الجمعة الثالثة والعشرين / الحادية عشر من جمادي الثاني 1435هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الرابعة و السبعين ( 74 ) في تعداد الجمع ، والجمعة الثالثة والعشرين ( 23 ) من عام 1435 هـ وتوافق (1435 / 6 / 11 ) بحسب التقويم

الحمد الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده  : في محكم التنزيل في سورة الإسراء (‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي )  و عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق : ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الله إليه الملك ،  فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد ، فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)  رواه البخاري ومسلم .

قال أبو حكيم : للإنسان أربع حيوات أما الأولى : فهي حياته في بطن أمه ( جسد ، ثم روح وجسد )  ، الثانية : الحياة في الدنيا ( وهي روح وجسد )  ، أما الثالثة : فهي الحياة البرزخية ( روح بلا جسد ) حيث يفنى الجسد في التراب إلا عجب الذنب ، أما الرابعة فهي حياة الآخرة الحياة الأبدية ( روح وجسد ) .

ولكل مرحلة خصائصها التي تميزها بقدرة العزيز العليم فسبحان  (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ) السجدة .

ونتكلم اليوم عن الروح بعد مفارقتها الجسد وقبل يوم القيامة أين تكون ؟  وننقل كلام ابن القيم رحمه الله في كتابه الروح .

نقل الدكتور الصادق محمد إبراهيم في هامش تحقيقه لكتاب التذكرة في ص ( 236 ) في المجلد الأول بتصرف يسير جدا

( باب : في شأن الروح وأين تصير حين تخرج من الجسد : قال أبو الحسن القابسي رحمه الله ( قال أبوحكيم

: أبو الحسن عالم المغرب ولد بالقيروان وتوفي بها عام 403 هـ وهو مالكي المذهب )

 : ( الصحيح من المذهب والذي عليه أهل السنة أنها ترفعها الملائكة حتى توقفها بين يدي الله تعالى … )

قال المحقق في الهامش :

بحث الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله مسألة استقرارا الأرواح ما بين الموت إلى يوم القيامة بتوسع في كتابه الروح ( ص 90 ) وما بعدها فذكر اختلاف الأقوال فيها بأدلتها و تفنيد الباطل منها والجمع والربط بين أقوال أهل العلم في ذلك ، ثم قال : قد ذكرتم أقوال الناس في مستقر الأرواح ومأخذهم ، فما هو الراجح من هذه الأقوال حتى نعتقده ؟

قال رحمه الله :  قيل : الأرواح متفاوتة في مستقرها  في البرزخ أعظم تفاوت  ،( قال أبو حكيم : البرزخ الحاجز بين الشيئين ، فكأن حياة القبر حاجز بين الحياة الدنيا والحياة الأخرى ) 

فمنها أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى وهي أرواح الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، وهم متفاوتون في منازلهم كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء ، ومنها أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت وهي أرواح بعض الشهداء لا جميعهم ، بل من الشهداء من يحبس عن دخول الجنة لدين عليه كما في مسلم و المسند : ( يا رسول الله ما لي إن قتلت في سبيل الله ؟ قال الجنة ، فلما ولى قال : إلاّ الدين سارّني بها جبريل آنفا ) ، ومنهم من يكون محبوسا على باب الجنة  ( رأيت صاحبكم محبوسا على باب الجنة ) أخرجه أحمد في المسند والطبراني في الكبير ، ومنهم من يكون محبوسا في قبره كحديث صاحب الشملة التي غلها ثم استشهد ، فقال الناس : هنيئا له الجنة . ( قال أبو حكيم : حصلت في فتح خيبر ومختلف في تعيين صاحبها وقالوا : إنه غلام  مملوك …)  فقال صلى الله عليه وسلم  ( والذي نفسي بيده إن الشملة التي غلها لتشتعل عليه نارا في قبره ) رواه البخاري ومسلم ،  ومنهم من يكون مقره باب الجنة كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما : (  الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج إليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشية ) رواه أحمد والطبراني في الكبير وفي مستدرك الحاكم ،  وهذا بخلاف ( جعفر بن أبي طالب ) رضي الله عنه حيث أبدله الله من يديه بجناحين يطير فيهما في الجنة حيث شاء .

ومنهم من يكون محبوسا في الأرض لم تعل روحه للملأ الأعلى فإنها كانت روحا سفلية أرضية …

ومنها أرواح تكون في تنور الزناة والزواني ، وأرواح في نهر الدم تلقم الحجارة .

فليس للأرواح شقيها و سعيدها مستقر واحد ، ولا تظن أن بين الآثار الصحيحة في هذا الباب تعارضا فإن كلها حق يصدق بعضها بعضا ولكن الشأن في فهما ومعرفة النفس وأحكامها وأن لها شأنا غير البدن وأنها مع كونها في الجنة فهي في السماء وتتصل بفناء القبر والبدن فيه ، وهي أسرع شيء حركة وانتقالا وصعودا وهبوطا وأنها تنقسم إلى مرسلة ومحبوسة ، وعلوية وسفلية ، ولها بعد المفارقة صحة ومرض ولذة ونعيم وألم  أعظم مما كان لها حال اتصالها بالبدن )

قال أبو حكيم : اللهم اجعل أرواحنا في حواصل طير خضر تأوي إلى قناديل تحت العرش اللهم نعّم أرواحنا بنعيم الجنة ووالدينا وذريتنا وزوجاتنا وكل مؤمن ومؤمنة يا رب العالمين .

والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

اترك تعليقاً