الجمعة الخامسة والعشرين / الحادي والعشرين من جمادي الثاني لعام 1439هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة المائتين والثامنة والسبعين ( 278) في تعداد الجمع ، والخامسة والعشرين ( 25) في عام ( 1439هـ ) وتوافق ( 21/ 6 / 1439 هـ ) بحسب التقويم .

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله    :  كتاب : ( البيان والتبيين )*  للجاحظ حققه شيخ المحققين عبدالسلام هارون رحمه الله أختار لكم من الجزء الرابع من آخره ص (57):

 أوصى  عبدالملك بن صالح ابنا له  فقال  : ” أي بنيّ أحلم فإن من حلم ساد، ومن تفهّم إزداد، والق أهل الخير، فإن لقاءهم عمارة للقلوب، ولا تجمح بك مطية اللجاج، ومنك من أعتبك، والصاحب مناسب، والصبر على المكروه يعصم القلب. المزاح يورث الضغائن، وحسن التدبير مع الكفاف خير من الكثير مع الإسراف، والاقتصاد يثمِّر القليل، والإسراف يُتَبِّر الكثير  ، ونعم الحظ القناعة، وشر ما صحب المرء الحسد، وما كل عورة تصاب  . وربما أبصر العمي رشده، وأخطأ البصير قصده. واليأس خير من الطلب إلى الناس. والعفّة مع الحرفة خير من الغنى مع الفجور. أرفق في الطلب وأجمل في المكسب، فإنه رب طلب قد جر إلى حرب. ليس كل طالب بمنجح، ولا كل ملحّ بمحتاج، والمغبون من غبن نصيبه من الله. عاتب من رجوت عتباه، وفاكه من أمنت بلواه. لا تكن مضحاكا من غير عجب، ولا مشاء إلى غير أرب. ومن نأى عن الحق ضاق مذهبه، ومن اقتصر على حاله كان أنعم لباله. لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك، فإنه إنما سعى في مضرته ونفعك. وعوّد نفسك السماح، وتخير لها من كل خلق أحسنه، فإن الخير عادة، والشر لجاجة، والصدود آية المقت، والتعلّل آية البخل. ومن الفقه كتمان السر، ولقاح المعرفة دراسة العلم، وطول التجارب زيادة في العقل، والقناعة راحة الأبدان. والشرف التقوي. والبلاغة معرفة رتق الكلام وفتقه.


بالعقل تستخرج الحكمة، وبالحلم يستخرج غور العقل، ومن شمّر في الأمور ركب البحور، شر القول ما نقض بعضه بعضا. من سعى بالنميمة حذره البعيد، ومقته القريب. من أطال النظر بإرادة تامة أدرك الغاية، ومن توانى في نفسه ضاع: من أسرف في الأمور انتشرت عليه، ومن اقتصد اجتمعت له، واللجاجة تورث الضياع للأمور. غبّ الأدب أحمد من ابتداه. مبادرة الفهم تورث النسيان. سوء الاستماع يعقب العيّ. لا تحدّث من لا يقبل بوجهه عليك، ولا تنصت لمن لا ينمي بحديثه إليك. البلادة في الرجل هجنة ”  عيب ” ، قلّ مالك إلا استأثر، وقلّ عاجز إلا تأخر.

الإحجام عن الأمور يورث العجز، والإقدام عليها يورث اجتلاب الحظ. سوء الطّعمة يفسد العرض  ، ويُخْلِق الوجه، ويمحق الدين. الهيبة قرين الحرمان، والجسارة قرين الظفر، ومنك من أنصفك، وأخوك من عاتبك، وشريكك من وفى لك، وصفيك من آثرك ، أعدى الاعتداء العقوق. إتباع الشهوة يورث الندامة، وفوت الفرصة يورث الحسرة. جميع أركان الأدب التأني للرفق. أكرم نفسك عن كل دنية وإن ساقتك إلى الرغائب، فإنك لن تجد بما تبذل من دينك ونفسك عوضا. لا تساعد النساء فيمللنك، واستبق من نفسك بقية، فإنهن إن يرينك ذا اقتدار خير من أن يطلعن منك على انكسار. لا تملك المرأة الشفاعة لغيرها فيميل من شفعت له عليك معها.
أي بنيّ، إني قد اخترت لك الوصية، ومحضتك النصيحة، وأدّيت الحق إلى الله في تأديبك، فلا تغفلن الأخذ بأحسنها، والعمل بها. والله موفقك.   

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

 

* ثم أخرج أبو الفضل القونوي  كتابه المجتبى من البيان والتبيُّن  ، وبين أن الاسم الصحيح للكتاب هو البيان والتبيُّن   وليس التبيين 

اترك تعليقاً