الجمعة السابعة عشر / الأول من جمادي الأول لعام 1436هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة التاسعة عشرة بعد المائة (119) في تعداد الجمع ، والجمعة السابعة عشرة ( 17 ) من عام 1436 هـ وتوافق ( 1 / 5 / 1436 هـ ) بحسب التقويم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

قال عناية الله المشرقي : ( كان ذلك يوم أحد من أيام سنة( 1909 م )، وكانت السماء تمطر بغزارة ، وخرجت من بيتي لقضاء حاجة ما ، فإذا بي أرى الفلكي المشهور السير جيمس جينز  – الأستاذ بجامعة كمبردج – ذاهبا إلى الكنيسة ، والإنجيل والشمسية تحت إبطه ! ، فدنوت منه وسلمت عليه ، فلم يرد علي ! ، فسلمت عليه مرة أخرى ، فسألني : ماذا تريد مني ؟  

فقلت له : أمرين يا سيدي ! 

 الأول هو : أن شمسيتك تحت إبطك رغم شدة المطر ! 

فابتسم السير جمس وفتح مظلته على الفور .

فقلت له : وأما الأمر الآخر فهو : ما الذي يدفع رجلا  ذائع الصيت في العالم  مثلك ، أن يتوجه إلى الكنيسة ؟

وأمام هذا السؤال توقف السير جيمس لحظة ، ثم قال : عليك اليوم أن تأخذ شاي المساء عندي .

وعندما وصلت إلى دراه في المساء ، خرجت (ليدي جيمس ) ، في تمام الساعة الرابعة بالضبط ، وأخبرتني أن السير جيمس ينتظرني  ، وعندما دخلت عليه في غرفته ، وجدت أمامه منضدة صغيرة موضوعة عليها أدوات الشاي ، وكان البروفيسور منهمكا في أفكاره ، وعندما شعر  بوجود  سألني : ماذا كان سؤالك ؟

ودون أن ينتظر  ردي بدأ يلقي محاضرة عن تكوين الأجرام السماوية ، ونظامها المدهش ، وأبعادها وفواصلها اللامتناهية  ، وطرقها ، ومداراتها ، وجاذبيتها ، وطوفان أنوارها المذهلة ، حتى إنني شعرت بقلبي يهتز بهيبة الله وجلاله .

وأما (السير جيمس)  فوجدت شعر رأسه قائما ، والدموع تنهمر من عينيه ، ويداه ترتعدان من خشية الله  ، وتوقف فجأة وبدأ يقول : يا عناية الله ! عندما ألقي نظرة على روائع خلق الله ، يبدأ وجودي يرتعش من الجلال الإلهي ، وعندما أركع أمام الله وأقول له : ” إنك لعظيم ! ” أجد أن كل جزء من كياني يؤيدني في هذا الدعاء  ، وأشعر بسكون وسعادة عظيمين ، وأحس بسعادة تفوق سعادة الآخرين ألف مرة ، أفهمت يا عناية الله خان ، لماذا أذهب إلى الكنيسة ؟

قال عناية الله :لقد أحدثت هذه المحاضرة طوفانا في عقلي  ، وقلت له : يا سيدي لقد تأثرت جدا بالتفاصيل العلمية التي رويتموها لي  ، وأتذكر في هذه المناسبة آية من آي كتابي المقدس ، فلو سمحتم لي لقرأتها عليكم :

فهز رأسه قائلا : بكل سرور .

فقرأت عليه الآية التالية من سورة فاطر 27 – 28 : ( ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك  إنما يخشى الله من عباده العلماء )

فصرخ السير جيمس قائلا : ماذا قلت ؟  ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) ، مدهش وعجيب وغريب جدا !! .

إن الأمر الذي كشفت عنه بعد دراسة ومشاهدة استمرت خمسين سنة ، من أنبأ محمدا به ؟ هل هذه الآية موجودة في القرآن حقيقة ؟ لو كان الأمر كذلك فاكتب شهادة مني أن القرآن كتاب موحى من عند الله .

هذا الحوار الذي وقع بين الفيزيائي / الفلكي البريطاني  (جيمس جينز )   و عالم الرياضيات الهندي ( عناية الله المشرقي ) ، له دلالات وفيه مواضع لا ينقضي منها العجب .

عناية الله المشرقي : ( ت 1963 م ) عرف بولعه الغريب في الرياضيات وأنهى ( الماجستير )  في الرياضيات وعمره ( 19 سنة فقط )  وحطم الأرقام القياسية  السابقة له   في الرياضيات في عام ( 1907 ) سافر إلى بريطانيا  لمواصلة دراسة الرياضيات في كامبردج  ، وأنهى خلال وجوده في هذه الكلية دراسة عدة تخصصات موازية في اللغات الشرقية والعلوم الطبيعية !  ومكث في كامبردج خمس سنوات حيث عاد عام ( 1912 م ) إلى الهند .

في عمر الثلاثين خطرت له فكرة تفسير القرآن على ضوء مكتشفات العلوم الطبيعية ونفذ الفكرة فعلا وأنهى المجلد الأول في عمر ( 36 ) عام (1924 م)  وأسماه (التذكرة) ، ورشح لجائز نوبل  ، واشترطت عليه إدارة الجائز ترجمة عمله إلى إحدى اللغات الأوربية  ، فرفض عناية الله الجائزة ، وقال : ( لا أريد جائزة لا تعترف بلغتي الأوردية ) مع العلم أنه درس في كامبردج هذه التخصصات  ، وشأن الترجمة لا يكلفه شيئا  ، ولكنها أنفة العالم الهندي .

( قال أبو حكيم  : حكى لي أستاذنا ( الدكتور سليمان العيوني ) في دروس شرح الآجرومية بجامع الخبراء عام 1435 هـ ، أنه مثل جامعته مع آخرين  لمؤتمر شاركت فيه عدة جامعات سعودية لمناقشة دراسات وأوراق عمل في تطوير التعليم الجامعي في السعودية في مدينة الرياض ، – وكل الحضور عرب –  ومع ذلك أصرت اللجنة المنظمة أن تكون لغة المؤتمر اللغة الإنجليزية ،- تحدثا وكتابة –  مما جعل وفد جامعته  ينسحب  ، -فتأمل وقارن –  ) .

قال أبو حكيم : من أراد الوقوف  على دلالات و مواضع لا ينقضي منها العجب ، في حادثة العلمين البارزين فعليه بالكتاب القيم جدا والنفيس الرائع ( مسلكيات ) للأستاذ المبدع  صاحب ( رقائق القرآن )  إبراهيم بن عمر السكران .

وإذا اطلعت في الكتاب أضمن لك – بعون الله – العلم بفائدة ( اقتران العلم بالإيمان في غير ما موضع من القرآن  ) ولهذا قسم الكتاب نصفين ، كما ستجد ما يشفي الغليل في علاج التسويف ، وفائدة أخرى نفيسة قل أن تجد لها مثيلا في الطرح في بيان ( خفض جناح الذل للوالدين )  ولن تعدم شوارد وفوائد ونكت قد حشي بها الكتاب حتى صار متينا قويما .

الكتاب من مطابع  دار الحضارة للنشر والتوزيع  الطبعة الأولى ( 1435 هـ ) يقع في ( 187 ) صفحة من القطع المتوسط

والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

اترك تعليقاً