الجمعة الخامسة والاربعين / العشرين من ذو القعدة لعام 1436هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة السابعة والأربعين بعد المائة (147 ) في تعداد الجمع ، وهي الخامسة والأربعين ( 45 ) من عام 1436 هـ وتوافق ( 1436/11 /20 هـ ) بحسب الرؤية والتقويم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

صبحتم بالخير من رب رحيم ، وجعل جمعتكم مباركة مقبولة ، وجعلنا وإياكم ممن عرف قدر الوقت وشرف الزمان فاستغل جمعته على الوجه الأمثل  .

للعلم حق  ولأهله فضل وقد خلق  لله تعالى الخلق  وصفة النقص لازمة فيهم ، ومهما بلغ الإنسان من العلم  فهو كما حكى الله تعالى عنه  ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )  ، ولذلك تجد تفاوت من أعطاهم الله تعالى ميراث الأنبياء ( وأعني بهم العلماء ) -رحم الله الأموات ووفق الأحياء ونفعنا الله بعلمهم  .

 نحن أمة الإسلام يسوسنا العلماء كما كانت الأنبياء تسوس بني إسرائيل ، ولكن مراتب العلماء ولا شك تتفاوت وتختلف بدأ من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم-  وحتى آخر الزمان  ، ولذلك تجد خلافا فيما أفتى به العلماء في مسائل من العلم  قال الشنقيطي رحمه الله : ( قال أبو حكيم : هو محمد الأمين ب محمد المختار الشنقيطي ، صاحب أضواء البيان في تفسير القرآن -رحمه الله وأنار له قبره ونفعنا بعلمه- )  ( المقصود بيان أن الأئمة لا يخلو أحد منهم من أن يؤخذ عليه شيء خالف فيه سنة  ، وأنهم لم يخالفوها إلا لشيء سوّغ لهم ذلك ، وعند المناقشة الدقيقة قد يظهر أن الحق قد يكون معهم ، وقد يكون الأمر بخلاف ذلك ، وعلى كل حال فهم مأجورون معذورون )  ، قال ابن المبارك – رحمه الله –  : ولقد أخبرني المعتمر بن سليمان قال : رآني أبي وأنا أنشد الشعر فقال  : يا بني لا تنشد الشعر ، فقلت : يا أبت كان الحسن ينشد الشعر ، وكان ابن سيرين ينشد . فقال يا بني : إن أخذت بشر ما في الحسن  وبشر ما في ابن سيرين اجتمع فيك الشر كله . ( قال أبو حكيم  : قوله الحسن : أي البصري رحمه الله ) ، قال شيخ الإسلام  – يعني ابن تيمية –رحمه الله –  :  ( وهذا الذي ذكره ابن المبارك متفق عليه بين العلماء ، فإنه ما من أحد من أعيان الأئمة السابقين الأولين   ومن بعدهم إلا وله أقوال وأفعال خفي عليهم فيها السنة .  قلت ( القائل المؤلف وسيأتي بعد إن شاء الله ) : وقد قاله أبو عمر بن عبدالبر في أول استذكاره .

قال شيخ الإسلام   ابن تيمية –رحمه الله – وهذا باب واسع لا يحصى ، مع أن ذلك لا يغض من أقدارهم ، ولا يسوغ اتباعهم فيها ، قال تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) وقال مجاهد والحكم بن عتيبة ومالك وغيرهم : ( ليس أحد من خلق الله إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم ) ، وقال سليمان التيمي : ( إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله  ) .

قال ابن عبدالبر  : (هذا إجماع لا أعلم فيه خلاف ) .

قال أبو حكيم : موقف المؤمن  مع العلماء موقف الإجلال والتقدير والترحم ومعرفة فضلهم  والأخذ من علمهم ونقطة خطئهم تغمر في بحر حسناتهم  .

العلم الجبل ابن تيمية ألف رسالة لطيفة  أسمها ( رفع الملام عن الأئمة الأعلام ) ذكر فيها قريبا من عشرين سببا لبيان أسباب اختلاف العلماء ، والتماس الأعذار لهم . ثم شمر(الشيخ عبدالرحمن بن حمد الجميزي ) جزاه الله خيرا  عن ساعد الجد فأخرج لنا الكتاب  بمقابلته على سبع نسخ خطية ونسخة مطبوعة ، والكتاب بتقديم الشيخ سعد بن عبدالله الحميّد  – جامعة الملك سعود .-  فكانت حلته قشيبة وتعليقه مستوف  وضرب لنا أمثلة  وشواهد ،  فكان الكتاب مما يلذ فيه الاطلاع وصار متعة للعين والقلب  .

طبعت  الكتاب دار العاصمة للنشر والتوزيع  في الرياض  الطبعة الأولى عام 1434 هـ  في ( 320 ) صفحة بالفهارس من القطع العادي .

ونقل المؤلف ثناء العلماء على الكتاب ومن ذلك قوله في ص ( 19 ) : قال القاسمي في( الجرح و التعديل ) : بعد الكلام عن الاجتهاد واختلاف النظر من مجتهد لآخر  : ومن أنفع ما ألف في هذا الباب كتاب ( رفع الملام عن الأئمة الأعلام ) لشيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية – رحمه الله – فإنه جدير لو كان في الصين أن يرحل إليه ، وأن يعض بالنواجذ عليه ، فرحم الله من أقام المعاذير للأئمة ، وعلم أن سعيهم إنما هو إلى الحق والهدى ) .

وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله – عند الكلام عن أعذار العلماء : ( كما بسط ذلك الإمام العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الجليل ( رفع الملام عن الأئمة الأعلام ) وقد أجاد فيه وأفاد ، وأوضح أعذار أهل العلم فيما خالفوا من الشرع ، فليراجع فإنه مفيد جدا لطالب الحق )

فياليتنا نسمع وصية شيخنا ابن باز – رحمه الله – ونرجع إلى هذا الكتاب لنقف على أسباب اختلاف العلماء وخصوصا مع انتشار وسائل الإعلام وإمكانية سماع كثير من العلماء وربما تسمع الخلاف في الفتوى ، فمن هذا الكتاب تقف على السبب  وقالوا قديما : ( إذا عرف السبب بطل العجب ) .

والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

اترك تعليقاً