الجمعة الثالثة والأربعين / الحادية عشر من ذو القعدة لعام 1438هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة المائتين وست و أربعين ( 246 ) في تعداد الجمع ، والثالثة والأربعين ( 43) في عام ( 1438هـ ) وتوافق ( 5/11 / 1438 هـ ) بحسب التقويم

أيها الكرام  قرأت من كتاب البيان والتبيين فجاء في خاطري  ولا أدري أهو مما قرأت في كتاب  أو سمعت في إحدى الدورات التدريبية ( ولا تلوموني في عدم الضبط  ) فقد قال من له باع في القراءة طويل الشيخ على الطنطاوي -رحمه الله – فيما معناه إذا تكلم عن معلومة لم يسندها لمصدرها : (إني أعلم هذا ، وقد مرَّ بي ولكن لا تسألوني في أي كتاب فأقول : ولست كالطنطاوي -رحمه الله- فمن يطيق ما يطيق من معدل قراءة ( 300 ) صفحة في اليوم )  ، أقول  إنه مما مرّ عليَّ   : أنهم طلبوا ( ولا تسألوا من الذي طلب !! ) من ( ونستون تشرشل ( 1874  – 1965 م )  ) أن يلقي خطاباً في أحد اللقاءات لمدة عشر دقائق – ولم يكن قد حضر كلاما – فاعتذر ! فقالوا له : عشر دقائق واعتذرت !! فكيف لو كانت ساعة ؟فقال : لو كانت ساعة فلا مانع   ، لأني سوف ( وهذا من مقول أبي حكيم على لسان هذا النصراني)   : ألُتُ وأعجنُ ثم أعطيكم خلاصة الكلام في العشر الأخيرة.   و (تشرشل )  هو من هو لمن يعرفه ، ومن لا يعرفه ؟  فهو:  رئيس الوزراء في الحكومة البريطانية إبان الحرب العالمية الثانية وكان  – لا برَّد الله عظامه في قبره – صلب المراس قوي الشكيمة خبيرا بالخطابة بلغة إنجليزية رصينة  مؤثرة  فقد كتب عن الحرب العالمية الثانية وأخذ عليها جائزة نوبل في الأدب  عام ( 1953 م )   وهو سليل أسرة سياسية بريطانية عريقة قادت حروباً في أوربا وقد  وقف في  وجه هتلر والنازيين  وقفة رجل – أخزاهما الله  – ونظم المقاومة البريطانية للنازيين  وكان أحد أعمدة الحرب المرتدة عليهم حتى أفنوهم في جحورهم وفي عقر دارهم برلين  ، وقُتِل الملايين في هذه الحرب  من جميع الأطراف ،   فلما انتهت الحرب ، قال له الإنجليز شكرا لك  فمهمتك انتهت !! حيث  خسر الانتخابات وانتخبوا غيره للتعمير عام 1945  م  ؟! وإن كان عاد رئيسا للوزراء عام 1951 م  حتى تقاعد عام 1955 م .    وهذا الرجل من أركان الجيش الحربي البريطاني  فقد اشترك في حرب  البريطانيين في السودان في أواخر أيامها  وكان مراسلا صُحفيا  فقد غطى حرب الإنجليز  – مع مخالفة هذا لقانونهم –  وعدم رضى قائد الحملة ( كتشنر ) عن اشتراكه أصلا في الحملة ، ولكن بمجهودات والده ووالدته وولي عهد بريطانيا في  وقته،  تمكن من الالتحاق والمراسلة وإن كانت مراسلته خفية عن رئيسه ، ثم كتب عن السودان – حرسها الله –  كتابا اسمه (  حرب النهر – السودان  1898 م )  وترجمه عبدالله بن محمد بن سليمان  طبعته دار جامعة القرآن  – الخرطوم 1419 هـ )   في ( 430 ) صفحة تقريبا بالملحقات والفهرس .  وهو كتاب فيه – بحسب قول المترجم –  إنصاف ووصف دقيق للحرب في السودان وأعمال البريطانيين فيه ، وفيه إعجاب بشجاعة السودانيين  وبسالتهم وحسن تعاملهم مع الحرب مع قلة الإمكانات وتفوِّق العدو ، إلا في مواضع ، منها حين دخول ( المهدي ) للخرطوم .  فمن رام المزيد  فعليه بالكتاب فهو جدير بالقراءة  . 

واشتهر – بالصور – بطاقيته التي أشبهها  بطاقية الممثل الصامت الشهير تشارلي تشابلن وبالسيجار الكوبي ” الفاخر !!” بين شفتيه .

 وتنسب له حِكم سارت بها الركبان حيث يعتبر من أشهر السياسيين في القرن العشرين ،  وهذه التي بدأت بها أحدها  ، ومن العجب أن تراثنا مليء بما هو خير من قوله ،  ولكن أمة اقرأ لا تقرأ  – إلا من رحم الله – فتجد كتب التحفيز وتنمية القدرات مليئة بأقوال ” ذكور” من الشرق والغرب وقليلٌ من يحكي واقع رجال تاريخنا العظيم إلا من الأقل  كما يفعل الدكتور علي الحمادي الإماراتي – جزاه الله خيرا – في كتبه . 
  ومن ذلك ( أي الحكم في الكلام وضبطه قبل إخراجه )  ما وجدته مسطرا في أحد أركان كتب الأدب الأربعة *  ( البيان والتبيين ) للجاحظ وفي خزانتي تحقيق شيخ المحققين الشيخ عبدالسلام هارون – رحمه الله-   في الجزء الثاني من المجلد الأول ،  طبعة مكتبة ابن سينا ص ( 150 )  قال الجاحظ :

فإذا كانت الكلمة حسنة استمتعنا بها على قدر ما فيها من الحسن ،  فان أردت أن تتكلف هذه الصناعة وتنسب إلى هذا الأدب فقرضت قصيدة أو حبَّرت خطبة أو ألفت رسالة فإياك أن تدعوك ثقتك بنفسك ويدعوك عجبك بثمرة عقلك إلى أن تنتحله وتدعيه ، ولكن اعرضه على العلماء في عُرض رسائل أو أشعار أو خطب ، فإن رأيت الأسماع تصغي له، و تحدج إليه ، ورأيت من يطلبه ويستحسنه، فانتحله . فإن كان ذلك في ابتداء أمرك وفي أول تكلفك ، فلم تر له طالبا ولا مستحسنا فلعله أن يكون – ما دام ريِّضا فضيبا – أن يحل عندهم محل المتروك فإن عاودت أمثال ذلك مرارا فوجدت الأسماع عنه منصرفة والقلوب لاهية ، فخد في غير هذه الصناعة واجعل رائدك الذي لا يكذبك حرصهم عليه أو زهدهم فيه وقال الشاعر :
( إن الحديث تغرُّ القومَ خلوَتُه        حتى يَلِجَّ بهم عِيٌّ وإكثارُ )
وفي المثل المضروب : ”  كلُّ مُجرٍ في الخلاءِ مُسَرٌّ ”  ،  ولم يقولوا : مسرور ، وكل صواب .
فلا تثق في كلامك برأي نفسك فأني ربما رأيت الرجل متماسكا وفوق المتماسك حتى إذا صار إلى رأيه في شعره وفي كلامه وفي ابنه رأيته متهافتا وفوق المتهافت  
، وكان زهير بن أبي سُلمى وهو أحد الثلاثة المتقدمين يسمى كبار قصائده ” الحوليات ” …. وقال البعيث الشاعر -من تميم -، وكان أخطب الناس : “إني والله ما أرسل الكلام قضيبا خشيبا  ، وما أريد أن أخطب يوم الحفل إلا بالبائت المحكَّك ” … وقيل لابن التوأم الرقاشي ( أحد البخلاء ) تكلم فقال :  ” ما أشتهي الخبز إلا بائتا ” … الخ .

*أركان كتب الأدب هي كما قال ابن خلدون:
” سمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن[ الأدب] وأركانه أربعة دواوين ، هي:
1_ أدب الكاتب لابن قتيبة.
2_ كتاب الكامل للمبرد.
3_كتاب البيان والتبيين للجاحظ.
4_ كتاب النوادر لأبي علي القالي.
… وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها”
[ المقدمة 448] طبعة دار صادر بيروت الثانية ( 2009 م ) – ص 343 في طبعة مكتبة الهلال بيروت

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

اترك تعليقاً