الجمعة الثامنة والاربعين / الثامنة من ذي الحجة من عام 1437هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة المئتين (200) في تعداد الجمع ، والثامنة والأربعين ( 48) في عام ( 1437هـ ) وتوافق (1437 / 12/8 ) بحسب التقويم وفي الرؤية اليوم السابع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سمعنا عن مؤتمر الشيشان في غروزني وما صاحبه من أحداث ( وأنهم جعلوا أهل السنة هم الأشاعرة والصوفية والماتريدية )  وما عداهم فليسوا منهم ،  ولعل المقصود الأكبر هذه البلاد وما فيها  ، حتى أن من كان يغرد خارج السرب ضد معتقدات ديننا بدأ يراجع نفسه – وإن على استحياء – وبدت تستبين بعض النقاط على حروفه  فيقرأ بشكل صحيح وليس هذا بغريب فالفتنة إذا أقبلت التبست على غير الراسخين في العلم –  وإذا أدبرت عرفها كل أحد .

 فأقول :  الحمدالله لا يقدُّر الله إلا الخير  ويميز الله بالأحداث بين الخبيث والطيب  ، وتتمايز الصفوف  ، ويظهر الله من نعمه في البلاء ما لا يحصر  ، والموفق من رزقه الله فقها في دينه  وثباتا عليه .

في محكم التنزيل في حادثة الإفك  مع سيد البشر صلى الله عليه وسلم وأمنا عائشة رضي الله عنها والصحابي الجليل ( صفوان بن المعطَّل ) الذي شهد له من لا ينطق عن الهوى كما في صحيح البخاري في حادثة الإفك  (ما علمت عليه إلا خيراً ) ، (صفوان بن المعطَّل: هو ابن رُبَيِّعة – بالتصغير – السُّلَمي، الذَّكواني، وأبوه ضُبِط بفتح الطاء بلا خلاف كما قال النووي في شرح صحيح مسلم 17/ 105، وكذا ضبطه الحافظ ابن حجر في الفتح 8/ 461. ( نقلت لكم هذه الفائدة – أقصد ضبط اسمه –  من دراسة حديثية لشكاية امرأة صفوان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بها د. صالح البهلال  ومنشورة في موقع الألوكة ) ، ولا تكاد تسمع إلا من يكسر الطاء في اسم أبيه رضي الله عنه .

قال الله تعالى في سورة النور : (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ .(11)  .

اتهمنا حتى من بعض كتابنا أننا ( إقصائيون )  ولا نتعامل مع الآخر  ، وهذه فرية  قد بان  كذبها بحمد الله والشواهد أكثر من أن تحصر ، وكل منكم يعرف ما لا أعرف ويعلم ما لا أعلم  ، ولكن نعوذ بالله من الخذلان.

 بحمد الله لنا مضرب المثل في بلادنا (المملكة العربية السعودية ) لمن كان يعقل ، وعرف الوفاء وحفظ الود وتسنم العدل وأراد الحق ،  فكم احتضنت هذه البلاد المباركة – وما زالت –  من فئات شتى من علماء من أقطار العالم الإسلامي ، بالاستقدام للتدريس في دور العلم عندنا أو ممن هرب من دولته بدينه ، فوجد الملجأ -بفضل الله- في هذه الدولة المباركة  – وكم من معلم من دول شتى جاء لهذه المملكة المباركة و درس الدراسات الإسلامية في معاهدها ومدارسها وكلياتها -وكانت لهم معتقدات في العقيدة تخالف  منهجنا وإنما لعلمهم في أبواب من العلم وتميزهم فيه أخذنا منهم . – وكانت الجهات المسؤولية لا تسند له تدريس التوحيد فقط –

دَرَستُ في كلية الشريعة في جامعة الإمام بالرياض فصلا دراسيا عام ( 1412 هـ ) ودرّسنا أحد المشايخ الكرام من أهل (مصر ) وقد اجتهد  ووضع لنا مذكرة  مطبوعة (بالحاسوب ) -وقليل من كان يتعامل معه في ذلك الوقت – وكان مما جاء فيها نص ( ونحن الأشاعرة )   ووجد فيها أحد الطلاب – هداه الله –ضالته ، لشحناء  كانت بينه وبين الدكتور فطار بها  ووقف مدافعا عن ( عقيدة السلف )  فقال الدكتور المصري مباشرة : احذفوها من المذكرة ، ولكن صاحبنا لم يكتف بهذا، بل أوصلها للقسم شاكيا  ، فجاء إلينا الشيخ عبدالعزيز السدحان -حفظه الله-   وكان يدرسنا أصول الفقه ، وأظنه وقتها كان  رئيسا لقسم الفقه وأصوله  أو ما شابه  -حيث لم أكن على دراية بمسميات المشايخ  العلمية والإدارية في الجامعة-، فكان مما قال ملخصا : ماذا تتوقعون من شيخ أزهري وكثير من بيئته أشعرية  ، وأنتم خذوا الخير الذي عنده واستفيدوا مما لديه  ، ولا يضركم معتقده _ أو كلمة نحوها – وقد أكمل الدكتور معنا بقية الفصل ، أما صاحبنا الطالب فقد قال له أحد إخوتنا الكرام في الفصل ( يا فلان هذه لم تكن قومة لله ، بل لأن الدكتور أعطاك كرتا أحمر في المحاضرة الماضية … ) ( أرجو أن أكون نقلت الصورة كما هي ولم تسقط أحداثها من خروم الذاكرة مع مرور خمس وعشرين سنة ) .

في كتاب  (فرق معاصرة تنتسب للإسلام وبيان موقف الإسلام منها )  للدكتور ( غالب بن علي عواجي )  طباعة دار لينة للنشر والتوزيع  من مصر وبين يدي الطبعة الثالثة ( 1418 هـ ) ويقع في مجلدين بمجموع صفحات بلغت ( 1157 مع الفهاس )  من المجلد الثاني أخذ لكم هذا الملخص  :عن الأشاعرة والاسم في الأصل نسبة إلى أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ينتسب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه  ولد في البصرة ( 250 ) وقيل بعد ذلك بعشرين سنة وتوفي عام ( 330 هـ )  وكان معتزليا في أول أمره ( لأربعين عاما )   تتلمذ علي يد أبي علي الجبائي محمد بن عبدالوهاب أحد مشاهير المعتزلة  ثم تركها في مرحلته الثانية بانتسابه إلى ابن كلاب ( وإثباته للصفات العقلية السبع وهي : الحياة ،والعلم ،و القدرة ،والإرادة ، والسمع ،والبصر ،والكلام ) وتأويل الصفات الخبرية كالوجه واليدين والقدم .  ثم في مرحلته الثالثة وفقه الله  فرجع إلى مذهب السلف وأعلن هذا على المنبر أمام الناس بعد الجمعة وكان دخل منزله وتغيب عن الناس خمسة عشر يوما ونظر في الأدلة حتى وفقه الله لإثبات الصفات من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تجسيم ،  وأخذ منهج إمام أهل السنة والجماعة (أحمد بن حنبل ) – رحمه الله – وله في ذلك كتاب ( الإبانة )   وكان إماما واسع الإطلاع وكل يدعي أنه منهم فالمالكية يقولون هو منا  وكذا الشافعية والحنفية .

بعض الأشاعرة ينتسبون إليه في مرحلته الثانية أما من انتسب إليه في مرحلته الثالثة فهو  على مذهب السلف .

  وبعض العلماء يطلق على الأشاعرة اسم ( السبعية ) لأنهم يثبتون سبع صفات ( ذكرتها آنفا ) و يؤولون ما عداها ،

ظهرت  الأشعرية بعد المعتزلة في القرن الثالث  الهجري .

أما (الماتريدية)  فهم أتباع ( محمد بن محمد بن محمود المعروف بأبي منصور الماتريدي )  ولد في ( ماتريد  ) وهي من بلدان سمر قند  في ما وراء النهر  ( ما تعرف اليوم باسم آسيا الوسطى ) والنهر المقصود به سيحون بخرسان فما وراءه من المشرق ليس من خرسان ) ولا يعرف لأبي منصور تاريخ ولادة محددة ووفاته في عام ( 333 هـ ) على أرجح الأقوال . درس الفقه الحنفي وصار من كبار مشايخه ، اتفق مع الأشاعرة في حرب المعتزلة وفي الجملة هو على اتفاق مع ما قرره أبو حنيفة في العقائد ، مع مخالفته في أمور .

  ( كان يلقب في ما وراء النهر بإمام السنة وإمام الهدى ) ووقف في وجه المعتزلة  وإن كان قريبا منهم في النظر إلى العقل ولكنه لم يغل فيه غلوهم بل اعتبره مصدرا آخر إضافة إلى المصدر الأساسي وهو النقل مع تقدم النقل على العقل عند الاختلاف بينهما هذا من باب الإخبار عن مذهب الماتريدية وإلا فالعقل السليم لا يعارض النقل الصحيح .

عقيدة الماتريدية الأصلية في كتاب الماتريدي  ( التوحيد )  حققه الدكتور فتح الله خلف على نسخة خطية وحيدة في جامعة كمبردج بانجلترا ونشره في مجلة تراث الإنسانية المجلد التاسع العدد الثاني ، وتحقيقه لكتاب التوحيد نشر في بيروت عام ( 1970 م ) ، قال أحمد عصام  عن كتاب ( التوحيد ) للماتريدي  وسنعتمد عليه في كلامنا على عقائد الماتريدية لأنه أفضل مصدر لهذه العقائد وأصدقها وأقربها ، ولا عبرة بما فعله المتأخرون منهم من خلط الحابل بالنابل ) .

ومن آرائه إجمالا  (  لايرى مسوغا للتلقيد بل يذمه وأورد أدلة على فساده وعلى وجوب النظر والاستدلال ، ومنها لا سبيل للعمل إلا بالنظر وهو قريب من آراء المعتزلة والفلاسفة في هذا !! ، و يوافق في الاعتقاد في أسماء الله تعالى ما عليه السلف من أنها توقيفية ، والمأخذ على الماتريدية أنهم لم يفرقوا بين باب الإخبار عن الله وبين باب التسمية فأدخلوا في أسمائه ما ليس منها كالصانع ، والقديم والشيء ، والسلف يخالفونهم في هذا ، والماتريدية قد عطلوا كثيرا من أسماء الله تعالى وأولوها . وقد خالفوا الأشاعرة والمعتزلة في أمور ومما يهمنا ما خالفوا فيه أهل السنة والجماعة فقد خالفوهم في مفهوم توحيد الألوهية فنحن نراه توحيد العبادة  ( إفراد الله بأفعال العباد )  وهم يرون أن الله واحد في ذاته لا قسم له ولا جزء وواحد في صفاته لا شبيه له وواحد في أفعاله شريك له .

ويستدلون على وجود الله بطريق دليل التمانع وهو أنه يستحيل انتظام الكون بوجود إلهين ومع صحة دليل التمانع إلا أنه ليس تفسيرا لقوله تعالى ( لوكان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) .

ولم يفرقوا بين باب الأسماء لله تعالى وباب الإخبار عن الله تعالى .

وفي باب الصفات أثبتوا ثمان صفات فقط وهي (  السبع عند الأشاعرة وزادوا هم التكوين ) وذلك لدلالة العقل عليها عندهم .

ونفت الماتريدية جميع الصفات الخبرية الثابتة بالكتاب والسنة  ونفوا ثبوت الصفات الاختيارية لله تعالى لاعتقادهم أنها تؤدي إلى التجسيم والتشبيه .

ويعتقدون في كلام الله تعالى أنه واحد قديم أزلي ليس متعلق بمشيئة الله وقدرته وهو ليس بحرف ولا صوت بل المسموع منه إنما هو عبارة عنه وليس هو صوت ربنا جل وتبارك وتعالى

ويرون أن صدق الأنبياء منحصر في المعجزات التي تظهر على أيديهم ،  ويوافق السلف على أن المعجزة دليل صدق ولكن ليس فقط المعجزات بالدليل الوحيد على صدقهم . 

ويرون أن كل ما يتعلق باليوم الآخر لا يعلم إلا بالسمع ولا يدل عليه العقل ، ويرى السلف أنها عُلمت بالسمع ويدل عليها العقل .

يعتقد الماتريديون في  خلق أفعال العباد ، أن فيه إثباتا لإرادة العباد مستقلة عن مشيئة لله تعالى وأن خلق الله لأفعالهم إنما هو تبع لإرادتهم غير المخلوقة ، والسلف يعتقدون أن لله تعالى وحده المشيئة وأن للعباد مشيئة لا تخرج عن مشيئة لله تعالى .

ويرون أن الإيمان تصديق في القلب فقط وزاد بعضهم الإقرار باللسان ولكنهم منعوا زيادته ونقصه ومنعوا التفريق بين الإسلام والإيمان   وخالفهم السلف في هذا  فالإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان وهو يزيد وينقص والإسلام والإيمان متلازمان فإذا اجتمعا دل الإيمان على الأعمال القلبية والإسلام على الأعمال الظاهرة وإذا افترقا دل كل منهما على الآخر .

وأخيرا يرى الماتريدية أن الفاسق كامل الإيمان بينما يرى السلف أنه مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته فلا يسلبون منه الإيمان ولا يثبتون الكمال له فيه   .

أما الصوفية فلعل ما نتشر من مقاطع عنهم يغني عن بيان حالهم ومن أراد الرجوع لمختصر مفيد فعليه بكتاب الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي . وفيه كتب موسعة عنهم مثل : مصرع التصوف أو  تنبيه العبي إلى تكفير ابن عربي لبرهان الدين البقاعي صاحب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور  ، وكتيب عبدالرحمن عبدالخالق فضائح الصوفية  وكتاب عبدالرحمن دمشقية عن النقشبندية إحدى فرق الصوفية ، وكتاب شيء من العبث الصوفي لأبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري  وكتاب الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ لمحمود عبدالرؤوف القاسم ويقع فيما يقارب التسعمائة صفحة.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد

اترك تعليقاً