الجمعة السادسة والاربعين / السابع والعشرين من ذو القعدة لعام 1436هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الثامنة واﻷربعين بعد المائة (148) في تعداد الجمع ، وهي السادسة اﻷربعين (46 ) من عام 1436 وتوافق ( 1436 / 11 / 27 ) بحسب الرؤية والتقويم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سبحان من له البقاء وسبحان من قدر اﻵجال فلا  تسرع به الشجاعة واﻹقدام  وﻻ يؤخره الجبن والخور واﻹحجام
أيها المحترمون أطالع كتاب ( لُباب اﻵداب ) للأمير أسامة بن منقذ حققه ( أحمد بن محمد شاكر ) وطبعته دار الجيل في بيروت طبعته اﻷولى عام ( 1411 )  في كتاب مجلد يقع في ( 526 ) صفحة بالفهارس من القطع العادي  .
واﻷمير أسامة بن مرشد  … بن منقذ عربي قحطاني وعائلته كان ملكها في أطراف حلب قرب قلعة ( شيزر ) بل ملكوها بعد ، وهذا الحصن قرب ( حماة ) على بعد خمسة عشر ميلا ولم يزل قائما إلى اليوم ، معروف باسم ( سيجر ) تصحيف ( شيزر ) كما ذكر اﻷستاذ( فليب حتى ) في مقدمة كتاب (اﻻعتبار ) ( قال أبو حكيم : كتاب آخر ﻷسامة بن منقذ في مجلد واحد وهو على اسمه حيث ذكر فيه عن نفسه وحاله ،من عجيب الوقائع وصروف الدهر وضروب الشجاعة في القتال مع العدو والحيوان ( اﻷسد )، وكيف كانت علاقة المسلمين باﻹفرنج ( الصليبيين ) ،وبيان ما عليه الفرنجة من الجهل في العلوم على شجاعتهم في القتال ، وكما تجد فيه من اﻷدب ما تلتذ به القراءة ) .
ولد أسامة في (27) جمادى اﻵخرة سنة (488 ) بقلعة شيزر  يكنى (بأبي المظفر ) وهي اﻷشهر وقيل كنيته ( أبو أسامة  ، وأبو الفوارس ) ويلقب ب( مؤيد الدولة مجد الدين ) .
يقول أسامة عن نفسه بعد أن جاوز التسعين ، إذ يحكي عن بعض ما لقي من اﻷهوال : (  فهذه نكبات تزعزع الجبال ، وتفني اﻷموال ، والله سبحانه يعوض برحمته ، ويختم بلطفه ومغفرته ، وتلك وقعات كبار شاهدتها ، مضافة إلى نكبات نُكبتها ، سلمت فيها  اﻷنفس لتوقيت اﻵجال ، وأُجحفت بهلاك المال ) ( اﻻعتبار 35 ) ويقول أيضا : (فلا يظن ظان أن الموت يقدمه ركوب الخطر ، وﻻ يؤخره شدة الحذر ، ففي بقائي أوضح معتبر ، فكم لقيت من اﻷهوال ، وتقحمت المخاوف واﻷخطار ، وﻻقيت الفرسان وقتلت اﻷسود ، وضُربت بالسيوف وطُعنت بالرماح ، وجرحت بالسهام والجروخ { من أدوات الحرب ترمى عنها السهام والحجارة والكلمة معربة عن التركية أو الكردية } – وأنا من اﻷجل في حصن حصين – إلى أن بلغت تمام التسعين… فأنا كما قلت :
مع الثمانين عاث الدهر في جَلَدِي   …  وساءني ضعف رجلي واضطراب يدي
إذا كتبت فخطي جد مضطربٍ   …   كخط مرتعش الكفين مرتعد
فاعجبْ لضعف يدي عن حملها قلما    …  من بعد حطم القنا في لَبة اﻷسد
وإن مشيت وفي كفي العصا ثقلت    …  رجلي كأني أخوض الوحل في الجلد
فقل لمن يتمنى طول مدته    …    هذي عواقب طول العمر والمُدد
ومع شجاعته وكثرة حروبه كان له في العلم نصيب حيث قال عن نفسه إنه يحفظ من الشعر الجاهلي ( 20,000 ) بيت وكان شاعرا فحلا حتى أن السلطان صلاح الدين – رحمه الله – لشغفه بديوان شعره كان يفضله على جميع الدواوين )  خرج من حصن شيزر أو أخرج -( عام 532 ) وهذا من نعيم الله عليه فبعد ( 20 ) سنة عام ( 552 ) حصل زلزال هدم الحصن فقتل من فيه من أهله (آل منقذ ) فكان إخراجه سبب نجاته فسبحان من يقدر اﻷقدار والناس في غفلة عن خيرية قدر الله – فخرج إلى دمشق وأقام بها نحوا من ثمان سنين ثم خرج منها لمصر  وأكرم بها إلى أن حصلت فيها فتن ( قتل وزيروخليفه عبيدي ) ونسب بعض مناوئه يدا له فيها  – ولا يد له فيها  –  فخرج منها لدمشق  ثم انتقل بأهله إلى (حصن كيفا) بين الشام والعراق على نهر دجلة ، ثم استدعاه صلاح الدين لدمشق لما أخذها ( لجميل ذكر مرهف بن أسامة له عند صلاح الدين حيث كان أنيسه وجليسه ) فأتى إليه وهو شيخ قد جاوز الثمانين ، فقربه صلاح الدين وكان يذاكره اﻷدب ويستشيره في ملماته  ويكتب له وقائعه  ، ومكث في دمشق إلى أن توفي فيها – رحمه الله – ليلة الثلاثاء ( 23  رمضان سنة 584 ) ووصفه الذهبي بقوله : ( أحد أبطال اﻹسلام ورئيس الشعراء اﻷعلام ) وقال ياقوت في معجم اﻷدباء : ( في بني منقذ جماعة أمراء شعراء ، لكن أسامة أشعرهم وأشهرهم ) .
وله كتب منها ( لباب اﻵداب ) ألفه وهو ابن إحدى وتسعين سنة ، وكتاب ( اﻻعتبار ) في سيرته وأحواله ، ألفه وهو ابن تسعين سنة ، وله ( البديع في نقد الشعر ) وله ( التأسي والتسلي ) و ( الشيب والشباب ) و ( النوم اﻷحلام ) و ( أزهار اﻷنهار ) و ( التاريخ البدري ) و ( التجائر المربحة والمساعي المنجحة ) و ( كتاب القضاء) و (تاريخ القلاع والحصون ) و ( نصيحة الرعاة) و ( أخبار النساء ) و ( كتاب المنازل والديار ) و ( أخبار البلدان ) في مدة عمره  و( ذيل  يتيمة الدهر ) و ( كتاب في أخبار أهله ) وله (ديوان شعر ذكر ابن خلكان أنه في جزأين ) .
كتاب ( لباب اﻵداب ) فيه ( سبعة) أبواب ( الوصايا ، السياسة ، الكرم ، الشجاعة ، اﻵداب ، ثم فصول في الآداب ككتمان السر وأداء الأمانة والتواضع وحسن الجوار …  ثم باب البلاغة ثم ختم بباب الحكمة ).  وأختم بهذه الملحة
قدم أعرابي على اﻷمير طوق بن مالك يسترفده على صروف الزمان فأنشده قصيدة كان من آخرها  :
فجئت يا طوق عائذا بك من
شر الزمان وسوء أعمالي
فضحك طوق وقال : يا أعرابي ، أما شر زمانك فقد بدا لنا من قبيح حالك ، فما سوء أعمالك ؟ فقال : أصلح الله اﻷمير ، العُزْْبَة ، فقال طوق : نكد وشؤم ، ثم أمر له بجائزة وجارية وخلع ودابة ، وانصرف إلى أهله على أحسن حال .
والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

اترك تعليقاً