الجمعة التاسعة والاربعين / الخامس عشر من ذي الحجة لعام 1437هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة المئتين وواحدة (201) في تعداد الجمع ، والتاسعة والأربعين ( 49) في عام ( 1437هـ ) وتوافق (1437 / 12/15 ) بحسب التقويم وفي الرؤية اليوم الرابع عشر

  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بحمد الله ومنه وتوفيقه  ، قربت العودة للمدارس بعد انقطاع دام أكثر من أربعة أشهر ، وربما استكثرناها واستغربناها وكتب من كتب عنها وظهرت تعليقات لا حصر لها عن طول إجازة هذا العام ، مع أن ذاكرتي الضعيفة  تخبرني أننا كنا نأخذ إجازة طويلة أول أيام دراستي بعد منتصف التسعينات الهجرية بسنة  وكنت أقل من الست -وعلى ما أظن كانت الدراسة من بعد عيد الأضحى إلى  أواخر رجب –  وليصحح لي من لم كان  عمره في ذلك الوقت أكبر من الست ، وما دمنا في الدراسة ومتعلقاتها ، وقد رأيت منها العجب – وما تزال النفس مترددة في إخراج كتاب عن أحداثها ما بين طالب تعليم القصيم ، في مدرسة (عباد بن بشر الابتدائية بالخبراء ) ثم (متوسطة الخبراء ) ، ثم ( ثانوية المفرق)  قبل أن تصير ( الخبراء )  في عام ( 1414 هـ تقريبا ) ، ثم في التعليم الجامعي في (جامعة الإمام بالرياض  فصل في الشريعة ،  والتخرج من كلية الدعوة والإعلام الإسلامي ، قسم (الدعوة الاحتساب ) ، ثم في عام ( 1417 هـ ) صرت معلما للصبيان في معاذ بن جبل الابتدائية في الخبر الشمالية  لعام واحد -ودرست الصف الثاني لغة عربية !! – ثم نقلتُ معلما في ثانوية ابن سينا بجوار معاذ  لسنتين ونصف ،ثم العمل (((لثلاثةَ عشرَ عاماً )))  في الإشراف التربوي ( مشرف تربية إسلامية ) في مكتب (الخبر )  في الشرقية وفي مكتب (البدائع)   تابع لتعليم (عنيزة) ،  ثم تبعية (البدائع لتعليم القصيم)  ، ثم الانتقال منه ( لثانوية رياض الخبراء) معلما لسنتين ونصف ، ثم الإشراف في مكتب (رياض الخبراء)  لسنة ونصف ، ثم العودة للتدريس في مدرستي التي تخرجت منها مع زملائي الكرام عام ( 1411 – 1990 ) وكنا الدفعة العشرين ،-(ثانوية الخبراء) – وأنهيت فيها حتى الآن السنة الثانية معلما لمواد العلوم الإسلامية   – والحمدلله  وأسأله المزيد من فضله – .

(استطراد وتمرين إحماء قبل العودة للمدرسة) : ذكرت هذا الرقم ( ثلاثةَ عشرَ ) ، وبمناسبته أقول : قدذكر لي ابن العم الفاضل (المهندس حمد بن صالح الطاسان­ ­ – شركة سابك نفع الله به وبها – وحفظهما الله ، وهو ليس بالقليل في العربية ، ولكن من فوائد استذكار العلم تثبيته ) أنه قد استشكل رقما مركبا ذكره الشيخ الدكتور السديس ، حيث (أعاده ) مفتوح الجزأين في خطبة عرفة فأقول أيها الماجد ولبقية القراء الكرام : من قواعد الأعداد المركبة من ( 13 – 19 )  (الجزء الأول من العدد يخالف المعدود في الجنس ، أما الجزء الثاني فيطابق . والعدد المركب مبني على فتح الجزأين في أحواله الثلاثة،و يكون المعدود مفرداً دائمًا ، و يعرب المعدود تمييزًا منصوبًا . 

ونعود إلى ما كنا فيه من أمر قرب الدراسة  :  كنت في الطائف المأنوس واقتنيت  كتابا ( لياسر سعيد حارب ) الإماراتي ( بعلوان ) ( هكذا هي صحيحة  باللام ،  كما في صبح الأعشى في صناعة الأعشى وانظر هذا الرابط للمزيد :

اضغط هنا

أقول : وعينان الكتاب   ( بيكاسو وستاربكس )  فقرأت في صفحة مميزة من الكتاب ( 123 ) من صفحاته البالغة ( 211 ) صفحة  مقالا بعنوان ( القلم الأحمر) ، وعلى ما قرأت أن المقال منشور أصلا في جريدة البيان الإماراتية ، فألفيته مناسبا  لبدء الدراسة ،  قال فيه :  

قرأت مرة مقولة جميلة تقول:”القائد الجيد يلهم الناس ليثقوا به، أما القائد العظيم، فإنه يلهم الناس ليثقوا بأنفسهم”. ليس بالضرورة أن يكون القائد قائداً عسكرياً أو قائد دولة، بل قد يكون قائد حافلة، أو مدير شركة، أو مدرساً في مدرسة ابتدائية ، أو موظفاً حكومياً… المهم أنه يؤثر في الناس بطريقة أو بأخرى.

عندما كنّا صغاراً، كنا نخشى في المدرسة من شيئين، الأول هو الضرب، والثاني هو ( القلم الأحمر ) . وليت الأساتذة استعاضوا بالضرب عن اللون الأحمر، ( قال أبو حكيم : لا أوافق في هذا فقد رأينا من الضرب ما نحمد الله أننا لم نصب بسببه بارتجاج دائم في المخ !!! )   فهذا الأخير، ما زال يؤرقنا حتى يومنا الحاضر. كانت أصعب لحظات الطالب في المدرسة، هي تلك التي يقضيها في طابور تصحيح الواجب، ذلك الطابور القصير طولاً، الطويل زمناً.

كنّا نقف على وجل، ندعو الله ألا يكون مصيرنا كمصير ذلك الطالب الذي شُوَّهت كراسته باللون الأحمر. نضع الكراسة أمام المدرس ثم نبدأ بالكلام عن أشياء عديدة لتشتيت انتباهه، وإذا به يستلّ سيفه من جيبه، ويُعْمِلَه، ليس في الدفتر فقط، ولكن في أحلامنا وطموحاتنا، في ثقتنا بأنفسنا، في مستقبلنا، وفي عواطفنا ومشاعرنا. وكلّما طعن بسيفه الأحمر كلمة هنا، صرخ رقم هناك، وإذا به يتلقى ضربة لتودي بحياته هو الآخر.

كان المدرسون في المدرسة يبحثون عن الخطأ ، أو عن النصف الفارغ من الكأس، حتى وإن كان هذا الفراغ يمثل الثلث أو الربع فقط ، فإنهم لا ينظرون إلى الجزء الممتلئ أبداً، وكان كل همّهم هو إسالة الدماء (الحمراء) إلى الركب.

يعتبر اللون الأحمر هو لون الحروب، وعند البعض، هو لون القوة والعنف، كما يصور البعض الشيطان على أنّه أحمر. وعند البعض أيضاً، يُعتبر اللون الأحمر هو لون الحب، ولون الأنوثة، وكانت الناس تتغزل في المرأة التي يتورّد خداها، أي يتحولان إلى اللون الأحمر أو الوردي.

يرتدي كثير من رجال الأعمال ربطة عنق حمراء للتعبير عن قوّتهم وإصرارهم، وفي بعض المناسبات، تُفرش لكبار الشخصيات سجّادة حمراء للتعبير عن أهميّتهم في المجتمع. أما في الإضاءة، فإن الأحمر يعتبر لون الخطر، فإشارة التوقف لونها أحمر، وسيارة الإسعاف تشعل الضوء الأحمر عندما يكون المريض في حالة خطرة.
في الصين والشرق بصورة عامة، يعتبر اللون الأحمر هو لون البهجة والفرح، فالعروس تلبس اللون الأحمر يوم زفافها، أما في جنوب أفريقيا، فإنه لون الحِداد، وفي روسيا، فإن الأحمر قد استخدم في شعارات الثورة البلشفية، وأصبح منذ ذلك الحين لصيقاً بالشيوعية.

أعرف أحد الأشخاص الذين يخافون من استخدام القلم الأحمر، حيث يرفض أن يدخله مكتبه أو حتى بيته، وعندما سألته عن السبب، قال لي إن القلم الأحمر يمثّل له التسلّط، فبذلك القلم البسيط، كان أستاذه يريه الويلات كل يوم، وكان كلّما استلم شهادته، يرى بها دوائر حمراء، ودائماً ما كان يتساءل: لماذا لم تكن زرقاء أو خضراء! فقلت له ربما لأن الأحمر أكثر وضوحاً، فقال لي  : ( بل لأنّه أكثر دموية ( .

نشأنا ونحن نحب ذلك القلم ونكرهه في نفس الوقت، وكنّا نسعى للحصول على نجمة حمراء أو اثنتين في كراسة الواجب حتى نريها لكل من في البيت. وعلى الرغم من أن بعضنا كان متأكداً من أنه قد حلّ الواجب بطريقة سليمة، إلا أن كل شيء كان يعتمد على مزاج المدرّس ولا شيء آخر.
لم يفكّر أحدنا يوماً في أن يناقش المدرس في قلمه الأحمر، بل إننا لم نفكّر يوماً بأن المدرس قد يكون على خطأ ونحن على صواب. لم تكن الحقيقة همّنا، وكنّا نسعى في المدرسة من أجل إرضاء المدرس وليس فهم الدرس. طلب منّي أحد المدرسين مرة أن أكذب ففعلت دون أن أتردد، وما كان منه إلا أن ضربني بعصاه “الحمراء” معللا ذلك بأنه كان يريد أن يختبرني فقط، وكان علي أن أرفض قول الكذب، ولكنني كنت أقسم لزملائي بأنني لو رفضت طلبه لضربني أيضاً.

كان القلم الأحمر مصدر تشويش نفسي لنا كطلبة، فبجرّة منه كنّا نرتفع، وبأخرى كنا نسقط. أحد أساتذتي كان يعلّق ثلاثة أقلام في جيبه العلوي، كلّها حمراء، وكان عندما يريد أن يستخدم لوناً آخر، كان يستعيره أو بالأحرى ينتزعه من أحد الطلبة.

في الأفلام والمسلسلات، عندما تغضب الحكومة فإنها تغلق دكّان فلان بالشمع الأحمر، ومازلنا نسمع حتى اليوم أن علينا ألا نتجاوز الخطوط الحمراء. لابد أن يكون كل خطر أحمر مصدره ذلك القلم المقيت، الذي لا يزال مداده يضخ في عالمنا العربي في كل صغيرة وكبيرة، فالذين يُغضِبون المدرس تفجّرهم الألغام المدسوسة بعد الخط الأحمر مباشرة، والذين يُرضُونه تُفرش لهم السجادة الحمراء، ويقضون ليالي حمراء إلى الأبد.

أقترح أن نقاطع اللون الأحمر، ونستعيض عنه بالأخضر، فالأخضر هو لون السلام، ولون العشب، ونجده في معظم شعارات “إيرلندا” ذات الطبيعة الخلاّبة. والأخضر أيضاً هو لون راية الإسلام، وهو يرمز إلى الربيع دائماً. ولكي نفعل ذلك، فإنني أقترح أن تعلن وزارات التربية والتعليم في جميع أنحاء الوطن العربي منع استخدام الأقلام الحمراء، واستخدام الأقلام الخضراء بدلاً منها، علّنا نوجد جيلاً عربياً جديداً يحب المدرس، ويعمل معه لا من أجله  .

قال أبو حكيم : ( فهل توافقون على ما  جاء في مقاله ؟!!  ) .

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد

اترك تعليقاً