من مختارات أبي حكيم في الجمعة المئتين وثمان (208) في تعداد الجمع ، والخامسة( 5 ) في عام ( 1438هـ ) وتوافق ( 4 / 2 / 1438 هـ ) بحسب التقويم و الرؤية .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : ( هذا المقال لا أقصد به شيئا غير الفائدة العلمية وفي كل أهل هذه الأرض المباركة خير وبركة) . بين العامية والفصحى أخذ ورد ، وخفض ورفع ، وتأييد ومعارضة ، والعامية تُشعِب أمتنا فكل له عامية ، فأصبحنا بلادا عربية بدل البلد الواحد ، فمثلا من العسير على أهل المغرب العربي أن يفهم لغة أهل المشرق من العرب والعكس صحيح ، وإن كان الإعلام قصَّر المسافات وجلى الغامضات ، للتكرار وطرق السماع لمعاني غير مطروقة لولا فضل الله بتسهيل هذه الوسائل ،أو لسبب قد لا يخفى على الكثير (فلبعض الهوى انساحت في مجتمعنا بعض كلمات أهل المغرب ، والعلة : كما يقول بيرم التونسي : القلب يعشق كل جميل !!! ) ، وأقول : لا أجمل من شجرة بلدي .
الفصحى تجمعنا ، والجمع خير من التشظي والشتات إتلاف وذهاب ريح ، وهو ممقوت شرعا وعقلا .قال فخري البارودي : ( ولا أوافقه على قوله : فما يمايزنا ديننا ، وديننا لغته العربية ، ولكن قيلت هذه القصيدة في زمن كانت القومية والدعوة إليها والفخر بها في أوج أورها ، وإنما أتيت بها مستشهدا بالبيت الأخير لعضد قولي ، وأحببت التنبيه على ما فيه قبل :

بلادُ العُربِ أوطاني= منَ الشّـامِ لبغدانِ …. ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ =إلى مِصـرَ فتطوانِ
فـلا حـدٌّ يباعدُنا =ولا ديـنٌ يفـرّقنا (!!!!!!! ) …. لسان الضَّادِ يجمعُنا =بغـسَّانٍ وعـدنانِ
كثير من عاميتنا ( أقصد في نجد ) – وأي بلاد كنجد ؟! – حرسها الله وجميع بلاد المسلمين – ، مردها للفصحى وقد نختلف في نطقها ، باعوجاج لسان أو تقديم وتأخير وقلب حرف مكان آخر أو مد وإمالة ( كقولنا في الأرقام المركبة ( ثلاث طعش فنقلب التاء طاءا !!! ) – أو كقلب الهاء أوالتاء المربوطة في آخر الكلام ياءا (كصنيع أهل جبلي طي) ، وإن كنت تعجب فأعجب منه ، أننا ننعى على غيرنا قلب حروف كَلِمِه كمن يقلب (القاف غينا كأهل السودان أو عكسها ، أو ينطق الهمزة عينا كبعض أهل الخليج ) ، أو ينطق الجيم مشبعة كما ينطقها المصريون ( قِيْم ) ، وقد سمعت مرة من أحد أساتذتنا بالكلية أيام الطلب بجامعة الإمام أن الجيم المشبعة : من لغات أهل اليمن العرب القدماء – وما يزالون يلفظونها – .
وأهل (القصيم) يحبون ( السكون )، مع أنهم من أنشط خلق الله حركة ودأبا ويضرب بهم المثل في السعي والكد والنشاط وحسن تدبير أمور الدين والدنيا – ما شاء الله لا قوة إلا بالله – ، (وهي أي الوقف بالسكون قاعدة في العربية فلو جاء فعل من حرف واحد لأضفنا له عند الوقف عليه الهاء وتسمى (هاء السكت ) كفعل ( قهْ من وقى ، وفِهْ من وَفّى ، ورِهْ من أنظره و عِهْ من وعى ) – واستجابة لنصيحة النحوي : سكّن تسلم ، ولكن المشكلة ليست في الوقف ، بل بالابتداء فيضيفون همزة قبل بعض الأسماء فيقولون مثلا عن : ( محمد ، امحمد ) ، ( وعن حمود احمود ) !!!
الشيخ محمد الناصر العبودي – حفظه الله – له عناية بهذا ، حيث جاء مثلا كتابه ( معجم الأصول الفصيحة للأمثال الدارجة ) في ثمان مجلدات ، وهو عن الأمثال العامية في البلاد النجدية وفيه ما يزيد على ( 4000 ) مثل ، ومن الطريف أنه بدأ بالجمع ولم يبلغ العاشرة كما قال عن نفسه في مقدمة كتابه ، ثم لما تعلم العلم نقحه وأصله وطبعه فأول طباعة لكتابه في مصر ، في دار إحياء الكتب العربية عام ( 1379 هـ ) ، أي منذ ما يقارب الستين سنة إلا واحدة ، ثم تكفلت دارة الملك عبدالعزيز بنصف تكاليف طبعة جديدة ومزيدة حتى كانت هذه الطبعة التي في خزانتي وتاريخها عام ( 1435 ) ومما جاء فيه من باب الفاء ، في المثل العامي نقول : ( في تسعين شيطان ) وبعضهم يقول : (يطير به تسعين شيطان ) . وبعضهم يقول : ( يطير به شيطان ) ، يقال في البغيض المكروه قربه .
قال ابن أبي عيينة :
لما رأيتُ ضميَر غِشِّكَ قد بدا …. وأبيتَ غيرَ تجهمٍ وقُطوبِ
خلَّيْتُ عنك مفارقا لك عن قِلى …. ووهبتُ للشيطانِ منك نصيبي .
ويقولون في أمثالنا العامية : ( في حلّْ وألفُ ظلّْ ) ، أي : جعلك الله في حل مما فعلت ، أو مما في ذمتي لك من الحق ، وجعلك في ظل ظليل ، شأن من لم يفعل ما يؤاخذ عليه .ويقال في الإعفاء من الحقوق .
قال الصفدي في الوافي بالوفيات : وقال البستي :
إن أمُتْ وِجْدا فَلِي قدمٌ …. بي إلى حتفِ الهوى سعتِ
أو تُرقْ تلك اللحاظُ دمي …. فهي في حلٍ وفي سعةِ
وقال ابن أبي الصقر الواسطي : كتبه إلى شخص قادم من بغداد :
من هدايا ( بغداد ) في ألف حل …. أنت ، إلا من باقتي كبريت
إنه عند ربةِ البيت مما …. ليس منه بُدٌّ كشرب فتيت .
الفتيت نوع شراب ، أو هو فتات السكر يوضع في الماء كما اختاره الشيخ محمد الناصر العبودي .
ونقول في أمثالنا : ( في رأسه حب ما طْحن )
والحب هنا هو القمح ونحوه ، يضرب للمتكبر ، يريدون من باب الكناية أن في رأسه من الكِبْر وعدم الخضوع ما يشبه الحب غير المطحون ، فينبغي أن يُضغط ، ويُسْتَذل حتى يطحن ذلك الحب ، ، كناية عن إخضاعه وحمله على الإذعان فهو كالمثل المولد ( في رأسه خُيُوط ) نظمه الأحدب بقوله :
في رأسه خيوط الشيخ الذي …. قد جاءنا يبدي الأذى وهو بَذَى
وذكر التنوخي أنه سمع أبا محمد المهلبي يقول لأحدهم : ما تدع جهلك والخيوط التي في رأسك ، كأني لا أعرفك قديما وحديثا ، وأعرف حمقك ، وحمق أبيك ، وتشنيعك لمجالس الوزراء . بعد هذا المثل جاء ( في رأس الحمار نهقه ) وله قصة طريفة متنوعة الأحداث من قديمها إلى جديدها ، ومن أراد التوسع فعليه بالكتاب ففيه طرائف ونكات تستحق متعة قرأتها ، والشيء بالشيء يذكر فهذه الدكتورة ( بدرية بنت سليمان العاروك ) لها رسالة علمية ( دكتوراة ) بعنوان ( لهجة أهل القصيم وصلتها بالفصحى ) طبعت عام ( 1435 هـ ) وقد أهداها إلى خزانة كتبي الأخ ( عبدالعزيز بن عبدالله العزاز- أبو مالك ) وقال لي : لا أُسَلِّمُ بكل ما جاء فيها ( وأستاذنا أبو مالك ، من أهل اللغة فطرة ودراسة ويقرض الشعر الفصيح ، فله رأي معتبر )
وكنا وقت الطلب في الجامعة ، – وقد درست في جامعة الإمام بالرياض ، حينما كانت الجامعة مختصة بالعلم الشرعي واللغة ولم تتشعب – ، وكانت تضم من أنحاء المملكة طلابا ، وكلٌ قد حمل معه لهجته ، فمن متمسك بها ومنهم من انقلب لسانه على لهجة أهل العارض ، وبالمثال يتضح المقال ( هذا ) ، (( ذا ) اسم اشارة ، والهاء للتنبيه ) ، فتجد أهل العارض يقولون ( في ذا ) وأهل القصيم يقولون (بذا ) أو نكتفي بهاء التنبيه ، فنقول ( بهالجدار ) ، ويحصل بيننا مماحكات في لهجاتنا ونَجِدُنا ننتصر للهجة أهل القصيم ، وندلل عليها من شواهد اللغة ، ( ويفعلُ غيرنا فعلنا ، ففي كل واد بنو سعد ، وفي بني حمزة رجال ) ، وفي وقتنا ذاك خرجت رسالة صغيرة على أغلب ظني أنها عن شواهد ( سكون أهل القصيم ) – ولصغرها ضاعت بين طيات كتب خزانتي !!
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
لمشاركة المقالة على حسابكم الإجتماعي
Twitter
Facebook