من مختارات أبي حكيم في الجمعة الحادية والستين ( 61 ) في تعداد الجمع والجمعة العاشرة ( 10 ) من عام 1435 هـ وتوافق ( 1435 – 3 – 9 ) بحسب التقويم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأستاذ إبراهيم بن عمر السكران له كتاب حمله خفيف و علمه لطيف صغير المبنى عظيم المعنى أسماه ( رقائق القرآن ) طبعته دار الحضارة الطبعة الثانية عام ( 1435 هـ) في قطع متوسط ويقع في ( 175 صفحة ) وفيه ثنتي عشرة رقيقة بدون المقدمة والخاتمة والفهرس واخترت لكم في هذه الجمعة المباركة : ( فضل الصخور على القلوب ) !
قال أبو حكيم : من باب ذكر الشيء بالشيء فالتفضيل بين الأشياء جاءت به السنة كأحاديث أفضل الأعمال وكان الاختلاف بينها بحسب السائل فكل يأخذ ما يطيق ويناسب نفسه ، وكذا العلماء الأجلاء ذكروا صيغة التفضيل في كتب لهم طريفة كمثل : ( تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب ) لأبي بكر محمد بن خلف المعروف بابن المرزبان المحولي ، وككتاب السيوطي رحمه الله ( تنوير الغبش في فضل السودان والحبش ) خرجنا عن المقصود ولكن الحديث ذو شجون وكنا نقصد بيان أن كلمة التفضيل تتفاوت بحسب موردها ، نعود إلى مقالة أستاذنا أبي عمر ( بتصرف يقتضيه الحال مع المحافظة على الجوهر ) :
( نعرف جيدا من خلال تجاربنا اليومية أن إيماننا في قلوبنا يمر بحالات متفاوتة ، بل شديدة التفاوت ، تارة نشعر بدفء الإيمان في قلوبنا يتصاعد فيرق القلب ويلين ويخف ويرفرف ، فتنيب النفوس وتذعن ، حتى نجد في أنفسنا اندفاعا لافتنا للعمل الصالح ، ونفورا من المعصية ، وتارة نشعر بالإيمان في نفوسنا يفتر ويتبلد ، حتى نجد ثقلا عن الطاعات وتكاسلا عنها تشعر معه بأنك مكبل ، تسير في قيد تستوعر معه الخطى ، هذه أحاسيس لا يكاد يخلو منها أحد ، ولكن يا ترى إلى أي مدى يقسو القلب ويتجمد الإيمان فيه ؟
تخيل ما شئت من هذه المراحل ثم انظر لتصوير القرآن لهذه الحالة ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) البقرة ( 74 ) .
إنه تجمد ليس كالحجارة بل أشد قسوة ( نعوذ بالله ) .
أتعلم أن الله تعالى ذكر تفضيل الحجر على بعض القلوب : ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله ) البقرة ( 74).
قال إمام المفسرين في زمانه قتادة بن دعامة السدوسي ( ت 118 ) لاحظ هذه المقارنة القرآنية بين الصخور و بعض قلوب بني آدم ( عذر الله الحجارة ولم يعذر شقي بني آدم ) تفسير الطبري .
إذا قسا القلب خسر القدرة على الاتصال بالله ومناجاته والانطراح بين يديه .
يقدر الله تعالى الحوادث الكونية ليندفع العباد إلى التعلق بالله والتضرع له ، ولكن من بُلي بقسوة القلب يفلس في الوصول إلى هذه اللحظات الراقية المشرقة ( ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون ، فلولا إذا جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون )الأنعام( 42، 43 ).
وهل يقف الأمر عند قسوة القلب ؟
الجواب : ( لا ) ، بل يتدرّك قلب المرء إلى ما هو أفظع وأنكى ، فيبدأ يتلمس لنفسه المخارج بتأويل النصوص لتوافق هواه ، فيبحث في مسائل الخلاف ليقف على القول الموافق لتقصيره ويحني رماح النصوص لكي لا تصيبه ، أو يلوي عنقها لتوافق مساره .
وقد يعتقد البعض أن ( قسوة القلب ) بسبب المعصية ، ويغفل عن كون ( قسوة القلب ) عقوبة من الله تعالى بحد ذاتها على المعصية ذاتها فيعاقب الله تعالى العبد إذا عصاه أن يسلط عليه قسوة القلب ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية ) المائدة ( 13) .
وكون العبد يعاقب على الذنب بالذنب وينكّل بالخطيئة على الخطيئة ، له نظائر في كتاب الله تعالى ( إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم … ) آل عمران(155) . ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) الصف ( 5 )
وبالسؤال عن كيفية وقوع قسوة القلب ؟ فالجواب بالعموم قسوة القلب تقع بسبب المعاصي وهي نتيجة طبيعية لها ولكن ثمة عامل له خصوصية ألا وهو ( بعد العهد بذكر الله ) فطول الأمد وبعد العهد عن كتاب الله يورث قسوة القلب ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ) الحديد (16)
لنلم بأطراف الصورة التي رسمها القرآن لقسوة القلب ( أنها أشد قسوة من الحجارة ، وأن القسوة عقوبة ونكال ، وأنها تحرم من التضرع لله تعالى ، وأن قاسي القلب ينهار أمام الفتن ولا يثبت ( ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم ) الحج (53)
، وأن قسوة القلب تنتج عن بعد العهد بالذكر ، ثم الختام بالتهديد الإلهي المروع ( فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ) الزمر (22.)
سؤال : هل من اللائق أن يكون القرآن كثف الحديث عن ( قسوة القلب ) وآثاره المدمرة ثم تكون قسوة القلوب مجرد حديث عابر في حياتنا أو حالات عرضية لا نأبه لوقوعها أو ارتفاعها ؟؟ ( ا. هـ ) .
والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .