الجمعة الثامنة والعشرين / الخامسة عشرة من رجب لعام 1440هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الثلاثمائة ( 300) في تعداد الجمع ، و السابعة والأربعين (47) في عام ( 1439هـ ) وتوافق ( 28/ 11 / 1439 هـ ) بحسب الرؤية .

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

هذا الأسبوع  مع ” الدكاترة ” : زكي مبارك ، وقد قرأت في مواقع على الشبكة سيرة مختصرة عنه خلاصتها أنه : ولد في قرية ( سنتريس ) بمحافظة المنوفية في عام ( 1892 ) ، والتحق بالأزهر عام ( 1908 ) وحصل على الشهادة الأهلية منه عام ( 1916 م) ، وليسانس

الآداب من الجامعة المصرية عام ( 1921 م) والدكتوراه في الآداب من الجامعة ذاتها عام ( 1924 م) ثم دبلوم الدراسات العليا في الآداب من مدرسة اللغات الشرقية في باريس عام ( 1931 م)، ثم دكتوراه في الآداب من جامعة السوربون الفرنسية عام ( 1937 م) وتوفي رحمه الله في  عام ( 1952 م).ا.هـ

 ويذكر التاريخ أنه بكلمة من الدكتور طه حسين  فقد عمله ، على ما معه  من شهادات !! ، وفي الكتاب الذي بين يدي كان التعريف به ( المفتش بوزارة المعارف )   .

وعلى ما ذكره التاريخ من موقف  طه حسين معه  إلا أنه حين ذكره في كتابه ( الآتي ذكره ) لم يذكره إلا بخير حينما كان في العراق ، فهذا

طبع النبلاء أن ينقل الصورة الحسنة عن بلده موطنا وأشخاصا إذا كان مغتربا عنه فيرى الناس جميل صورة البلد متمثلة بالشخص أمامهم تعاملا وكلاما  .  ( قال أبو حكيم : ليت بعض سياحنا يعقلون ).

كان قد أعير للعراق للعمل فيها في معهد المعلمين العالي ،وفيه وعنه  كتب كتابه  ( وحي بغداد، صور وجدانية وأدبية واجتماعية ) ،   في خزانتي – بحمد الله –  الطبعة الأولى عام (  1938 م  – 1352 هـ ) من دار الكتب والوثائق القومية بمصر .

ورحم الله مالكا حين قال 🙁 وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم  ) ( وتروى –  باللفظ والمعنى – عن  ابن عباس ومجاهد والشعبي و الحكم بن عيينة ، واشتهرت عن مالك رحمهم الله ورضي عنهم * )  .

 وفي الكتاب ص ( 156 ) ، راقني هذا المقال لما بلغه عن ابنه ( سليمان ) أنه يحاول أن ينشر كتابا وهو لم يتم الليسانس بعد ، فكان يحذر صديقه من تشجيع ابنه على ما هو فيه ،  من رغبة في الشهرة قبل أن يتأهل ،  وهي صرخة في وادٍ ، ونفخة أرجو أن لا تكون في رماد ، ونذير لمن يعقل  ،  تصلح للباحثين عن الشهرة اليوم ( وما أكثرهم !! ) ،  وهم خلو من كثير من صفات الاحتذاء ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .

 فكان من قوله :  صديقي : لقد شاء لك وفاؤك أن تمتعني بخطاب خاص تبدد به ما في صدري من ظلمات  ، وكأنك لم تكتف بالأفراح التي يذيعها الصباح يوم وصوله إلى بغداد .

وقلت في خطابك :  أهنئك بأن لك خليفة في الأدب والعلم والذوق والأسلوب الإدراك هو سليمان زكي مبارك.

فهل تدري أيها الصديق أن هذا الخطاب أزعجني؟

هل تعلم أنه ساءني أن أعرف أنك ستنشر له كلمة عني؟

أنا أشهد غير مخدوع ولا مفتون أن هذا الشاب عنده بوارق من الفكر والذكاء ، ولكني أنظر إلى مصيره نظر الخوف والجزع ، لأنه يسارع إلى الشهرة كما يصنع أكثر الشبان في هذا الجيل ، ( قال أبو حكيم : كان هذا قبل ثمان وثمانين سنة ) ،  والشهرة المبكرة تفتن الشباب أشنع الفتون، وتصرفهم عن التخلق بأخلاق الأبطال .

فإن كنت في ريب من ذلك فتذكر أن في مصر شبانًا تعجلوا الوصول إلى الشهرة فوصلوا إليها قبل الأوان ، ولكنهم سيعيشون أطفالًا ويموتون أطفالًا ، وسيكون مصيرهم مصير الصحفي الذي اشتغل بالتحرير في الجرائد المصرية أربعين سنة ثم مات قبل أن يشهد القراء بأنه صار من الكتاب.

وكان عندك في جريدة « الصباح » محرر أنقذته أنا من هذا المرض ، فقد كان أخرج ديوانًا شعريًا منذ سنين ، وطنطنت به الجرائد والمجلات ، ولكني أبيت أن أشير إليه في مقالاتي بجريدة « البلاغ » ، فلما عاتبني قلت له : لن أعرفك إلا يوم تظفر بالدبلوم من كلية التجارة ، ومن حقي أن أعتز بأنني أنقذت هذا الشاب من جنون الشهرة ، فكانت النتيجة أن يظفر بدرجة عالية من درجات الجامعة المصرية ، ولعل من واجبي أن أتجاهل مكانته الأدبية إلى أن يصبح من رجال الاقتصاد.

لقد ذهب ابني سليمان منذ أعوام إلى جريدة « البلاغ »  لينشر بعض اختباراته في اللاسلكي فرحبت به الجريدة ، ولكني تدخلت لوقف مقالاته ، فكيف جاز أن تشجعه في غيبتي ؟  أنا يا صديقي أبغض هذا النوع من التشجيع.

إن هذا الشاب يريد أن يتشبه بأبيه ، ولكن في أي باب ؟ إنه يريد أن ينشر مقالات وأقاصيص في الصحف والمجلات كما يصنع أبوه ، فهل يعرف هذا الشاب المفتون أن أباه أحرز خمس شهادات عالية أصغرها شهادة الليسانس في العلوم الفلسفية والأدبية؟

وهل نسى هذا الشاب المفتون أنه رسب في البكالوريا وهو يعيدها وقد يكون الجري وراء الشهرة الكاذبة سببًا في أن يرسب مرة ثانية ؟

قد يراجعني هذا الشاب فيقول : وأنت أيضًا يا أبت رسبت في امتحانات الليسانس مرتين !!

وهذا حق ، ولكن اللجنة التي أسقطتني مرتين في امتحانات الليسانس كانت مؤلفة من إسماعيل رأفت ومنصور فهمي وطه حسين.

فمتى يكون من حظك أيها الشاب المفتون أن تسقط في امتحانات الليسانس أمام لجنة مؤلفة من أمثال هؤلاء الرجال؟

ومتى يكون حظك أن تظفر بإجازة الليسانس كما ظفر أبوك وهي مذيلة بأسماء كهذه الأسماء؟

إن هذا الشاب عمل بالمثل الذي يقول : «غاب القط فالعب يا فار » فهو قد انتهز غيبتي بالعراق وأهمل دروسه ومضى يركض بين المطابع لينشر كتابًا في اللاسلكي ، ولو كان من أصحاب القلوب لعرف أني أقوم مفزوعًا من نومي في كل ليلة ، لأني لا آوى إلى فراشي إلا وأنا مشغول البال عليه ، فمن أي الصخور صيغ قلب هذا الشاب المفتون؟

صديقي :  ما كنت أحب أن ينشر مثل هذا في جريدتك لولا يقيني بأنه يحارب نزعة خبيثة يعانيها الشبان في هذه الأيام ، وقد يكون في قرائك من يعاني من الألم بعض ما أعاني ، فالذين في مثل حالي يتمنون أن يكون لهم أبناء نجباء ، وأنا أخشى أن يخونني الحظ فيكون أبنائي غير نجباء.

كنت أتمنى أن يصنع أبنائي بعض ما صنعت مع أبي ، فما أذكر أن أبى بات ليلة وهو مؤرق الجفن بسببي ، وقد هتف باسمي مئات المرات وهو على فراش الموت.

أما بعد ، فقد هذبت ألوفًا من التلاميذ ، وأدخلت النور على ملايين العقول في المشرقين والمغربين ، وأنا مع ذلك أتشهى أن يكون لي من صلبي ولد نجيب.

فإن صح رجائي في بعض أبنائي أو في جميع أبنائي فتلك نعمة من الله ، وإن خاب رجائي في بعض أبنائي أو في جميع أبنائي فتلك أيضًا نعمة من الله.

ألم يجرب الله إيماني فابتلاني بأخطر الأرزاء والخطوب؟

لقد طوفت بالشرق والغرب في الدفاع عن لغة القرآن.

لقد ابتدعت مئات الأقاصيص لأحبب الناس في لغة القرآن.

لقد تفردت بالزهد في الوصولية لأقيم الشاهد على أن الواثق بربه لا يضيع.

لقد وفيت لكل من عرفت لأخلق لوطني أصدقاء ، فقد كنت أسمع أن حب الوطن من الإيمان.

لقد أدخلت البهجة على جميع ما عرفت من القلوب ، فكيف يصل الحزن إلى قلبي عن طريق بعض الإخوان أو بعض الأبناء؟

رباه!

أنت تعلم كيف خلقتني ، وكيف سويتني ، فاكتبني عندك من الشهداء.ا.هـ . **

*ملتقى أهل الحديث https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=19590

**هذا المقال وغيره تجدونه هنا لمن رام المزيد ولم تكفه البُلْغة : https://www.hindawi.org/books/38196806/24/ 

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

اترك تعليقاً