الجمعة الثانية والثلاثين / الثامن عشر من شعبان لعام 1436هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الرابعة و الثلاثين بعد المائة (134) في تعداد الجمع ، والجمعة الثانية والثلاثين (32 ) من عام 1436 هـ وتوافق ( 18 / 8 / 1436 هـ ) بحسب الرؤية والتقويم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

في خزانتي كتاب ( في أرض قديمة رحلة قصيرة بين الماضي والحاضر ) للدكتور  في الإنثروبولوجيا  ( الدراسات الاجتماعية والإنسانية ) ( أميتاف غوش ) الهندي ولد في كلكوتا  عام  ( 1956 م ) حاز على جائزة ( بريكس ماديسي  أيترانجر  ( ولا أدري ماهي ! ؟ ) ولكنه حصل عليها بعد كتابته أو ل رواياته ( دائرة العقل )  ويعيش حاليا في أمريكا  ، ترجم هذا الكتاب للعربية  (  محمد أيوب الندوي  ) خريج دار العلوم التابعة لندوة العلماء بلكناو  ، ويحمل شهادتي ماجستير بأدب العربية والإنجليزية   ، وشهادة دكتوراه  في الأدب العربي ويعمل حاليا  مدرسا للأدب العربي الحديث والترجمة  في جامعة المليّة  – نيودلهي – الهند .

هذا الكتاب يحكي فيه مؤلفه قصة تتبعه ليهودي( يوسف بن ييجو )  من يهود تونس وخرج  منها للتجارة أو غيرها   إلى  مصر وشهرتها تغني عن التعريف بها  ومن مصر لعدن  ومن طريف وصف الكاتب لها (  ومنها رسالة كتبها تاجر يعيش في عدن ذلك الميناء الذي يتربع  ، مثل ذبابة على قناة ضيقة  ، على النقطة التي ينفتح فيها فم البحر الأحمر الضيق على المحيط الهندي )   ومن عدن للساحل الجنوبي الغربي من الهند وبالتحديد في ميناء ( منغالو ) حيث أمضى من عمره ثنين وعشرين سنة  ،   في قصة شيقة  – أقصد قصة المؤلف  -جمع فيها  (بين الماضي في قصة هذا اليهودي والحاضر في قصة المؤلف  في قريتين في مصر (- لطيفة و نشاوي –  وتكلم فيها بأسلوب لطيف وساخر لكن بأدب  عن الصورة الاجتماعية والدينية  في هاتين القريتين  ) .

وأصل الحكاية أن اليهود كانوا يضعون  مكانا في كنيسهم ( يسمونه  الجنيزا )  ترمى فيه الأوراق  الخاصة بمختلف نواحي حياتهم ضمن  عرف متبع يقضي بإيداع كتاباتهم في غرفة خاصة في الكنيس  حتى يتمكنوا  من التخلص منها لاحقا  بطقوس خاصة . ومهمة الباحث تلخصت في البحث عن هذا اليهودي وأصل رسالة رمز لها بالمتاحف ب ( H.6 )  ضمن متطلبات بحث في درجة الدكتوراه .

ابي حكيم7

جاء في (  ص 23 من الكتاب )  في تسمية مصر بين اللغة العربية واللغات الأعجمية : ( مصر ) اسم مستعار للقاهرة  ، ففي جميع أنحاء البلاد  غير مدينة القاهرة  تستخدم كلمة (مصر ) اسما لمدينة القاهرة واسما للبلد بأكمله  ، وكلمة (مصر ) مستعملة قديما وحديثا ومشتقة من جذر يعني الاستقرار أو التحضر ، ولهذه الكلمة تاريخ طويل في اللغة العربية    وجاء ذكرها في القرآن الكريم  وقد قبلت معظم الثقافات والحضارات  التي ترتبط بها (مصر ) بصلات قديمة بهذه التسمية  ، فتجد في اللغات الهندية  على سبيل المثال هذا الاسم بتحويرات متعددة   : ” ميشور ”  في الغة البنغالية  ، و ” مِسار ” في اللغة الهندية والأوردية  ،

 وحدها أوروبا أصرت على عدم تسمية البلد حسب اصطلاحه  ، بل مثل مرآة داكنة لنفسها  : فيقول قاموس أكسفورد الإنجليزي : نقلا  عن الكتاب المقدس   : (  السواد المصري هو السواد الشديد  ) ( سفر الخروج )  .

و الأيام المصرية : ( يومان في كل شهر يزعم الناس  أنهما منحوسان لا خير فيهما )  .

 والعبودية المصرية  :  ( عبودية مثل التي عانى منها بنو اسرائيل في مصر )  .

ومثل الإنجليزية  تجد في اللغات الأوربية الرئيسة أن كلمة ( Egypt  )  مشتقة من كلمة (  Egyptos )  الإغريقية وهي مصطلح ذو صلة بكلمة ( Copt  )   ( قبطي ) وهي الكلمة التي تطلق على عامة المسيحيين في مصر  – وبعد أن ذكر هذه الكلمة في عدة لغات أوربية – قال ” وهي كلمات قديمة رنانة   ذات دلالات وتواريخ  تتجاوز ما يرتبط  عادة بأسماء البلدان ،  ثمة قانون بريطاني  من القرن السابع عشر الميلادي  على سبيل المثال ينص على ما يلي  : ( إذا دخلت أي وسيلة نقل إلى انجلترا أو ويلز  ، وأي أشخاص فاسدين يطلقون على أنفسهم اسم المصريين  (Egyptians ) يغرمون ”  40 ” جنيها )  – تجدر الإشارة إلى أن كلمات مثل  ( gypsy  ) ( غجري ) أو ( Gitano ) ( غجري  أسباني  ) مشتقة من  كلمة (Egyptians ) .

لذا فإن كلمة  ( Egypt )  الأوربية البريئة في الظاهر  استعارة تدل على مصر  لكنها خبيثة ، فهي سلاح بقدر ما هي كلمة  .

وقال في (  ص 282 )  بعد سنتين من الرحلة البحرية (لفاسكو دي جاما ) ( قال   أبو حكيم : هو المستكشف البرتغالي البحري الشهير  ولعله من المعلوم أنه استعان بالرحالة المسلم والبحار الشهير  ابن ماجد – رحمه الله –  ليوصله من  الرجاء الصالح  ( وسمي بذلك تيمنا ) لأنه كان وما يزال من أخطر المواقع على السفن وسبحان من جعل فيه تيارات وممرات  مهلكة وأخرى آمنة )  ،  وصل أسطول برتغالي  بقيادة ( الفارز كابرال  ) إلى ساحل (مالابار )   .(  قال أبو حكيم  : وهو سهل ساحلي في الهند مليء بالخيرات  وقد درّست في بداية عملي  في الخبر  مع  أحد الأخوة من أهل مكة المكرمة  من  عائلة ( مليباري واسمه وائل  ) وذكر أن أصول عائلته  ينتسب إلى ذلك الإقليم  من بلاد الهند  ، وهو الآن يحمل الجنسية السعودية أمد الله بعمره على عمل صالح )  ، سلم (كابرال ) رسالة  من ملك البرتغال  إلى ( سمودري راجا  أو ملك البحر ) الحاكم الهندوسي   لدولة مدينة (كاليكوت ) ،  يطلب فيها بأن يطرد جميع المسلمين من مملكته لأنهم أعداء للإيمان المقدس !!، ولكنه جوبه برفض بات .   أصر ( سمودري ) على أن تكون ( كاليكوت )  مفتوحة دائما لأي شخص يريد التجارة هناك ، وكان يرحب بأن يحمل البرتغاليون أي قدر يريدون من الفلفل  ماداموا اشتروه بسعر التكلفة  ، وأبحر الأسطول البرتغالي بعيدا  ، ولكن ليس قبل أن تتعرض (كاليكوت ) لقصف استمر لمدة يومين !!

بعد سنة أو نحوها عاد ( فاسكو دي جاما ) بأسطول أقوى  وبنفس الطلب بطرد المسلمين  ،  في تلك السنوات الأولى تفاجأ الناس الذين شاركوا تقليديا  في تجارة المحيط الهندي  ، خلال القرون التي ازدهرت التجارة فيها ونمت ، حيث لم تحاول أي دولة أو ملك أو قوة حاكمة أن تفرض السيطرة  على تجارة المحيط الهندي بقوة السلاح  ، ولم يسمح للطموحات الإقليمية والسلالية التي تابعت مثل هذا التصميم في الأرض ( اليابسة ) أن تطفو على البحر .

غالبا ما تمثل تجارة المحيط الهندي غير المسلحة  في سجلات كتابة التاريخ الغربية  بأنها افتقار أو فشل !!  ما دعا إلى تدخل أوروبا ببراعتها المتزايدة في الحرب !! .  كان سكان المؤاني معتادون على قواعد التجارة المتمثلة بالمساومة والتسوية  ، فحاولوا مرارا وتكرارا  التوصل إلى تفاهم مع الأوربيين – ليكشفوا كما ذكر أحد المؤرخين  أن الخيار كان بين ( المقاومة أو الاستسلام )  ولم يُعرض التعاون  ، لم يكن الأوربيين قادرين على التنافس في تجارة المحيط الهندي  بالوسائل التجارية البحتة  ، لذا صمموا على السيطرة عليه بالعدوان السافر  تماما بإطلاق عنان العنف  على مستوى لم يسبق له مثيل  في تلك الشواطئ  ، وقد أعلنت البرتغال عن حق تملك المحيط الهندي .

أدركت أمم تجارة المحيط الهندي أن الفهم القديم للتجارة أماته الأوربيون  وكان ذلك متأخرا جدا  ، ففي عام ( 1509 م )  تقرر مصير تلك الثقافة التجارية  القديمة بعملية عسكرية بحرية تذكّر بروح الجماعة  بشكل محزن وربما مثير للشفقة  : هاجم البرتغاليون أسطولا بحريا  جمعه على عجل( الملك المسلم  لغوجرات )،  (والحاكم الهندوسي لكاليكوت)  (وسلطان مصر ) ( قال أبو حكيم  : كانت المماليك تحكم مصر في ذلك الوقت )  وهزموه  قرب شواطئ ( ريو  في غوجرات )  ولم يواجه بعده البرتغاليون أي تحد جدي  ، قال أبو حكيم : ثم جاء بعد البرتغاليين الهولنديون ثم جاءت  بعدهم الطامة  الكبرى ( بريطانيا ) وخلفهم الآن الأمريكان ،  وبذا اندثرت ثقافة التجارة السلمية في المحيط الهندي لصالح ذلك العطش الشيطاني  الذي لا يرويه شيء  والذي احتدم  الصراع فيه منذ نحو ( 500 ) سنة  في المحيط الهندي وبحر العرب والخليج العربي ولا يزال .

والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

اترك تعليقاً