الجمعة السادسة والعشرين / الثامنة والعشرين من جمادي الثاني لعام 1439هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة المائتين والتاسعة والسبعين ( 279) في تعداد الجمع ، والسادسة والعشرين ( 26) في عام ( 1439هـ ) وتوافق ( 28/ 6 / 1439 هـ ) بحسب التقويم .

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله    :  

في هذا الأسبوع تشاغلت بقراءة  كتاب : ( مرايا الأمراء ) الحكمة السياسية والأخلاق والتعاملية في الفكر الإسلامي الوسيط  مع تحقيق كتاب (قابوس نامة ) ” النصيحة ” بحث في الأخلاق وفلسفة السياسة عند كيكاوس بن وشمكير بن زيار .

 ومؤلف الكتاب اسمه بالعربية : عنصر المعالي قابوس بن اسكندر بن زيار ،  وقد طبع في مؤسسة بحسون  ودار المنال في بيروت الطبعة الأولى 1994 م ، ويقع في ( 472 ) صفحة  وكتب المقدمات والدراسة د . محمد بن أحمد دمج . أما كتاب النصيحة فقد ترجمه : صادق نشأت وأمين عبدالمجيد بدوي ،  ونظر في الترجمة وكتب التعليقات د . محمد بن أحمد دمج . ومؤلف الكتاب عاش في القرن الخامس الهجري في وسط آسيا وله روابط أسرية مع الغزنويين وغيرهم من ملوك تلك الأصقاع . 

ومما عجبت منه في الكتاب حيث كتبه المؤلف لما بلغ الستين ورأى أنه راحل عن الدنيا ، كتب هذه الأبواب الأربعة والأربعين  لابنه ولكن قال في المقدمة :

 وإياك أن يتخلف قلبك عن قبول هذه النصائح  ، فقد أديت ما عليّ من واجب الأبوة ، فإذا لم تحسن الإفادة من قولي فقد يكون هناك آخرون يغتنمون سماعه والعمل به  ( قال أبو حكيم  :وهنا الشاهد ) : ولو أن طبيعة الأيام  مجبولة على أن لا يعمل ابن بنصح أبيه لشغلة في باطن الشباب  ، تجعل ظنهم من قبيل الغفلة يحملهم على أن يروا علمهم أسمى من علم الشيوخ  ، ومع أن هذا كان معلوما لي ، فإن الحب الأبوي لم يسوغ لي السكوت فما وجدته بطبعي جمعت منه بضع كلمات في كل باب ، ودونت ما كان أفضل وأوجب في هذا الكتاب ، فإن تحقق منك العمل فبها  ، وإلا فأكون قد أديت شرط الأبوة ، وقد قيل : ليس على القائل أكثر من الكلام ، فإن لم يكن السامع مشتريا فلا ضير  …

تنبه يا بني أن يوم رحيلي قريب ، وسيكون مجيئك على أثري قريبا ، واعلم أن هذه الدنيا مزرعة من خير أو شر ، وما تزرع تحصد ولا يأكل أحد حصيده في مزرعته ، بل يأكل في العمار ، والعمار هي الدار الباقية ، وللرجال الصالحين في هذه الدار همة الأسود ، وللطالحين همة الكلاب ، فإن الكلب يأكل حيث يصيد ، والأسد يأكل في مكان آخر …!!! ومكان صيدك هذه الدار الفانية ، وصيدك العلم والإحسان ، فاصطد هنا لتستطيع أن تجعل أكلك أسهل وقت  الأكل في الدار الباقية وطريق ذلك طاعة الله عز وجل …

قال أبو حكيم : جعل المؤلف الكتاب في أربعة وأربعين بابا ،  كل باب يُسْلِمُ لما بعده ،  وذكر فيها شيئا مما لا يسوغ أن يذكر ، واحتج الدكتور المعلق  له :  بأنه يذكر ما كان اشتهر في زمانه وعرفه مجتمعه بلا نكير .

يقول أبو حكيم :  حجة قابلة للنقاش ، ولا عذر للمؤلف  فيها فالحرام حرام ، ولكن لعله أراد من ابنه الاختيار وذكر له تجربته الشخصية ، وإلا ما وجه من هو بمنزلة الملوك وجليس الملوك يقول هذا القول ويوجه هذا التوجيه …

ومما جاء فيه من معلومة تستحق التأمل ، قوله في باب معرفة حق الوالدين :

 ويقال أنهم سألوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن حق الوالدين ؟ فقال : إنه هذا الأدب الذي جعله الله تعالى في موت أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : وما هو ؟ فقال : إنهما لو أدركا زمن النبي صلى الله عليه وسلم  ، لكان لزاما عليه أن يقدمهما على نفسه ، وأن يتواضع لهما ويراعي أدب البنوة ، ومن ثم يأت هذا الكلام ضعيفا حيث قال : أنا سيد ولد آدم ولا فخر  . *

فإذا لم تنظر إلى الأبوين من وجهة الدين فانظر إليهما من وجهة  إنسانيتك إذ الوالدين سبب خيرك وأصل تربيتك ، وعندما تقصّر في حقهما فإنه يتضح كذلك أنك لست أهلا لأي خير …

*قال أبو حكيم قال الشيخ المنجد في موقعه الإسلام سؤال وجواب في السؤال رقم (10669) في بيان حول هذا الحديث : (قَالَ الْعُلَمَاء : وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم ) لَمْ يَقُلْهُ فَخْرًا , بَلْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْفَخْر فِي غَيْر مُسْلِم فِي الْحَدِيث الْمَشْهُور : ( أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم وَلا فَخْرَ ) وَإِنَّمَا قَالَهُ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا اِمْتِثَال قَوْله تَعَالَى : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّك فَحَدِّثْ ) وَالثَّانِي أَنَّهُ مِنْ الْبَيَان الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْلِيغه إِلَى أُمَّته لِيَعْرِفُوهُ , وَ يَعْتَقِدُوهُ , وَيَعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهُ , وَيُوَقِّرُوهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا تَقْتَضِي مَرْتَبَتُهُ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى . وَهَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِتَفْضِيلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ ; لأَنَّ مَذْهَب أَهْل السُّنَّة أَنَّ الآدَمِيِّينَ أي أهل الطاعة والتقى أفضل مِنْ الْمَلائِكَة , وَهُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَل الآدَمِيِّينَ وَغَيْرهمْ… )  

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد

اترك تعليقاً