الجمعة الواحد والعشرين / الرابع والعشرين من جمادي الاول لعام 1437هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الثالثة والسبعين بعد المائة (173) في تعداد الجمع ، و الحادية والعشرين ( 21) في عام ( 1437هـ ) وتوافق (1437 / جمادى الأولى /24 ) بحسب التقويم .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته     : الأماني  :  

المتنبي – رحمه الله – له أبيات شعرية سارت بها الركبان  – وليس المتنبي موضوعي – إنما بداية أبياته التي قالها في مدح ( أبي المسك ) كافور  ، وهي قوله :

كَفى بِكَ داءً أَن  تَرى  المَوتَ  شافِيا    ….   وَحَسبُ   المَنايا   أَن   يَكُنَّ   أَمانِيا

تَمَنَّيتَها   لَمّا   تَمَنَّيتَ    أَن    تَرى      ….  صَديقًا   فَأَعيا   أَو   عَدُوًّا   مُداجِيا

 ومن عجيب الأماني ما قرأته في كتاب ( زهر الآداب وثمر الألباب )  لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الحصري القيرواني المتوفى سنة( 453 هـ / 1061 م )  في المجلد الثاني عن ( كُثيّر عزة ) في حكاية بينه وبين حبيبته ( عزة ) وكان من خبرهما ما حكاه أهل الأدب ، (ولا أدري من كان معهما ؟  وما لذة الدنيا إلا الخلوة بالحبيب !! )لما فضّلت عزةُ عليه الأحوصَ وكان من ختام خبره كما نقل القيرواني ،  أن قالت له وقولك  :

وددْتُ وبــيـتِ الله أنّـكِ بــكْــرَةٌ   …  هِـجـانٌ وأنّـي مُـصـعـبٌ ثمَّ نَهْربُ

كـلانـا بـه عُـرٌّ فـمـن يـرَنـا يقُلْ   …  على حُسنها جرْباءُ تُعْدي وأجرَبُ

نـكونُ لـذي مالٍ  كـــثيرٍ مـغـفـّلٍ   …  فـلا هـو يـرعـانـا ولا نحـنُ نُطلبُ

إذا ما وردْنا منهلاً صاحَ أهـلُـه  …  عـلينا فـما ننفكُّ نُـرْمـى ونُضـربُ

ويحك لقد أردت بي الشقاء ، أفما وجدت أمنية أوطأ من هذه ؟ فخرج خجلا .

(هجان) : بيضاء   ، و ( المصعب ) : الفحل   ، و ( العر ) : الجرب

قال أبو حكيم : وتروى الأبيات بأكثر من هذا وبتقديم وتأخير ، وكما ذكرت سابقا  ، لا تسلك قصص الأدب في التدقيق  مسلك تدقيق الحديث .

ومن الأماني  قول أبي صخر الهذلي  :

تمنيـت مـن حُبِّـي عُليَّـةَ أننـا   …   على رَمَثٍ في البحر ، ليس لنا وفرُ

على دائمٍ لا يعبُـرُ الفلـكُ موجَـهُ   ….  ومن دوننا الأهوالُ واللُّججُ الخضرُ

فنقضي همَّ النفسِ في غيـر رِقْبـةٍ   ….  ويُغْرقُ من تخشى نميمتَـهُ البَحـرُ.

( الرَمَث ) : خشب يضم بعضه إلى بعض ، ويركب في البحر .

وقال مسلم بن الوليد ( صريع الغواني )

وأكثر أفعال الليالي إساءةٌ     …    وأكثر ما تلقى الأماني كواذبا .

وقال آخر :

مُنى إن تكن حقا تكن أحسن المنى     …  وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا

أمانيُ من ليلى حسان كأنما     ….    سقتني بها ليلى  على ظمإ بردا .

قال أبو حكيم  : ( ليلى ) رمز في شعر العرب ، وليس شرطا أن تكون كليلى المجنون ( إن صحت قصصه معها ) .

وقال آخر :

رفعتُ عن الدنيا المُنى غير حبِّها   ..    فلا أسأل الدنيا ولا أستزيدها .

قال أبو حكيم : كان ( كُثير ) قصيرا دميما وذكر بعض أهل الأدب أنه أحمق  ومن حمقه أنه كان رافضيا يدين بالرجعة ويرى إمامة محمد بن الحنفية ، ولكن كما تقول العرب : ( حبك للشيء يعمي ويصم ) فلا أدري لم كَلُفت به عزة  ، ولم أرها ولم أقرأ لها وصفا  ، فلربما كانت على شاكلته ( والطيور على أشكالها تقع ).

 ومن جميل شعر كُثير : أنه دخل على عبد الملك بن مروان رحمه الله في أول خلافته ، وكان كُثير قصير القامة نحيل الجسم ، فقال عبد الملك بن مروان:  أنت كثير عزة ؟ قال:  نعم ؛  فاقتحمه و قال: أن تسمع بالمعيدى لا أن تراه!!   قال: يا أمير المؤمنين، كلّ عند محله رحبُ الفناء، شامخُ البناء عالي السناء؛ ثم أنشد يقول:
ترى الرجل النحيف فتزدريه        ….     وفـى أثـوابـه أســد هـصـورُ
ويعجـبـكَ الطـريـرُ إذا تـــراهُ        ….     ويخلفُ ظَنًّكَ الرجـلُ الطريـرُ
بغـاثُ الطير أطولهـا رقابـا        ….     ولم تطل البزاة ولا الصقـورُ

خشاش الطيـر أكثرهـا فراخـاً        ….     وأم الباز مِـقــلاةٌ نـــزورُ

ضِعاف الأُسْدِ أكثرها زئيرا        ….      وأصرمُها اللواتي لا تزير
وقـد عَظُـمَ البعيـر بغـيـرِ لــبٍ        ….     فلـم يستغـن بالعظـم البعـيـرُ
يُنَـوَّخ ثـم يضـرب بالهـراوَى        ….     فــلا  عُرفٌ لـديــه ولا نـكـيـرُ
يُقوِّده الصبـى بـكـل أرض        ….       ويصـرعـه على الجنـب الصـغـيرُ
فما عِظم الرجال لهـم بزينٍ         ….     ولكـــن زَيْنُهُـم حـسـبٌ وخــــيرُ

فقال عبد الملك بن مروان : لله دِرُّهُ ، ما أفصح لسانه ، وأطول عنانه! والله إني لأظنه كما وصف نفسه .

والله  أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد  .

اترك تعليقاً