الجمعة الثالثة والاربعين / السادس من ذي القعدة لعام 1436هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الخامسة والأربعين بعد المائة (145 ) في تعداد الجمع ، وهي الثالثة والأربعين ( 43 ) من عام 1436 هـ وتوافق ( 1436/11 /6 هـ ) بحسب الرؤية والتقويم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

منتخبات من تاريخ ( ابن كثير) – رحمه الله –( البداية والنهاية )  (طبعة دار ابن رجب  من المجلد السابع ، الجزء الرابع عشر )   ، عام ( 724 هـ) في الثالث والعشرين من شهر شوال وُجد (كريم الدين الكبير)  وكيل السلطان ، قد شنق نفسه داخل خزانة له قد أغلقها عليه من الداخل ، وربط حلقه في حبل ، وكان تحت رجليه قفص فدفع القفص برجله فمات في مدينة أُسوان .

وفي ذات العام توفي الشيخ ( محمد بن جعفر بن فرعُوش) ويقال له : اللباد  ويعرف بالمُولَّه ، كان يقرئ الناس بالجامع نحوا من أربعين سنة ، وقد قرأت عليه شيئا من القرآن ، وكان يعلم الصغار الحروف المُشِقّة كالراء ونحوها ( قال أبو حكيم : هنا ما يمكن أن نسميه في عصرنا أحد جوانب تخصص صعوبات التعلم )، وكان متقللا من الدنيا  لا يقتني شيئا ، وليس له بيت ولا خزانة إنما كان يأكل في السوق وينام في الجامع ، وتوفي في مستهل صفر وقد جاوز السبعين ودفن بباب الفراديس رحمه الله .

وخذ العجب من هذا الخبر : الشيخ حسن الكردي المُولَّه ، كان يخالط النجاسات والقاذورات ويمشي حافيا ، وربما تكلم بشيء من الهذيانات التي تشبه علم المغيبات ، ولبعض الناس فيه اعتقادات ، كما هو المعروف من أهل العمى والضلالات ، مات في شوال من عام ( 724 هـ ) .

وفي عام ( 725 هـ ) توفي ( إبراهيم  المُولَّه )  الذي يقال له القميني لإقامته بالقمامين خارج باب شرقي، وربما كاشف بعض الشيء ، ومع هذا لم يكن من أهل الصلاة، وقد استتابه الشيخ ( تقي الدين ابن تيمية) وضربه على ترك الصلوات ومخالطة القاذورات، وجمع النساء والرجال حوله في الأماكن النجسة‏.‏ توفي كهلاً في شهر محرم .

وفيها خبر عن هذا الرجل الذي استغل مواهبه قال ابن كثير -رحمه الله -(البدر العوام وهو محمد بن علي البابا الحلبي) ، وكان فرداً في العوم، وطيب الأخلاق ، انتفع به جماعة من التجار في بحر اليمن كان معهم فغرق بهم المركب، فلجأوا إلى صخرة في البحر فكانوا عليها ، فخلصهم الله تعالى على يديه واحدا واحدا إلى الساحل ، وكانوا ثلاثة عشر، ثم إنه غطس فاستخرج لهم أموالاً من قرار البحر بعد أن أفلسوا وكادوا أن يهلكوا‏.‏ وكان فيه ديانة وصيانة، وقد قرأ القرآن  وحج عشر مرات، وعاش ثمانٍ وثمانين سنة رحمه الله، وكان يسمع الشيخ (تقي الدين ابن تيمية)  كثيراً‏.‏

( قال أبو حكيم : نسأل الله الثبات على الدين فما يغني الإنسان عن نفسه إن لم يكن له من الله عاصم )  ، قد ذكر ابن كثير – رحمه الله  تعالى – من حوادث عام ( 726 هـ ) قال : ( وفي يوم الثلاثاء حادي عشرين ربيع الأول بُكرة ضُربت عنق : ( ناصر بن الشرف أبي الفضل بن إسماعيل بن الهيتي )  بسوق الخيل ، على كفره واستهانته واستهتاره بآيات الله، وصحبته الزنادقة، ك ( النجم بن خلكان، والشمس محمد الباجربقي، وابن المعمار البغدادي ) ، وكلٌ  فيهم انحلال وزندقة مشهور ٌ بها بين الناس‏ .‏     قال الشيخ علم الدين البرزالي‏ :‏ وربما زاد هذا المذكور المضروب العنق عليهم بالكفر والتلاعب بدين الإسلام ، والاستهانة بالنبوة و القرآن ‏.‏  قال‏ :‏ وحضر قتله العلماء والأكابر وأعيان الدولة‏  .‏

قال أبو حكيم : ( هنا موطن الشاهد نسأل الله تعالى الثبات ،  قال ابن كثير نقلا عن البرزالي رحمهما الله ) ‏:‏ وكان هذا الرجل ( أي : ناصر بن الشرف أبي الفضل بن إسماعيل بن الهيتي )  في أول أمره قد حفظ ‏(‏التنبيه‏)‏ ( قال أبو حكيم : لعله يقصد  كتاب  : التنبيه في الفقه على مذهب الإمام الشافعي تأليف: أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي ) ، وكان يقرأ في الختم بصوت حسن ، وعنده نباهة وفهم ، وكان منزلاً في المدارس والتُرَب ، ثم إنه انسلخ من ذلك جميعه ، وكان قتله عزاً للإسلام وذلاً للزنادقة وأهل البدع ‏.‏     قلت : ( ابن كثير ) ‏:‏ وقد شهدت قتله ، وكان شيخنا (أبو العباس بن تيمية)  حاضراً يومئذ ، وقد أتاه وقرّعه على ما كان يصدر منه قبل قتله ، ثم ضربت عنقه وأنا شاهد ذلك ‏.‏(قال أبو حكيم :أما صاحبه في الضلالة ( الشمس محمد الباجربقي )) فقد كانت وفاته ( 16 ربيع الآخر عام 724 هـ )   قال  ابن كثير – رحمه الله عنه –  : (الشمس محمد الباجربقي _ (قال أبو حكيم : باجرقة قرية من قرى ما بين النهرين في العراق ) ،  تنسب إليه الفرقة الضالة الباجربقية ، والمشهور عنهم إنكار الصانع جل جلاله ، وتقدست أسماؤه ، وقد كان والده الشيخ (جمال الدين عبد الرحيم بن عمر الموصلي) رجلا صالحا من علماء الشافعية ، ودرس في أماكن بدمشق ، ونشأ ولده هذا بين الفقهاء ، واشتغل بعض شيء ، ثم أقبل على السلوك ، ولازمه جماعة يعتقدون فيه ويزورونه ممن هو على طريقته ، وآخرون لا يفهمونه ، ثم حكم القاضي المالكي بإراقة دمه ، فهرب إلى الشرق ( قال أبو حكيم : ذكر الصفدي أنه هرب للقاهرة حتى ظهر منه ما يخالف الدين فهرب إلى العراق  )  ، ثم إنه أثبت عداوة بينه وبين الشهود ( قال أبو حكيم : قام بذلك أخوه )  ، فحكم القاضي الحنبلي بحقن دمه ( قال أبو حكيم : فعرف القاضي المالكي بنقض القاضي الحنبلي لحكمه ، فجدد إهدار دمه  ، فأقام بالقابون ( قال أبو حكيم : هي قرية من قرى دمشق ) ( متخفيا )  مدة سنين حتى كانت وفاته ليلة الأربعاء سادس عشر ربيع الآخر ، ودفن بالقرب من مغارة الدم بسفح قاسيون في قبة في أعلى ذيل الجبل تحت المغارة ، وله من العمر ستون سنة . ( ما بين القوسين من منقول أبي حكيم -عفى الله عنه -من مصادر أخرى وليس من قول ابن كثير  -رحمه الله – )

 ومن الأخبار الطريفة  قول ابن كثير رحمه الله : وفي شهر ربيع الأول سنة ( 726 هـ)  رُسم في إخراج الكلاب من مدينة دمشق فجعلوا في الخندق من جهة باب الصغير من ناحية باب شرقي ، الذكور على حدة والإناث على حدة ، وألزم أصحاب الدكاكين بذلك، وشددوا في أمرهم أياما .(قال أبو حكيم: أسأل الله أن يخرج منها كلابها في عصرنا)

وأما إنصاف أهل السنة وعفة ألسنتهم في خصومهم فشيء عجيب ،  فتأملوا معي هذا النص عن ابن المُطهَّر الشيعي وهو ممن توفي في عام ( 726 هـ ) :  (ابن الـمُطَهَّر الشيعي جمال الدين أبو منصور حسن بن يوسف بن مُطهَّر الحلي العراقي الشيعي)  ، شيخ الروافض بتلك النواحي ، وله التصانيف الكثيرة ، يقال : إنها تزيد على مائة وعشرين مجلدا ، وعدتها خمسة وخمسون مصنفا ، في الفقه ، والنحو ، والأصول ، والفلسفة ، والرفض ، وغير ذلك من كبار وصغار ؛ فمن أشهرها بين الطلبة ” شرح مختصر ابن الحاجب ” في أصول الفقه ، وليس بذاك الفائق ، ورأيت له مجلدين في أصول الفقه على طريقة ” المحصول ” و ” الأحكام ” ، ولا بأس بها ، فإنها مشتملة على نقل كثير وتوجه جيد ، وله كتاب ” منهاج الاستقامة في إثبات الإمامة ” خبط فيه في المعقول والمنقول ، ولم يدر كيف يتوجه ، إذ خرج عن الاستقامة ، وقد انتدب للرد عليه في ذلك الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام ( أبو العباس ابن تيمية )  في مجلدات ، أتى فيها بما يبهر العقول من الأشياء المليحة الحسنة ، وهو كتاب حافل .
ولد (ابن الـمُطَهَّر) – الذي لم تَطهُر خلائقه ، ولم يَتَطهَّر من دنس الرفض – في ليلة الجمعة سابع عشرين رمضان سنة ثمان وأربعين وستمائة ، وتوفي ليلة الجمعة عشرين المحرم من هذه السنة ، وكان اشتغاله ببغداد وغيرها من البلاد ، واشتغل على (النصير الطوسي ) وعلى غيره ، ولما ترفض الملك ( خربندا ) ، حظي عنده (ابن المطهر)  وساد جدا ، وأقطعه بلادا كثيرة .

والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

اترك تعليقاً