الثالثة والاربعين / التاسع والعشرين من شوال لعام 1439هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة المائتين والسادسة والتسعين ( 296) في تعداد الجمع ، و الثالثة والأربعين (43) في عام ( 1439هـ ) وتوافق ( 29/ 10 / 1439 هـ ) بحسب الرؤية .

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

شددت الرحال – والفضل والمنة للعزيز المعين –  في نحو  أسبوعين متجولا في ربوع الحجاز ، مهوى الأفئدة ، ومحجة الناس ،   فسرتُ من القصيم المحروسة للطائف المأنوس  والمكرمة حرم الله وبيته العتيق ، لينبع البحر والنخل ثم الصناعية  والفِقرة رأس جبل بين المدينة وينبع يزعمون أنه بارد، ولم يتيسر بلوغه لوعورة طريقه ،  والعيص  مررت بها سريعا في الطريق للعلا ، وفيها ذكرت قصة الصحابي الجليل ( سلمان ) – رضي الله عنه – لما وصل وادي القرى مغدورا به ،  ولكنه البحث عن الحق – والتوفيق من العزيز ، وقدره كله خير –   فحسب أنها بغيته وما وصف له : ( أرض ذات نخل بين حرتين ) وفي المسند لأحمد  بسند حسن يقصُّ سلمان – رضي الله عنه – خبره الشيق  في بحثه عن الحق حيث قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ – رضي الله عنه  – : حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ حَدِيثَهُ مِنْ فِيهِ قَالَ :  (… يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ ( يقصد حبيبنا صلى الله عليه وسلم )  مُهَاجِرًا إِلَى أَرْضٍ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ ( الحرة : الأرض ذات الحجارة السود ) ، بَيْنَهُمَا نَخْلٌ ، بِهِ عَلامَاتٌ لا تَخْفَى : يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ ، فَإِنْ استَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلادِ فَافْعَلْ . قَالَ ثُمَّ مَاتَ وَغَيَّبَ ، فَمَكَثْتُ بِعَمُّورِيَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْكُثَ ، ثُمَّ مَرَّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجَّارًا ، فَقُلْتُ لَهُمْ : تَحْمِلُونِي إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغُنَيْمَتِي هَذِهِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ . فَأَعْطَيْتُهُمُوهَا وَحَمَلُونِي ، حَتَّى إِذَا قَدِمُوا بِي وَادِي الْقُرَى ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ عَبْدًا ، فَكُنْتُ عِنْدَهُ ، وَرَأَيْتُ النَّخْلَ ، وَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ الْبَلَدَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي ، وَلَمْ يَحِقْ لِي فِي نَفْسِي ، فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَابْتَاعَنِي مِنْهُ ، فَاحْتَمَلَنِي إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَوَ اللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي ، فَأَقَمْتُ بِهَا ، وَبَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ …) ،  ثم مررت بخيبر مرورا حثيثا ، ولم أقف بها إلا لزاد الطريق ، يحث الشوق لرؤية المدينة  النبوية

ونعم الختم  ، وكان مما كان في هذه الرحلة الوقوف على ثلاث مكتبات  في ثلاث مدن ففي مكة : ( الأسدية ) في العزيزة الشمالية  ، و في المدينة المنورة مكتبة  ( دار الزمان )  في فرعهم في المنطقة المركزية الشمالية ( شمال الحرم النبوي )  ، ومكتبة (  الميمنة )  إلى الجنوب من الجامعة الإسلامية ، وفيها التقيت بالأخ ( نضال كسر ) من أهل سوريا ردَّ الله أمنها، وأفاء الخير لربوعها – وكانت قد انقطعت أسباب اللقيا بيننا حيث رحل عام ( 1421 ) من الخبر – مكتبة المؤيد- للرياض ومن ثمَّ حط الرحل في المدينة ، فكان هذا اللقاء ( بعد ثمانية عشر عاما ) ،  فسبحان من له الدوام ، 

،  ووفق الله تعالى – بمنه وكرمه –  فهيأ أسباب الشراء من هذه المكتبات  لمجموعة من الكتب كان منها مما يوافق الهوى وما نحن فيه من هذه المختارات :

صُوَى وكُوَى :وهو كتاب لمحمد بن سليمان المهنا طبع في دار الحضارة طبعته الأولى عام ( 1439 هـ) في ( 383 صفحة ) ، وهو عبارة عن مختارات متنوعة  مثل هذه المختارات وهي حدود (  270 ) مختارة تقع في الغالب في صفحة أو اثنتين ونادرا ما تزيد عن ذلك  ،  ذكر جامعها – موفقا –  أنه جمعها من أكثر من ( 100 ) مرجع ، مرت به في أثناء القراءة  ، وتميز بعض جمعه عن هذه المختارات ( بعلو السند) ، – في بعض مختاراته – حيث التقى بأهلها ،   مما لم يتيسر للعبد الفقير إلى رحمة ربه ، وهذا فضل الله يؤتيه من يشأ .

قال مؤلفه في هامش المقدمة :

الصُوَى : جمع صُوَّة ، وهي حجارة مجموعة كالأعلام والمنارات ، كانت العرب تضعها في الصحراء للدلالة على الطريق .

والكُوَى : جمع كوَّة وهي النافذة الصغيرة تفتح في الجدار لأجل الإضاءة .

ومن هاتين الكلمتين الأصيلتين ، أخذت عنوان كتابي هذا ، فما فيه من الفوائد والخواطر ، وذكر الأعلام والمصادر ، يفتح آفاقا لشداة المعرفة للاستزادة من مناهل العلوم والآداب .

قال أبو حكيم : الكتاب فيه جمع جميل مما خف حمله  وثقلت فائدته .  

وكان فيه كتاب آخر هو : سفينة الفرج فيما هب ودب ودرج ،  للشيخ الأديب محمد بن سعيد بن قاسم القاسمي الدمشقي ت ( 1317 هـ)  هذبه واعتنى به ( محمد خير رمضان يوسف ) ،  وطبعته دار البشائر الإسلامية  ومما جاء فيه وعجبت منه ( ص 386 )  :

( ذُكر أن عتبة الغلام قال : كنت في البادية ، فرأيت صبيا حافيا حاسر الرأس ، فقلت : يا صبي إلى أين ، قال : إلى بيت الله الحرام . قلت : وأين الزاد ؟ قال : الزاد تقوى الله عز وجل . قلت : نعم ، لكن لا بد من القوت ، قال : إن احتجت إلى القوت أعطاني الله ، قلت : إن لم يعطك ؟ قال : يعطيني الصبر ، قلت إن لم يعطك ؟ قال : يعطيني الموت فيخلصني منك ومن أمثالك !! ثم غاب فلم أره .

قال أبو حكيم  : وفيه مما هب ودب ..  ولكنه يصلح للممالحة ومفاكهة الإخوان …

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

اترك تعليقاً