من مختارات أبي حكيم في الجمعة الخمسين بعد الثلاثمائة ( 350 ) في تعداد الجمع ، والسادسة والأربعين ( 46 ) في عام ( 1440هـ ) وتوافق ( 23 / 11 / 1440 هـ ) بحسب التقويم والرؤية
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
يوم أمس الخميس قرأت تغريدة دوّرها أستاذي وشيخي الأستاذ الدكتور عبدالله بن سليم الرشيد – أتم الله عليه النعمة ووقاه وكفاه – عن الأستاذ حمزة بن قبلان المزيني عن دولة المغرب قال في نصها : خطوة إلى الوراء يخطوها مجلس النواب المغربي في تبنيه مشروع تعزيز اللغة الفرنسية في التعليم . التخلي عن اللغة القومية لصالح لغة أخرى ، لا سيما إن كانت لغة مستعمِر بغيض كما هي الحال في المغرب ،
غير مقبول سيما أن الفرنسية صارت هي نفسها تلهث وراء الإنجليزية ( وأتبعها بتغريدة قال فيها ) : تختص اللغة الفرنسية من بين اللغات الكبرى الأخرى بنَفَس استعماري استحواذي . وتسعى السلطات الفرنسية بشكل علني إلى أن تتخلى الشعوب الأخرى عن لغتها طوعا عن طريق الزعم بأن الفرنسية ، لا غيرها ، هي اللسان اللائق بالإنسان إذا أراد أن يتحضر *. ا.هـ
وكنتُ يوم أمس غردت بمقطعين للدكتور أبي زيد الإدريسي المغربي فحواهما ( الدول لا تلعب بأمر اللغة ، اللغة بالنسبة إليها معركة … وذكر بحثا ضخما شارك فيه أكثر من خمسة عشر باحثا من مختلف الدول الأوربية والأمريكية و ترجمته المنظمة العربية للترجمة التابعة لمركز دراسات الوحدة العربية عنوانه : حرب اللغات **… ) .
فاللغة عنوان بقاء… ولا شك أن لغتنا العربية محفوظة بحفظ كتابه ، ولكن الأسف على حملتها إذ لم يرفع كثير منهم بها رأسا ، مع أنها سيدة اللغات وأكثرها ثباتا وتجديدا ، وبما أن الأمر حرب … وفعلُ ورأىُ القوم : أن أفضل ما يقطع الشجرة غصن من أغصانها ، فكان هذا … وما يجلي ما أذكر ما كتبه جمال سلطان في كتابه : الغارة على التراث الإسلامي ص 83 :
وفي إطار هذه العملية و التجديدية ، التي هي في حقيقتها طمس وتزوير الحقائق التراث ، وحادثات التاريخ ، تطلع علينا إحدى الدراسات التي تحمل عنوان ” التجديد ” ، لتزعم أنه ” لم يكن تَمَّ أثر للحياة الثقافية أو العلمية أو الفكرية في قرون الإسلام الأولى ، بل ولا الأخيرة “. بل وأخطر من ذلك ، تقرر هذه الدراسة القول بأنه : “لم تكن اللغة في ثقافة العرب أداة للثقافة ، بل كانت هي الثقافة نفسها فأنت مثقف بلغ القمة ، إذا أنت أجدت الإلمام باللغة ، مفرداتِها ومترادفاتِها ، ونحوِها وصرفِها ، وفي رواية – يهزأ ويتندر – نثرِها وشعرِها ” .
![](https://aaltassan.com/wp-content/uploads/2020/04/55555-906x1024.png)
ثم تعود الدراسة نفسها لتؤكد : ” لم يكن ” العَالِم ” ، في العهود السابقة يبلغ من علمه حدا يجاوز إحسانه للقراءة والكتابة .**
وفي تقديرنا أنه لمن الخطأ محاولة الرد على هذه المحاولات المشوهة لتراثنا ، وصفحاته المشرقة ، بسوق الشواهد والدلائل المستفيضة على إنجازات علماء الإسلام ومفكريه في مجالات العلوم الفلسفية والمنطقية ، وعلوم الترجمة ، والعلوم الاجتماعية ، وعلوم الحساب والجبر والطب
والفلك والكيمياء ، وغير ذلك ، مما لا يعقل خفاؤه أو إنكاره حتى عند متطرفي المستشرقين أنفسهم ، فكيف بمن ينتسبون إلى الإسلام و وطنا ، وإلى العربية ( هوية واسماً ؟!.
أقول : إنه يكون من الخطأ ، وذلك أن مثل هذا الجواب والرد ، من شأنه إضفاء مسوح من الجدة والموضوعية ، على مثل هذه
الأطروحات ، مع أنها – في حقيقتها – محض عبث وتشويه للتراث الإسلامي .
إن بين يدي الآن نماذج كثيرة وعديدة ومتنوعة ، لمثل هذا العبث في التراث ، ما بين الطمس والتزوير المتعمد ، وبين الإسقاط في الفكرة والموقف ، ولو استغرقنا في عرضه ، لطال بنا المقام بما نكره القيام عنده .
وحسبنا ما قدمنا من نماذج متنوعة المصادر ، ومختلفة في اتجاهات أصحابها الأيديولوجية ، ( قال أبو حكيم : ذكرها قبل في ثنايا كتابه ) ، لكي نتبين أن الأمر قد أخذ صورة الاتجاه المنظم المدروس للعبث بتراث الأمة ، وتشويهه ، مما يعتبر خطوة أولى في زلزلة الانتماء الحضاري لها ، وعزل الأجيال القادمة عن ماضيها بما يحتويه من دین وعقيدة ، ورصيد تاريخي وحضاري ضخم ، مما لا يسعها التخلي عنه أو تجاوزه في معاركها الحضارية المقبلة .
إننا نطرح هذه القضية ، لنخلص إلى سؤال يلح علينا ، ويتردد في أذهاننا وضمائرنا وهو : هذا التراث ، كيف نحميه ؟ وكيف نحافظ عليه من هذه الهجمة العبثية التي تحمل شعارات « التجديد » الكاذبة ؟
![](https://aaltassan.com/wp-content/uploads/2020/04/444.png)