الجمعة السادسة عشر / التاسع عشر من ربيع ثاني لعام 1437هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الثامنة والستين بعد المائة (168) في تعداد الجمع ، وهي السادسة عشرة ( 16) في عام ( 1437هـ ) وتوافق (1437 / ربيع الآخر /19 ) بحسب التقويم .

الحمد الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد : 

أيها الأكارم السلام من الله عليكم ورحمة وبركاته ،  قلبت هذا الأسبوع – بمنة الله وفضله على عبده الفقير إلى ربه  لتوفيقه وإصلاح شأنه وجمع متشعبه  وأشتاته ،  أوراق كتاب (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ) ل (أحمد بن المقري التلمساني )  المتوفى سنة (1041 هـ ) – رحمه الله – والطبعة التى في خزاني طبعة دار الكتب العلمية  وقد شرحه وضبطه وعلق عليه وقدم له ( الدكتورة مريم الطويل والدكتور يوسف الطويل بالجامعة اللبنانية ) في طبعته الأولى عام 1415هـ .

وبعد أن قرأت قصة الداخل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ،  قلت والعجب يملأ كياني  أين هذه القصة من ألسنة المحفزين وبرامج الدورات وشواهد قصص النجاح  ( فرجعت لنفسي ووجدتني أردد ما قاله ( المنذر بن سعيد البلوطي) – رحمه الله – :

هذا المقام الذي ما عابه فَنَدُ   ….   لكن قائله أزرى به البلد

لو كنت فيهم غريبا كنت مُطًّرَفا  ….  لكنني منهم فاغتالني النكد

رحم الله الداخل  الذي سماه المنصور ( غريمه ونظيره ) ( صقر قريش )  وحمد الله أن بينهما البحر  ، والداخل – بإعطا الله له -أبقى ملك بني أمية ممتدا زهاء أربع مائة سنة في الجزيرة الأندلسية ( الفردوس المفقود ) وقد ملكها وبنيه وهم : بأولهم عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ( الداخل ) . ثمّ ابنه هشام الرضى. ثمّ ابنه الحكم بن هشام. ثمّ ابنه عبد الرحمن الأوسط. ثمّ ابنه محمد بن عبد الرحمن. ثمّ ابنه المنذر بن محمد. ثمّ أخوه عبد الله بن محمد. ثمّ ابن ابنه عبد الرحمن الناصر بن محمد بن عبد الله من سنة ( 300 حتى 350 )  وهو أول من تسمى بالخلافة سنة( 316 هـ)  . ثمّ ابنه الحكم المستنصر، وكرسيهما الزهراء. ثمّ  هشام بن الحكم، وفي أيامه بنى حاجبه المنصور بن أبي عامر الزاهرة. ثمّ المهدي محمد بن هشام بن عبد الجبار بن الناصر، وهو أول خلفاء الفتنة، وهدمت في أيّامه الزهراء

والزاهرة، وعاد السرير إلى قرطبة. ثمّ المستعين سليمان بن الحكم بن سليمان بن الناصر.  ، ومن راد قصة نجاح الداخل فليلتمسها من صفحة  ( 317 ) وما بعدها من الطبعة المذكورة أعلاه ولا تفتك قصته الطريفة لما تخفى عند وانسوس البربري  ودخل الداخل تحت ثياب زوجته ( تكفات )   .

العجائب في هذا الكتاب لا تنقضي ما بين دمع مدرار على نهايات مأساوية – ولكن الملك يتيم –  وقصص يشرف الزمان بها  ، وإليكم هذه القصة مع أبي إبراهيم إسحاق عالم المالكية  ومستشار الناصر وابنه  :

وكان الفقيه أبو إبراهيم المذكور معظّماً عند الناصر وابنه الحكم، وحقّ لهما أن يعظماه؛ وقد حكى الفقيه أبو القاسم بن مفرّج قال: كنت أختلف إلى الفقيه أبي إبراهيم ؟ رحمه الله تعالى ، فيمن يختلف إليه للتفقّه والرواية، فإنّي لعنده في بعض الأيّام في مجلسه بالمسجد المنسوب لأبي عثمان الذي كان يصلي به قرب داره بجوفي قصر قرطبة، ومجلسه حافل بجماعة الطلبة، وذلك بين الصلاتين، إذ دخل عليه خصيّ من أصحاب الرسائل، جاء من عند الخليفة الحكم، فوقف وسلّم، وقال له: يا فقيه، أجب أمير المؤمنين أبقاه الله، فإن الأمر خرج فيك، وها هو قاعد ينتظرك، وقد أمرت بإعجالك، فالله الله، فقال له: سمعاً وطاعة لأمير المؤمنين، ولا عجلة فارجع إليه وعرّفه -وفقه الله – عني أنّك وجدتني في بيت من بيوت الله تعالى معي طلاب العلم أسمعهم حديث ابن عمّه رسول الله -صلى الله عليه وسلّم -، فهم يقيّدونه عني، وليس يمكنني ترك ما أنا فيه حتى يتم المجلس المعهود له في رضا الله وطاعته، فذلك أوكد من مسيري إليه الساعة، فإذا انقضى أمر من اجتمع إليّ من هؤلاء المحتسبين في ذات الله الساعين لمرضاته مشيت إليه إن شاء الله تعالى. ثم أقبل على شأنه، ومضى الخصي يهينم متضاجراً من توقّفه، فلم يك إلا ريثما أدّى جوابه، وانصرف سريعاً ساكن الطيش، فقال له: يا فقيه، أنهيت قولك على نصّه إلى أمير المؤمنين أبقاه الله، فأصغى إليه، وهو يقول لك: جزاك الله خيراً عن الدين وعن أمير المؤمنين وجماعة المسلمين، وأمتعهم بك، وإذا أنت أوعبت   فامض إليه راشداً إن شاء الله تعالى، وقد أمرت أن أبقى معك حتى ينقضي شغلك وتمضي معي، فقال له: حسن جميل،ولكني أضعف عن المشي إلى باب السّدّة، ويصعب عليّ ركوب دابة لشيخوختي وضعف أعضائي، وباب الصناعة الذي يقرب إليّ من أبواب القصر المكرّم أحوط وأقرب وأرفق بي، فإن رأى أمير المؤمنين – أيّده الله تعالى – أن يأمر بفتحه لأدخل إليه منه هوّن علي المشي، ووَدُعَ جسمي، وأحب أن تعود وتنهي إليه ذلك عني حتى تعرف رأيه فيه، وكذلك تعود إليّ فإنّي أراك فتى سديداً، فكن على الخير معيناً. ومضى عنه الفتى، ثم رجع بعد حين وقال: يا فقيه، قد أجابك الأمير إلى ما سألت، وأمر بفتح باب الصناعة وانتظارك من قبله، ومنه خرجت إليك، وأمرت بملازمتك مذكراً بالنهوض عند فراغك، وقال: افعل راشداً؛ وجلس الخصيّ جانباً حتى أكمل أبو إبراهيم مجلسه كأفسح  ما جرت به عادته غير منزعج ولا قلق، فلمّا انفضضنا عنه قام إلى داره فأصلح من شأنه ثمّ مضى إلى الخليفة الحكم فوصل إليه من ذلك الباب، وقضى حاجته من لقائه، ثم صرفه على ذلك الباب، فأعيد إغلاقه على إثر خروجه. قال ابن مفرّج: ولقد تعمدّنا في تلك العشيّة إثر قيامنا عن الشيخ أبي إبراهيم المرور بهذا الباب المعهود إغلاقه بدبر  القصر لنرى تجشّم الخليفة له، فوجدناه كما وصف الخصي مفتوحاً  ، وقد حفّه الخدم والأعوان منزعجين ما بين كنّاس وفرّاش متأهّبين لانتظار أبي إبراهيم ، فاشتدّ عجبنا لذلك ، وطال تحدثنا عنه، انتهى.

فهكذا تكون العلماء مع الملوك والملوك معهم  ، قدس الله تلك الأرواح.  نعم والله ( قدس الله تلك الأرواح ) .

والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد

اترك تعليقاً