أحمد الله إليكم أيها السادة الكرام وأصلي وأسلم على النبي الكريم محمد بن عبدالله وعلى الآل والصحب الكرام ومن سلك الدرب يبتغي لقياهم في الجنة اللهم اجعلنا منهم .
أيها الأماجد قال الشيخ حافظ حكمي رحمه الله ( توفي في 18 / 12 / 1377 هـ ) بمكة المكرمة بعد آداء مناسك الحج وهو – رحمه الله – من حسنات الشيخ عبدالله بن إبراهيم القرعاوي – رحمه الله المتوفى سنة 1389 هـ بمشفى الشميسي بالرياض بعد أن نقل إليه من جازان وسيرة هؤلاء حري بأن تذكر وينظر فيها لما فيها من باعث الهمم على العلو وعلى تحصيل العلم والشاهد من كل هذا أن حافظا رحمه الله قال منظومة في العقيدة أسماها ( سلم الوصول إلى علم الأصول ) وذكر منها هذا البيت الذي ألفيته مناسبا لواقع حال ما سأكتب عنه :
سآلني إياه من لا بد لي
من امتثال سؤله المُمتَثَل .
فقد سألني الأخ الكريم والأستاذ العزيز ( محمد بن عبدالرحمن المحيسن ) (من أهل رياض الخبراء ” النفيد ” ) الكتابة عن ( مذكرات ضابط عثماني في نجد ) فأجدني فرحا مغتبطا بتلبية طلبه – أمد الله في عمره على عمل صالح وزاده من فضله .
ولدي بخزانتي نسخة مصورة عن القسم الأول من هذه المذكرات تحت عنوان ( مذكرات ضابط عثماني في نجد الأوضاع العامة في منطقة نجد ) ترجمة وتعليق د. سهيل صبان . ويقع في حدود ( 122 ) صفحة من ( 292 ) في الأصل
استفادتها ( عام 1430 هـ ) من الأخ الكريم نزيل العليا من البدائع ( الأستاذ صالح بن عبدالله العمرو ) مشرف مواد التربية الاجتماعية بمكتب التربية بالبدائع قبل تقاعده أمد الله بعمره على عمل صالح ونفع به * .
ومن لطيف المناسبات أن بين الرجلين معرفة حيث كان الأخ ( محمد المحيسن ) طالبا في متوسطة رياض الخبراء وكان الأستاذ صالح ( وكيلا لها ) ومن هنا ندلف إلى المقصود في إشارات من هذه المذكرات .
اسم الضابط : حسن بن حسنى مصطفى بك : والإشارات إلى ترجمته ضئيلة في المصادر العثمانية ومما عرف عنه أنه تخرج من الكلية الحربية بإسطنبول وعين – برغبة منه – بالجيش العثماني السابع في اليمن وعمل فيه ( إحدى عشرة سنة ) وأظهر تفوقا على أقرانه ثم أرسل إلى بور سعيد ( مصر ) للعمل في مينائها ، ونقل بد مدة إلى الجيش السادس الموجود بالبصرة ، ثم إلى اليمن ومنها أرسل إلى نجد وأصبح قائدا لقوة القصيم المتنقلة ( السيارة ) ، بعد مقتل قائدها ( حسن شكري بك ) في المعركة التي وقعت قرب البكيرية عام ( 1322 هـ / 1906 هـ ) وبقي فيها سنة ونصف حتى ترك الخدمة ( فر ) من الخدمة حين رأى أنه لن يستطيع تحقيق ما يهدف إليه من إصلاح ذات البين ولتردي أوضاع فرقته حيث لم يبق من ( 2000 ) رجل إلا قرابة ( 220 ) فقط ووفاتهم بسبب الجوع ( ولم تجد برقياته إستجابة واقعية رغم موافقة الجهات العليا في الدولة العلية على طلباته وتقديرهم للوضع القائم ، فخرج من نجد بمساعدة صالح المهنا في السنة المالية العثمانية ( 1321 هـ ) وتوافق ( 1323 ) إلى (الكويت) ثم إلى ( المحمرة ) حيث قابل نائب ( خزعل خان ) .
قال أبو حكيم : هو الشيخ خزعل شيخ القبائل العربية على الساحل الشرقي الخليج العربي حتى مضيق هرمز في إيران اليوم ، (هناك صورة متداولة تجمع الملك عبدالعزيز رحمه الله مع خزعل بن جابر حاكم عرب استان ) ، ثم انتقل الضابط حسن منها إلى بومباي بالهند حيث وصل إليها عام ( 1323 هـ ) وبذا ترك الحياة العسكرية التي أمضى فيها إحدى وعشرين سنة طاف خلالها أرجاء الجزيرة العربية . ثم غادر لمصر وتذكر وثائق عثمانية أنه عين ضابطا في الأمن فيها ، ومن هناك أرسل استقالته للباب العالي بين فيه سبب تركه للخدمة العسكرية بنجد ، وكتب كتابه فيها عام ( 1324 ) وطبعه أو طبع له في اسطنبول ثم انتقل إلى اسطنبول بعد سيطرة الاتحاد والترقي على الحكم ، وقد طلبت القيادة العسكرية العثمانية محاكمته على فراره وصدر عليه حكم بالسجن ستة أشهر مع نزع رتبه ونياشينه ، ولا أدري أنفذ الحكم أم لا .
الكتاب : يعد من أهم المصادر التاريخية العثمانية عن نجد ، نشر الكتاب في عام ( 1328 هـ ) في مطبعة أبي الضياء بإسطنبول ويقع في ( 291 ) صفحة من القطع الصغير ( 14x 19 ) سم .
جاء في الكتاب عن نجد : إحصاء لعدد السكان ، وتحديد المدن والقرى السكنية في المنطقة ونوعية طراز المباني وأشهر الأماكن فيها ، معرفة المبالغ التي كانت تدفعها المنطقة للدولة العثمانية من زكاة وضرائب ، معرفة المهن المنتشرة في المنطقة ، ذكر عادت النجديين وطرق عيشهم ، وفراستهم وأصولهم المتبعة في الحرب والسلم . معرفة طرق المواصلات والتجارة ، معرفة عدد الحجاج المارين بالمنطقة ووارداتهم لها ، ذكر مزايا العرب النجباء كما يصفهم المؤلف ، ذكر أعلام القبائل وألوانها ، يظهر من خلال الكتاب عدم قناعة الضابط بسياسة الدولة العثمانية في التعامل مع المنطقة وأهلها فمن ذلك قوله : ( إن الدولة ( يقصد العثمانية ) لو اتبعت سياسة رشيدة في المنطقة ، وتعاملت مع الأهالي تعاملا حسنا ، فإنهم سيردون عليها بالالتزام وأداء الواجبات ) وقال : ( إن أهل المنطقة يمتازون بالالتزام بصلاة الجماعة ، وعدم إبراز القبور ، بعيدون عن البدع والخرافات بعكس ما يشاع عنهم ) . وكان المؤلف يكتب مذكراته يوميا ويصف المناطق الجغرافية بدقة وبعدها عن السكن والمناطق المأهولة ، ولدية دقة في التواريخ باليوم والساعة ، وكانت لدى المؤلف ثقافة إسلامية جيدة قام المترجم ( د. سهيل صبان بن الشيخ إبراهيم حقي ) بترجمة القسم الأول من اللغة العثمانية إلى العربية عام ( 1422 هـ ) .
ذكر في ( ص 59 ) وما بعدها ( الحياة في نجد ) : ( ومع حدة أمزجتهم بشكل عام بسبب الموقع والجو حيث وجود ابن الستين والسبعين بل وحتى الخمسين من الكهول فيهم قليل جدا ، إلا أن إسناد ذلك إلى افتقاد الأمن في المنطقة أولى من إسناده إلى وخامة الجو ، لأن هناك من العلماء والعجّز ، الذين لم يشتركوا في الغزو ممن تجاوز المائة سنة .
وهم أقوياء البنية وأواسط القامة في الغالب وألوانهم بتأثير الجو والإقليم حنطية وعيونهم وشعورهم سوداء ، ومع عيشهم في هذه الصحارى الحارة إلا أنه يتصادف وجود النساء البيض الحسناوات فيهم ، ونساء قبائل …. والقصيم مشهورات بجمالهن ، ولا تكثر في نجد بين رجالها ونسائها العادة المكروهة الوشم ، ثم بيّن عادات الغزو والقتال والنهب في نجد ، ثم بين سرعة البديهة والعرف وأبراج المراقبة ووشم الإبل و آداب اللباس و التعامل ، ومن آداب الحديث قال : ( وآداب الحديث لأهل نجد بحضرهم وبدوهم على درجة عالية من المدح والثناء ، فلا يوجد عندهم الشتم أبدا ، كما أن أغلظ ألفاظهم في أشد حالات الحدة لا يتجاوز ” سلط الله عليك ” .
ثم تكلم عن الجراد والمأكولات وذكر أن أهل نجد أهل قناعة وتوكل وقال : ( بحسب ظني أن الطعام الذي يشبع به رجل وسط في جهة العراق يكفي لثلاثة من النجديين) . قال أبو حكيم : ثم خصنا المؤلف بقوله : ( ويشتهر أهل القصيم بكثرة الأكل ) .
ثم تكلم عن ( حبحب أبي جهل ) قال أبو حكيم : ( الحنظل) أو (الشري ) كما نعرفه عندنا بالعامية وبذره المسمى ( الهبود ) يصلح للأكل بعد معالجة طويلة . ثم قال : والنجديون مولعون بالقهوة حيث يحمصون البن دائما وهو طازج … إلى آخر ما سرد من أحوال أهلنا وأجدادنا رحمنا الله وإياهم ورحم المؤلف حيث لديه نفس إسلامي لطيف ويظهر ذلك في محاورته للرافضة في عقائدهم ونصره لمذهب أهل السنة .
والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
توفي إلى واسع رحمة الله في شهر جمادى الأولى عام 1439 للهجرة فغفر الله له وأنار له قبره .