السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
( جحا ) ومن لا يعرف ” جحا ” بل يحسب الكثير أنه غني عن التعريف ويقولون لك : ( المعروف لا يعرَّف ) وهو (أشهر من نار على علم ) ، وأقول لك : فاسمع مني مقالتي واقرأ عني مقالي لنر هذه المعرفة وهذه الشهرة هل هو كما تظن أم لا ؟
دار المأمون للتراث بدمشق – أعاد الله أمنها – طبعت كتاب الأستاذ ” محمود الأرناؤوط ” ( عناقيد ثقافية ) الطبعة الأولى عام ( 1405 هـ) واختار المؤلف عددا من الصور للشام ” دمشق ” بالأسود والأبيض في منتصف القرن الماضي وضمنها أواخر مقالاته – وهي والله تثير الشجون وتهز الوجدان فكيف كنتِ يا دمشق ُ وما صرت اليوم – وياليت شيخنا الطنطاوي رحمه الله – على ظهر الأرض ليرسم لوحة بكلماته تصف حال اليوم ولكن هي الدنيا إلى النقص والزوال – اللهم آتنا خيرها واكفنا شرها ) .
ومما جاء فيه ( ص 59 ) : ( جحا في الصين أيضا ) : وكان من خبر ه : أن المؤلف اشترى كتابا عن الحكايات الشعبية في الصين فوجد حكايات(جحا ) منسوبة إلى شخصية اسمها ( نصر الدين أفانتي ) فعزم المؤلف عن الكتابة عن هذا في مجلة عربية ليطلع عليه الناس ، وفعل -بعد أن شُغِل عن همه وعزمه سنتين- في هذا المقال في : ( مجلة الثقافة الأسبوعية ) في العدد العاشر في آذار مارس من عام ( 1984 م )
فنقل في البداية من كلام للعقاد – رحمه الله – في كتابه ( جحا الضاحك المضحك ) ما ملخصه : أنه يستحيل أن يكون هناك شخصية ( جحا ) واحدة لتباعد الزمان في قصص الشخصية منذ صدر الإسلام حتى العصر العباسي بل و العثماني وتباعد المكان والبيئات كما أن تصوير الشخصية من التغفيل والحماقة إلى حدة الذكاء والطبع الساخر وتمثيله التحامق استهزاء بمن يدَّعون الحكمة يُبْعِدُ توحد الشخصية ، وقيل عنه : إنه ( نصر الدين التركي ) وقيل : بل هو ( أبو الغصن العربي الفزاري ) وقيل : هو من ( النَّوْكَى ) – الحمقى – الهاكعين ويقال عنه : إنه من أصحاب الكرامات والحالات المتسترين بالولاية وهم يجهرون بالهذر والبلاهة ، ويستحيل أن تصدر هذه النوادر عن ” جحا ” وحده كائنا من كان .
من هو جحا ؟
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء : (جحا أبو الغصن صاحب النوادر دجين بن ثابت اليربوعي البصري ) ، وقيل : آخر ، رأى أنساً رضي الله عنه ، وروى عن أسلم ( مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ) ، وهشام بن عروة شيئا يسيرا … وأخذ عنه ابن المبارك ومسلم بن إبراهيم والأصمعي وغيرهم ، قال النسائي : ليس بثقة ، عن مكي بن إبراهيم قال : رأيت جحا الذي يقال فيه مكذوب عليه ! ، وكان فتى ظريفا ، وكان له جيران ( مخنَّثون ) يمازحونه ، ويزيدون عليه .
قال عباد بن صهيب : حدثنا أبو الغصن جحا – ما رأيت أعقل منه – قال كاتبه : ( لعل القائل عباد ) : لعله كان يمزح أيام الشبيبة فلما شاخ أقبل على شأنه ، وأخذ عنه المحدثون .
وقد قيل إن جحا المتماجن أصغر من ( دجين ) … وَوَهَمَ من قال : إن أبا الغصن هو ثابت بن قيس المدني ) .
في ( المنجد في اللغة والأعلام ) حكموا أنه رجل أسطوري وتعقبهم المؤلف في الهامش فلو نقبوا كتب التراث لوجدوا من مؤرخي المسلمين من ذكره وحسبهم الذهبي الحافظ المنقب المدقق ، وبين المؤلف أن ( المنجد ) عنده من الأخطاء بالعشرات بل بالمئات ما يجعل المحققين المدققين يقللون من الاعتماد عليه ، كما أنه يفتقر إلى ذكر المراجع والمصادر التي اختيرت منها مواده ) .
قال الزركلي : “جحا الكوفي الفزاري أبو الغصن ” صاحب النوادر يضرب به المثل في الحمق والغفلة ، كانت أمه خادمة لأم أنس بن مالك رضي الله عنه ، ويقال كان بالكوفة إبان ثورة أبي مسلم الخرساني وأدخله عليه مولاه يقطين فقال : ” يا يقطين أيكما أبو مسلم ) ، وأورد ابن حجر في لسان الميزان ترجمة لمحدث من أهل البصرة اسمه ” دجين بن ثابت اليربوعي ” وكنيته ” أبو الغصن ” ونفى رواية من قال إنه ” جحا ” .
قال الزركلي : قال شارل بلا : إن الجاحظ أول مؤلف عربي ذكر جحا في مؤلفاته ذكره في رسالة عن ” علي رضي الله عنه والحكمين ” وذكره في كتاب ” البغال ” .
في ” فهرست ابن النديم ” من الكتب المصنفة في أخبار المغفلين ” نوادر جحا ” وهذا حتما غير ” نوادر جحا ” المطبوع بمصر وبيروت ومترجم عن التركية ، المنسوبة أخباره إلى ” جحا الرومي ” المعروف ب ” خوجة نصر الدين ” ، وقد دخلت فيه حكايات من نوادر ” جحا العربي “
ويضيف الزركلي : وفي مخطوطة حديثة سميت ب” قطعة من تراجم أعيان الدنيا الحسان ” في المكتبة الشرقية اليسوعية ببيروت : ” كان أبو الغصن جحا البغدادي صاحب مداعبة ومزاح ونوادر توفي في خلافة المهدي العباسي ” .
وقيل إنه توفي ما بين سنة ( 130 هـ إلى سنة 160 هـ ) والله أعلم
ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق حيث أننا لو استرسلنا أكثر مما كتبنا لجرى القلم كتابةً عن ( جحا التركي ، وجحا الألباني ، وجحا الصيني ) وحسبي أني دللت على البضاعة وأبواب السوق مشرعة فمن رام المزيد وتشوّفت نفسه لغير ما كُتب فعليه بالكتاب وقد ضمَّن المؤلف آخر المقالة مراجعه …
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .