الجمعة الخامسة عشرة / الحادية عشرة من ربيع ثاني لعام 1439هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة المائتين والثامنة والستين ( 268 ) في تعداد الجمع ، والخامسة عشرة ( 15 ) في عام ( 1439هـ ) وتوافق ( 11 / 4 / 1439 هـ ) بحسب التقويم .

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله  : كتاب (جمع الجواهر في الملح والنوادر) فيه حكاية طريفة عن مكر النساء وذهاب العقل عند بعض الرجال  لغشيان الشهوة ، وإذلال الله للعبد عند إرادة المعصية والعزم عليها نسأل الله أن يعاملنا بعفوه  :

يطحن مكان الحمار :

حكى المدائني، قال: كان في المدينة امرأة جميلة عفيفة ذات زوج، وكان فتىً من أهل المدينة يتبعها كلما خرجت ويعرض لها؛ فلما أذاها شكته إلى زوجها. فقال لها: فما عندك في أمره حيلة ؟! قالت : قد فكرت في شيء إن ساعدتني عليه. قال: فأنا أساعدك.

 فبعثت جاريتها إليه تقول: إن الذي بقلبي منك أكثر مما بقلبك مني، ولكني امرأة مستورة ولا أعرف الفساد؛ فكنت أمتنع عليك وفي قلبي النار.

فلما بلغته الرسالة استطار فرحاً، وقال للجارية: ما أدري كيف أؤدي شكرك إذ جرى هذا الأمر على يدك، فبلغيها السلام وقولي لها: إني صائر إليك غداً، ووهب للجارية ديناراً. وطالت ليلته حتى أصبح فوجه إليها بجدي وفاكهة. فقالت الجارية: قد وجب علي شكرك لإجابتك إياي في حاجة مولاتي، وأنال أشير عليك بحيلة بها يتم أمرك. قال: وما هي ? قالت: سيدتي فيها حشمة وخجل وانقباض عن الرجال، فإذا جلست معك فلا تتعرض لها بكلام ولا بغيره، حتى تشرب معك أقداحاً. قال: نعم !

وصعدت الجارية فعاونت سيدتها على إصلاح الجدي والطعام؛ فلما أحكمتاه نزلت الجارية وبسطت لسيدتها مصلى وجاءت فسلمت وقعدت، وجاءت الجارية بالطشت والماء فغسلت أيديهما، ووضعت المائدة بينهما، وجاءت بالجدي والطعام.

فحين أخذ المخذول اللقمة فوضعها في فمه جاء الزوج فقرع الباب؛ فوضعت المرأة يدها على رأسها وقالت: افتضحت وهلكت. فقال: دعي الجزع واحتالي في موضع أكمن فيه إلى خروجه. قالت: ما أعرف موضعاً يخفى عليه إلا أن تحل الحمار الذي في الدهليز وتقوم في مكانه. فقال: افعلي ! فجاءت الجارية إلى حمار يطحن في الدهليز مشدود العينين فنحته وربطت المغرور مكانه. وقالت: اطحن مكان الحمار ولا تمسك فيفطن بك؛ فإني أرجو أن يخرج سريعاً وترجع إلى سرورك، ثم فتحت الباب ودخل الزوج، فقالت له: خرجت على أن تقيم أياماً ! فما الذي جاء بك الساعة ? !

قال : كنت عزمت على ذلك فمر بي إخوان فعرضت عليهم المقام في الضيعة. فقالوا: لا يمكننا اليوم، ولكننا إن شاء الله تعالى نصير إليك غداً؛ فأردت أن يكون مجيئهم إلى البيت أسهل علي؛ فبادرت إليك لتصلحي ما يحتاجون إليه وخاصة الدقيق، فينبغي ألا يفتر الحمار في الدقيق.

  فجلسا يأكلان والمخذول يطحن، ثم وضعا نبيذاً وجعلا يشربان، والزوج يقول ساعةً بعد ساعة: هاتي العصا لكي أقوم لهذا الحمار الملعون، فإني أراه كسلان؛ ونحن نحتاج إلى الدقيق كثيراً، فتقوم الجارية فتقول له: الله الله في نفسك ! لا تفتر؛ فإني أخاف أن يقوم فيراك.

فلم يزل يطحن دائباً والرجل يشرب مع امرأته إلى أن طلع الفجر، فقام الرجل فتهيأ للصلاة وخرج إلى المسجد، فحلت المغرور وقالت: طِرْ إلى بيتك لئلا يراك إنسان فتفتضح.

فخرج يعدو على وجهه عريان ويده على سوءته، فدخل إلى منزله وبقي مسبوتاً مطروحاً على وجهه لا يحرك عضواً.

فلما كان بعد مدة قالت المرأة لزوجها: قد بقي علينا شيء من الولع بالمخذول. قال: شأنك.

 فبعثت إليه وقال: مولاتي تقرئك السلام وتقول لك: الله يعلم ما تداخل قلبي مما نزل بك؛ ولوددت أن أقيك بنفسي، ولكن المقادير تنزل من السماء، وإني إليك لمشتاقة، فأحب أن تصير إلينا، فإن زوجي قد خرج إلى موضع له فيه مقام شهر، فنستأنس جميعاً ونسترجع ما فاتنا؛ فالتفت إليها سريعاً، وقال: عسى قد فرغ دقيقكم ?.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

اترك تعليقاً