السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منتخبات من تاريخ ( ابن كثير) – رحمه الله –( البداية والنهاية ) (طبعة دار ابن رجب من المجلد السابع ، الجزء الرابع عشر ) ، عام ( 724 هـ) في الثالث والعشرين من شهر شوال وُجد (كريم الدين الكبير) وكيل السلطان ، قد شنق نفسه داخل خزانة له قد أغلقها عليه من الداخل ، وربط حلقه في حبل ، وكان تحت رجليه قفص فدفع القفص برجله فمات في مدينة أُسوان .
وفي ذات العام توفي الشيخ ( محمد بن جعفر بن فرعُوش) ويقال له : اللباد ويعرف بالمُولَّه ، كان يقرئ الناس بالجامع نحوا من أربعين سنة ، وقد قرأت عليه شيئا من القرآن ، وكان يعلم الصغار الحروف المُشِقّة كالراء ونحوها ( قال أبو حكيم : هنا ما يمكن أن نسميه في عصرنا أحد جوانب تخصص صعوبات التعلم )، وكان متقللا من الدنيا لا يقتني شيئا ، وليس له بيت ولا خزانة إنما كان يأكل في السوق وينام في الجامع ، وتوفي في مستهل صفر وقد جاوز السبعين ودفن بباب الفراديس رحمه الله .
وخذ العجب من هذا الخبر : الشيخ حسن الكردي المُولَّه ، كان يخالط النجاسات والقاذورات ويمشي حافيا ، وربما تكلم بشيء من الهذيانات التي تشبه علم المغيبات ، ولبعض الناس فيه اعتقادات ، كما هو المعروف من أهل العمى والضلالات ، مات في شوال من عام ( 724 هـ ) .
وفي عام ( 725 هـ ) توفي ( إبراهيم المُولَّه ) الذي يقال له القميني لإقامته بالقمامين خارج باب شرقي، وربما كاشف بعض الشيء ، ومع هذا لم يكن من أهل الصلاة، وقد استتابه الشيخ ( تقي الدين ابن تيمية) وضربه على ترك الصلوات ومخالطة القاذورات، وجمع النساء والرجال حوله في الأماكن النجسة. توفي كهلاً في شهر محرم .
وفيها خبر عن هذا الرجل الذي استغل مواهبه قال ابن كثير -رحمه الله -(البدر العوام وهو محمد بن علي البابا الحلبي) ، وكان فرداً في العوم، وطيب الأخلاق ، انتفع به جماعة من التجار في بحر اليمن كان معهم فغرق بهم المركب، فلجأوا إلى صخرة في البحر فكانوا عليها ، فخلصهم الله تعالى على يديه واحدا واحدا إلى الساحل ، وكانوا ثلاثة عشر، ثم إنه غطس فاستخرج لهم أموالاً من قرار البحر بعد أن أفلسوا وكادوا أن يهلكوا. وكان فيه ديانة وصيانة، وقد قرأ القرآن وحج عشر مرات، وعاش ثمانٍ وثمانين سنة رحمه الله، وكان يسمع الشيخ (تقي الدين ابن تيمية) كثيراً.
( قال أبو حكيم : نسأل الله الثبات على الدين فما يغني الإنسان عن نفسه إن لم يكن له من الله عاصم ) ، قد ذكر ابن كثير – رحمه الله تعالى – من حوادث عام ( 726 هـ ) قال : ( وفي يوم الثلاثاء حادي عشرين ربيع الأول بُكرة ضُربت عنق : ( ناصر بن الشرف أبي الفضل بن إسماعيل بن الهيتي ) بسوق الخيل ، على كفره واستهانته واستهتاره بآيات الله، وصحبته الزنادقة، ك ( النجم بن خلكان، والشمس محمد الباجربقي، وابن المعمار البغدادي ) ، وكلٌ فيهم انحلال وزندقة مشهور ٌ بها بين الناس . قال الشيخ علم الدين البرزالي : وربما زاد هذا المذكور المضروب العنق عليهم بالكفر والتلاعب بدين الإسلام ، والاستهانة بالنبوة و القرآن . قال : وحضر قتله العلماء والأكابر وأعيان الدولة .
قال أبو حكيم : ( هنا موطن الشاهد نسأل الله تعالى الثبات ، قال ابن كثير نقلا عن البرزالي رحمهما الله ) : وكان هذا الرجل ( أي : ناصر بن الشرف أبي الفضل بن إسماعيل بن الهيتي ) في أول أمره قد حفظ (التنبيه) ( قال أبو حكيم : لعله يقصد كتاب : التنبيه في الفقه على مذهب الإمام الشافعي تأليف: أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي ) ، وكان يقرأ في الختم بصوت حسن ، وعنده نباهة وفهم ، وكان منزلاً في المدارس والتُرَب ، ثم إنه انسلخ من ذلك جميعه ، وكان قتله عزاً للإسلام وذلاً للزنادقة وأهل البدع . قلت : ( ابن كثير ) : وقد شهدت قتله ، وكان شيخنا (أبو العباس بن تيمية) حاضراً يومئذ ، وقد أتاه وقرّعه على ما كان يصدر منه قبل قتله ، ثم ضربت عنقه وأنا شاهد ذلك .(قال أبو حكيم :أما صاحبه في الضلالة ( الشمس محمد الباجربقي )) فقد كانت وفاته ( 16 ربيع الآخر عام 724 هـ ) قال ابن كثير – رحمه الله عنه – : (الشمس محمد الباجربقي _ (قال أبو حكيم : باجرقة قرية من قرى ما بين النهرين في العراق ) ، تنسب إليه الفرقة الضالة الباجربقية ، والمشهور عنهم إنكار الصانع جل جلاله ، وتقدست أسماؤه ، وقد كان والده الشيخ (جمال الدين عبد الرحيم بن عمر الموصلي) رجلا صالحا من علماء الشافعية ، ودرس في أماكن بدمشق ، ونشأ ولده هذا بين الفقهاء ، واشتغل بعض شيء ، ثم أقبل على السلوك ، ولازمه جماعة يعتقدون فيه ويزورونه ممن هو على طريقته ، وآخرون لا يفهمونه ، ثم حكم القاضي المالكي بإراقة دمه ، فهرب إلى الشرق ( قال أبو حكيم : ذكر الصفدي أنه هرب للقاهرة حتى ظهر منه ما يخالف الدين فهرب إلى العراق ) ، ثم إنه أثبت عداوة بينه وبين الشهود ( قال أبو حكيم : قام بذلك أخوه ) ، فحكم القاضي الحنبلي بحقن دمه ( قال أبو حكيم : فعرف القاضي المالكي بنقض القاضي الحنبلي لحكمه ، فجدد إهدار دمه ، فأقام بالقابون ( قال أبو حكيم : هي قرية من قرى دمشق ) ( متخفيا ) مدة سنين حتى كانت وفاته ليلة الأربعاء سادس عشر ربيع الآخر ، ودفن بالقرب من مغارة الدم بسفح قاسيون في قبة في أعلى ذيل الجبل تحت المغارة ، وله من العمر ستون سنة . ( ما بين القوسين من منقول أبي حكيم -عفى الله عنه -من مصادر أخرى وليس من قول ابن كثير -رحمه الله – )
ومن الأخبار الطريفة قول ابن كثير رحمه الله : وفي شهر ربيع الأول سنة ( 726 هـ) رُسم في إخراج الكلاب من مدينة دمشق فجعلوا في الخندق من جهة باب الصغير من ناحية باب شرقي ، الذكور على حدة والإناث على حدة ، وألزم أصحاب الدكاكين بذلك، وشددوا في أمرهم أياما .(قال أبو حكيم: أسأل الله أن يخرج منها كلابها في عصرنا)
وأما إنصاف أهل السنة وعفة ألسنتهم في خصومهم فشيء عجيب ، فتأملوا معي هذا النص عن ابن المُطهَّر الشيعي وهو ممن توفي في عام ( 726 هـ ) : (ابن الـمُطَهَّر الشيعي جمال الدين أبو منصور حسن بن يوسف بن مُطهَّر الحلي العراقي الشيعي) ، شيخ الروافض بتلك النواحي ، وله التصانيف الكثيرة ، يقال : إنها تزيد على مائة وعشرين مجلدا ، وعدتها خمسة وخمسون مصنفا ، في الفقه ، والنحو ، والأصول ، والفلسفة ، والرفض ، وغير ذلك من كبار وصغار ؛ فمن أشهرها بين الطلبة ” شرح مختصر ابن الحاجب ” في أصول الفقه ، وليس بذاك الفائق ، ورأيت له مجلدين في أصول الفقه على طريقة ” المحصول ” و ” الأحكام ” ، ولا بأس بها ، فإنها مشتملة على نقل كثير وتوجه جيد ، وله كتاب ” منهاج الاستقامة في إثبات الإمامة ” خبط فيه في المعقول والمنقول ، ولم يدر كيف يتوجه ، إذ خرج عن الاستقامة ، وقد انتدب للرد عليه في ذلك الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام ( أبو العباس ابن تيمية ) في مجلدات ، أتى فيها بما يبهر العقول من الأشياء المليحة الحسنة ، وهو كتاب حافل .
ولد (ابن الـمُطَهَّر) – الذي لم تَطهُر خلائقه ، ولم يَتَطهَّر من دنس الرفض – في ليلة الجمعة سابع عشرين رمضان سنة ثمان وأربعين وستمائة ، وتوفي ليلة الجمعة عشرين المحرم من هذه السنة ، وكان اشتغاله ببغداد وغيرها من البلاد ، واشتغل على (النصير الطوسي ) وعلى غيره ، ولما ترفض الملك ( خربندا ) ، حظي عنده (ابن المطهر) وساد جدا ، وأقطعه بلادا كثيرة .
والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .