الحمد الله على نعمه ، بلغنا رمضان اللهم وفقنا فيه للصيام والقيام كما تحب واجعلنا كما نحب ،
رمضان وقت زيادة العبادة لما له من الفضل ففيه تكثر النوافل ولعل من أظهرها صلاة التراويح ، وهنا أذكر إخوتي كما نرى الحرص على نافلة التراويح بأن نكون أشد حرصا على الفرائض فهي رأس المال ، ومن المعقول أن حفظ رأس المال مقدم على الربح ، فإنك تجد من إخواننا كثافة في صلاة الفجر والمغرب ولا تكاد تجد النصف في صلاة الظهر والعصر -والله المستعان – ، هذا للمناسبة أما حديث اليوم فيتعلق بمسألة في الصلاة ، وهي أنني أصلي خلف أئمة كرام- جزاهم الله خيرا – وأجد من بعضهم إذا انتهت الفاتحة يسكت سكتة يصح أن نصفها بالطويلة ، حتى أنه يمكن لمن خلفه أن يقرأ الفاتحة أو جلها ، فهل فعله موافق للسنة ؟
وقبل أن نجيب لنعرِّف بالمصدر : مجمع الفقه الإسلامي بجدة التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي أصدر سلسلة من الكتب تحت مسمى ( آثار ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال وفق المنهج المعتمد من الشيخ العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد – عليه رحمة الله – وبتمويل من مؤسسة سليمان بن عبدالعزيز الراجحي الخيرية ، وبين يدي الكتاب رقم ( 19 ) ( كتاب الصلاة لابن القيم ) – تحقيق : عدنان بن صفا خان البخاري ، وطبعته دار عالم الفوائد ، وبين يدي الطبعة الثاني عام ( 1436 هـ ) وتقع في ( 564 صفحة بالفهارس ) والحقوق محفوظة لمؤسسة الراجحي ، جاء فيها في ص ( 406 ) : ” واختلفت الرواية عنه ، هل كان يسكت بين الفاتحة وقراءة السورة ، أم كانت سكتته بعد القراءة كلها ؟ فقال يونس بن الحسن عن سمرة : ” حفظت سكتتين ، سكتة إذا كبر الإمام حتى يقرأ ، وسكتتة إذا فرغ من فاتحة الكتاب وسورة ( هكذا في الأصل وفي الهامش وسكتة ) عند الركوع ، وصدَّقه أبي بن كعب -رضي الله عنه- على ذلك ( أخرجه أحمد وأبوداود ، وابن ماجة والدرقطني ، وضعف الألباني الحديث في الإرواء ) ، ووافق يونسَ أشعثُ الحمراني عن الحسن فقال : ” سكتة إذا استفتح وسكتة إذا فرغ من القراءة كلها ) .
وخالفهما قتادة ، فقال عن الحسن : أن سمرة بن جندب وعمران بن حصين -رضي الله عنهما – تذاكرا فحدَّث سمرة – رضي الله عنه – أنه حفظ عن رسول الله ﷺ سكتتين ، سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فقط ، فحفظ ذلك سمرة – رضي الله عنه – ، وأنكر عليه عمران بن حصين – رضي الله عنه – ، فكتبا في ذلك إلى أبي بن كعب – رضي الله عنه – فكان في كتابه إليهما ( أنَّ سمرة قد حفظ ) .
وقال قتادة أيضا عن الحسن عن سمرة : ( سكتتان حفظتهما عن رسول الله ﷺ ، إذا دخل في الصلاة ، وإذا فرغ من القراءة ” ثم قال بعد : ” وإذا قال ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) أخرجه أبو داود .
فقد اتفقت الأحاديث أنها سكتتان فقط ، إحداهما سكتة الاستفتاح ، والثانية مختلف فيها ، ، فالذي قال إنها بعد قراءة الفاتحة هو قتادة ، وقد اختَلَفَ عليه ، فمرة قال ذلك ، ومرة قال : ” بعد الفراغ من القراءة ” . ولم يختلف على يونس وأشعث أنها بعد فراغه من القراءة كلها وهذا أرجح الروايتين . والله أعلم .
وبالجملة فلم ينقل عنه ﷺ بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه كان يسكت بعد قراءة الفاتحة حتى يقرأها من خلفه ، وليس في سكوته في هذا المحل إلا هذا الحديث المختلف فيه كما رأيت . ولو كان يسكت هنا سكتة طويلة يدرك فيها المأموم قراءة الفاتحة لما خفي ذلك على الصحابة – رضي الله عنهم – ، ولكان معرفتهم به ونقلهم له أهم من سكتة الاستفتاح .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .