السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من سيكتب هذا الأسبوع عن غير حلب الشهباء – حماها الله تعالى – وقد كتبت مختارة في التعريف بها قبل سبعة أشهر في ( 29 / 7 / 1437هـ ) وأقول اليوم : إنها مدينة من مدن الإسلام بل هي في قلب الحدثِ منذ فتحها وإلى أن يكون آخر الزمان في الملحمة الكبرى فأبشروا وأملوا مع العمل والذي يكون الآن بالمال دعما وبصادق الدعاء الدائم لحفظ ديننا وأمننا بداً من حراس حدودنا – حفظهم الله تعالى ورد كيد عدونا – وانتهاء بآخر مسلم مبتلى في المعمورة – والله يعلم كم هم كثير – !! ونخص الحلبيين بصادق الدعاء ، في الحديث الحسن ( الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ) ( وبتخريج إسلام ويب رواه الترمذي والحاكم وصححه الحاكم وحسنه الألباني ) ، وقد مر على الأمة من الأحوالِ العظام والخطوب الجسام أعظم من هذه الفتنةِ قد مرضت فيه لكنها لا تموت ، قال ابنُ الأثيرِ الجزري في كاملهِ يصفُ ما آلَ إليه الحالُ لما أخرجَ اللهُ التتارَ المغولَ من صحرائهم وساحوا في العالمِ مفسدين،وكان معاصرا لزحفهم على بلدان العالم الإسلامي من وسطِ أسيا من عندِ سمرقند : “لقد بقيتُ عدةَ سنينَ مُعرِضًا عن ذكرِ هذه الحادثةِ استعظامًا لها، كارهًا لذكرِها، فأنا أقدِّمُ إليها رجلًا وأؤخرُ أخرى، فمنْ الذي يسهلُ عليه أن يكتبَ نعيَ الإسلامِ والمسلمينَ؟ومنْ الذي يهونُ عليه ذكرُ ذلك؟! فيا ليتَ أمي لم تلدني، ويا ليتني متُّ قبلَ هذا وكنتُ نسيًا منسيًا! إلا أنه حثني جماعةٌ من الأصدقاءِ على تسطيرِهِا وأنا متوقِّفٌ، ثم رأيتُ أن تركَ ذلك لا يُجدي نفعًا. فنقولُ: هذا الفصلُ يتضمنُ ذكرُ الحادثةِ العظمى، والمصيبةِ الكبرى التي عَقِمَتْ الأيامُ واللياليَ عن مثلِها، عمّتْ الخلائقَ ، وخصّتْ المسلمين ، فلو قالَ قائلٌ : إنَّ العالمَ منذُ خلقَ اللهُ عزَّ وجلَّ آدمَ إلى الآنَ لم يُبتَلَوا بمثلِها لكانَ صادقًا؛ فإن التواريخَ لم تتضمنْ ما يقاربُها ولا ما يدانِيها، ومن أعظمِ ما يذكرونَ من الحوادثِ ما فعلَهَ “بُختنصَّر” ببني إسرائيلَ من القتلِ ، وتخريبِ البيتِ المقدسِ ، وما البيتُ المقدسُ بالنسبةِ إلى ما خَرَّبَ هؤلاءِ الملاعينُ من البلادِ التي كلُ مدينةٍ منها أضعافَ البيتِ المقدسِ؟! وما بنو إسرائيل إلى من قتلوا؟! فإن أهلَ مدينةٍ واحدةٍ ممن قتلوا أكثرُ من بني إسرائيلَ، ولعلَّ الخلقَ لا يرونَ مثلَ هذه الحادثةِ إلى أن ينقرضَ العالمُ وتفنى الدُّنيا إلا يأجوجَ ومأجوجَ ، وأما الدجالُ، فإنه يُبْقِي على من اتبَعَهُ ويُهْلِكْ من خالَفَهُ، وهؤلاءِ لم يبقوا على أحدٍ ، بل قتلوا النساءَ والرجالَ والأطفالَ ، وشقوا بطونَ الحواملِ، وقتلوا الأجنةَ، فـ{إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العليِ العظيمِ لهذِهِ الحادثةِ التي استطارَ شررُها، وعمَّ ضررُهَا، وسارتْ في البلادِ كالسَّحَابِ استدْبرَتْهُ الرِّيْحُ”.
وقال ابنُ كثيرٍ في تاريخِهِ يصف هول ما أصابَ بغدادَ من جحافلِ التتر لما دخلوها في سنةِ ستةٍ وخمسين وستمائةٍ وقد ولد بعدها بسنوات (مج 9 ص 141 وما بعدها من طبعة المكتبة العصرية ( ملخصا ) ) : (عادت بغدادُ بعد ما كانتْ آنسُ المدنِ كلِّها كأنَّها خرابٌ ليس فيها إلا القليلُ من الناسِ، وهم في خوفٍ وجوعٍ وذلةٍ وقلةٍ…، وقد جرى على بني إسرائيلَ ببيتِ المقدسِ قريبٌ مما جرى على أهلِ بغدادَ كما قصَّ اللهُ تعالى علينا ذلك في كتابِهِ العزيزِ ، حيثُ يقول: { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّا كَبِيرا ** فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدا مَفْعُولا } الآيات [الإسراء: 4-5] .وقد قُتِلَ من بني إسرائيلَ خلقٌ من الصلحاءِ وأُسرَ جماعةٌ من أولادِ الأنبياءِ، وخُرِّبَ بيتُ المقدسِ بعد ما كانَ معمورا بالعبادِ والزُّهَّادِ والأحبارِ والأنبياءِ، فصار خاوياً على عروشِهِ واهيَ البناءِ.
وقد اختلفَ الناسُ في كميةِ من قُتِلَ ببغدادَ من المسلمين في هذه الوقعةِ.فقيل ثمانُمائةِ ألفٍ، وقيل ألفُ ألفٍ وثمانُمائةِ ألفِ، وقيل بلغتْ القتلى ألفي ألفَ نفسٍ ( مليوني ) إنسانٍ ، فإنا للهِ وإنا إليه راجعون ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم.) .
قال أبو حكيم : ومع ذلك بقي الإسلامُ وذهبت المغولُ فلم يبق من سيرتهم إلا حديثا يروى وقصصا تُحكى وارتفعت رايةُ الإسلامِ كما سيكونُ الحالُ بعد هذه الغُّمةِ ، والحالُ أيها المسلمُ اعمل ما تستطيعُ لرفعةِ دينكِ وعلى اللهِ تعالى التكلانُ .
يا إخوة أبشروا وأملوا ولا تستبطئوا الفرج وتقولوا قد دعونا ودعى الناس ، ولا نرى فرجا ، فود الشيطان والله أن يظفر منا بهذه ، ولكنه مدحور خناس إن شاء الله ، فلنكن على يقين بموعود ربنا باستجابته لدعائنا ولنكثر من هذه العبادة العظيمة نفعا لأنفسنا بعبادة ربنا وقياما بحق إخوتنا من النصرة بالدعاء المبارك فإذا اشتدتْ ظلمتُ الليل فقد أذن الله للفجر بالانبلاجِ ، وفي الشرحِ آيتانَ مبشرتانِ (فَإِنَّ مَعَ ٱلعُسرِ يُسرًا ٥ إِنَّ مَعَ ٱلعُسرِ يُسرا ٦ ) وقال المفسرون : لن يغلب عسرٌ يسرين . وما يزالُ الحقُ والباطلُ في تدافعٍ ففي البقرةِ (وَلَولَا دَفعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعضَهُم بِبَعض لَّفَسَدَتِ ٱلأَرضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضلٍ عَلَى ٱلعَٰلَمِينَ ٢٥١ ) وفي سورةِ الحجِ (ٱلَّذِينَ أُخرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ وَلَولَا دَفعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعضَهُم بِبَعض لَّهُدِّمَت صَوَٰمِعُ وَبِيَع وَصَلَوَٰت وَمَسَٰجِدُ يُذكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيرا وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ٤٠ ) . وجاءَ حديثٌ مرسلٌ عن ابنِ محيريزٍ ، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ : فارسٌ نطحةٌ أو نطحتانِ، ثم لا فارسَ بعدَها أبدًا، والرومُ ذاتُ القرونِ أصحابُ بحرٍ وصخرٍ، كلما ذهبَ قرنٌ خلفَ قرنٌ مكانَه، هيهاتَ إلى آخرِ الدهرِ، هم أصحابُكم، ما كانَ في العيشِ خيرٌ . اهـ. مصنف ابن أبي شيبة – 19342.وهو أيضًا:- في مسند الحارث ( زوائد الهيثمي ) برقم – 702.
وإلى الظالمينَ في كلِ مكانٍ: (وَلَا تَحسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعمَلُ ٱلظَّٰلِمُونَۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُم لِيَوم تَشخَصُ فِيهِ ٱلأَبصَٰرُ ٤٢ ) إبراهيم .
فبحمد الله – وزادنا الله منه – ( منقول من كلام المنجد – حفظه اللهّ – ) نحنُ على يقينٍ بنصرِ اللهِ ، ونعلمُ أنّ اشتدادَ الكربِ علامةُ قُربِ الفرجِ، وأنَّ مع العسرِ يسرًا وابتلاءُ سوريةَ : تمحيصٌ للمؤمنين، وتمييزٌ للصفوفِ، واصطفاءٌ للشُّهداءِ، ورفعةٌ للدرجاتِ، وكفَّارةٌ للخطيئاتِ، والعاقبةُ في النهايةِ للمتقينَ. في القرآن :(لا تحسبُوه شرًّا لكم): اللهُ تعالى قادرٌ على إهلاكِ الظالمينَ،ولكن يؤخّرُهم لحكمةٍ،(إنَّ الله ليُملي للظالمِ ، حتى إذا أخذَه لم يُفلِته)متفق عليه. (لا تحسبوه شرًّا لكم): ما يحدثُ لإخوانِنا يجري وَفق قضاءِ اللهِ،وهو العليمُ الحكيمُ ، لطيفٌ بعبادِهِ، أرحمُ من الأمِّ بولدِها،فلنُحْسِنَ الظنَّ بربِنا . (لا تحسبُوه شرًّا لكم):فما يُنزلُه اللهُ على إخوانِنا من السكينةِ والرِّضا والاحتسابِ،وعلى قلوبِ الظالمينَ من الهلَعِ والذُّلِّ والهوانِ؛هو نصرٌ عظيمٌ. (لا تحسبُوه شرًّا لكم): ثباتُ إخوانِنا ورباطةُ جأشِهم، واستغاثتُهم باللهِ وتضرُّعهم إلى الملِكِ الكبيرِ سبحانَه؛ فتحٌ قريبٌ سنرى نتائجَهُ بإذنِ اللهِ. (لا تحسبُوه شرًّا لكم):أظهرتِ الأزمةُ تضحياتِ الكبارِ والأطفالِ والنِّساءِ، وخِسَّةِ الأعداءِ وتآمُرِ علماءِ السّوءِ، وتحزُّبِ دولِ الكُفرِ على المسلمين.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .