الجمعة الثالثة / السابع عشر من محرم لعام 1437هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الخامسة و الخمسين بعد المائة (155) في تعداد الجمع ، وهي الثالثة ( 3 ) في عام (1437هـ ) وتوافق (1437 /1 /16 ) بحسب الرؤية ، وفي التقويم اليوم السابع عشر .

علي الطنطاوي أشهر من نار على علم  – وقد عشت ليالي من أجمل أيام القراءة  مع كتبه وأخص مذكراته ذات السبعة أجزاء فهو محمد بن مصطفى، الطنطاوي نسباً ، الدمشقي موطناً، الشافعي مذهبا ً، لقبهُ “علي الطنطاوي”. ولد الشيخ علي الطنطاوي في دمشق بسوريا في 23 جمادى الأولى 1327هـ (12 يونيو 1909م)  ،  أسرته أصلها من طنطا عاصمة إقليم الغربية في مصر ، سافر جده وعمه  منها سنة ( 1255هـ ). أبوه مصطفى الطنطاوي كان واحداً من العلماء المعدودين آنذاك في الشام ووصفه علي الطنطاوي بأنه : ( من صدور الفقهاء ومن الطبقة الأولى من المعلمين والمربين (وقال عنه أيضاً : ( (كنت منذ وعيت أجد – إذا أصبحت – مشايخ بعمائم ولحي يقرؤون على أبي).
وقد توفي والده في عام 1925م ، و كان عمره آنذاك ست عشرة سنة وثلاثة أشهر . كانت أسرة أمه أيضاً من الأسر العلمية الكبيرة في الشام فمثلاً : خاله ، أخو أمه ، هو محب الدين الخطيب الذي استوطن مصر وأنشأ فيها صحيفتي الفتح و الزهراء ، وكان له أثر كبير في الدعوة هنالك ، إذاً فلا عجب أن يكون علي الطنطاوي عالماً من العلماء.

خاض غمار حياة طويلة مليئة بالأحداث والآراء والحكم   وقد سجلها في كتبه التي تزيد عن ثلاثين كتابا

ثم بات الشيخ في آخر أيامه ينسى بعضاَ من شؤون يومه ، فكان يصلي الفريضة مرتين خشية أن يكون قد نسيها ، وتوقف عن الفتوى مخافة الزلل والنسيان ، ولكن الواقع أنه كان قادراً على استرجاع المسائل والأحكام بأحسن مما يستطيعه كثير من الرجال والشبان . ومضى على هذه الحال حتى تعب قلبه الكبير، فأُدخل المستشفى مرات عدة ، وكانت الأزمات متباعدة في أول الأمر ، ثم تقاربت حتى أصبح كثير التنقل بين البيت والمستشفى . ثم أتم الله قضاءه فمضى إلى حيث يمضي كل حي ، وفاضت روحه بعد عشاء يوم الجمعة ، الثامن عشر من حزيران ، عام( 1999م)  ( الموافق 4 ربيع الأول 1420هـ )في قسم العناية المركزة بمستشفى الملك فهد بجدة ، ودفن في مكة في اليوم التالي بعدما صُلّي عليه في الحرم المكي الشريف .

ومن كتاب تعريف عام بدين  الإسلام  – وفي خزانتي طبعة درا المنارة بجدة الطبعة الأولى عام ( 1409 )  (ودار المنارة طبعت كتب الشيخ رحمه الله )  ننتقي لكم هذا الجزء :   

مَظاهِرُ الإِيمَانِ
التلميذ الذي يؤمن بأن الامتحان قريب ، لم يبق دونه إلا أسبوع ، ثم لا يستعد له ، ولا يهتم به ، بل يشتغل عنه باللهو واللعب ، لا يكون كامل الإِيمان بقرب الامتحان . والتائه الذي ترشده إلى الطريق الموصل ، فيصدقك ويؤمن بكلامك ، ثم يمشي إلى الشمال بدلاً من اليمين ، لا يكون تام الإِيمان بصدق المرشد . فالإيمان الكامل تبدو آثاره في أعمال المؤمن ، وفي سلوكه .
الإِيمان والعمل :


فالإِيمان لا ينفك عن العمل ، لأن العمل نتيجة له ، وثمرة من ثمراته ، وهو مظهره الذي يظهر به للناس . والذي يقول ( إن الإِيمان بالقلب ) ولا يؤدي الفرائض ولا يدع المحرمات ، كالّذي يدّعي أنه العاشق المتيّم ، ثم يدخل عليه المحبوب فلا يتبدل نبضه ، ولا يسرع أو يبطىء في عروقه دمه أو أنه خائف مذعور ثم لا ينعكس خوفه فراراً ، ولا هجوماً ، لا يكون عاشقاً ولا خائفاً ، لأن الأثر ( أي رد الفعل reflexe ) هو الدليل على ما في القلب حتى أن ( وليم جمس ) من علماء النفس السلوكيين ( أي البراغماتيست ) يبالغ فيقول أنه يهرب ثم يخاف . ولذلك قرن الله الإِيمان بالعمل الصالح : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ، أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً … } . { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ … } . { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ … } . { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ … } .

الإِيمان يزيد :
مِن العلماء مَنْ نظر إلى الإِيمان ، باعتباره عقيدة ، لا تقبل التجزئة ، فلا يكون المرء إلا واحداً من اثنين : مؤمناً ، أو كافراً ، ولا توسط بينهما ، فذهبوا إلى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص .
ولكن الجمهور نظر إليه ، مقروناً بالعمل الصالح ، فرأوه يزيد بازدياده ، وهذا هو الحق الذي وردت به النصوص القاطعة ، قال تعالى :{ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً } . { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً } . { وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } .

شبهة وردها :
يسأل كثيرون : ما بال الكافر يعمل على ما ينفع الناس ، يوزع الصدقات ، ويبني الملاجىء والمستشفيات ، ويفتح المدارس ، ثم لا يكون له عندكم ثواب في الآخرة ؟ والرد : أن الله لا يضيع عمل عامل من ذكر وأنثى ، ولا يحرم محسناً ثمرة إحسانه ، بل يعطيه ما يطلبه ، أليس الجزاء الأعظم أن تعطي المحسن ما يطلبه ؟ .
فإن كان المحسن مؤمناً ، مصدقاً بالآخرة ، وطلب ثوابها ، أعطاه الله ثواب الآخرة ، وإن كان ( هو نفسه ) لا يريد إلا الدنيا ، والشهرة ، والذكر الحسن ، وأن تكتب الجرائد عنه ، ويسجل التاريخ اسمه ، أعطاه ما يطلبه .
هو لا يريد الآخرة ، فلماذا تحزن أنت ، وتعترض إذا لم يمنح ثوابها ؟ .

والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

اترك تعليقاً