الجمعة السادسة / الحادية عشر من صفر لعام 1438هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة المئتين وتسع (209) في تعداد الجمع ، والسادسة( 6 ) في عام ( 1438هـ ) وتوافق ( 11 / 2 / 1438 هـ ) بحسب التقويم و الرؤية .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن منَّ الله عليك بهداية وتوفيق وهيأ لك عملا صالحا مما افترض  ، أو مما يفتح الله عليك من رحمة النوافل ،  فاحمد الله وادْعُه أن يحفظها لك ، فليس الأمر بكسب يمينك ولا بكد أبيك وأمك ،  إنما هو الله الرحمن الرحيم  ، أراد بك خيرا  قد ضل عنه كثير من الناس  ، فاعمل لنفسك وقت الرخاء لنجاتها وقت الشدة ، ألم تعلم ما حال الرجل الصالح والنبي الكريم يونس بن متى صلى الله عليه وسلم ( وهذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم له أقصد الرجل الصالح ،  أخرج الإمام البخاري في صحيحه من كتاب التوحيد ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما : ( عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ، …) ) لما أن خرج من قومه بلا إذن من ربه ألقمه الله الحوت فلولا أنه كان من المسبحين ( وقت  الرخاء ) للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ، ولكن من عرف الله في الرخاء عرفه في الشدة , فأنت أحوج ما تكون إليه في وقت شدتك ، وكلنا مفتقر إلى رحمة الغني الكريم في كل حال ، فنحن الفقراء إليه وهو الغني عنا سبحانه وتعالى .

كنت أتصفح كتاب ( كيف عاملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم )  لفضيلة الشيخ (محمد بن صالح المنجد ) – حفظه الله – وهو كتاب لطيف عظيم النفع في سيرته صلى الله عليه وسلم طبع من قبل العبيكان الطبعة الثانية ( 1436 هـ ) ويقع الكتاب في (  800 ) صفحة من القطع العادي – فلنحرص عليه –  ومما جاء فيه مما يناسب مقدمة موضوعنا ،  توفيق الله تعالى لأبي ذرٍ رضي الله عنه للهداية  وتوفيق  عمرو بن عنبسة السلمي رضي الله عنه للإسلام  وسآخذ الآخِر منهما رضي الله عنهما وأرضاهما وجمعنا بهم صحبة نبيه صلى الله عليه وسلم في جنات عدن ، لشهرة أبي ذر رضي الله عنه فلعل الوصول إلى قصته أسهل وفيها عبر وعظات لمن وفقه الله تعالى   .

أما قصة عمرو -رضي الله عنه- فقد أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم – بعد إسلامه في مكة أن يكتم إيمانه ويعود لقومه وأن يرجع إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم إذا سمع به قد ظهر وكان من خبره  قوله -رضي الله عنه – وهو في صحيح مسلم رحمه الله  : (  كنت وأنا في الجاهلية، أظن أن الناس على ضلالة وأنهم ليسوا على شيء، وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارا، فقعدت على راحلتي، فقدمت عليه، فإذا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مستخفيا، جرءاء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة، فقلت له: ما أنت؟، قال: أنا نبي، فقلت: وما نبي؟، قال: أرسلني الله، فقلت: وبأي شيء أرسلك؟، قال: أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء، قلت له: فمن معك على هذا؟، قال: حر وعبد، ـ قال: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به ـ، فقلت: إني متبعك، قال: إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس؟، ولكن ارجع إلى أهلك، فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني . 
قال: فذهبت إلى أهلي، وقدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة، وكنت في أهلي، فجعلت أتخبر الأخبار، وأسأل الناس حين قدم المدينة، حتى قدم علي نفر من أهل يثرب من أهل المدينة، فقلت: ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة؟ فقالوا: الناس إليه سُراع، وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك .
فقدِمْتُ المدينة فدخلت عليه فقلت: يا رسول الله، أتعرفني؟، قال: نعم، أنت الذي لقيتني بمكة؟، قال: فقلت: بلى، فقلت: يا نبي الله، أخبرني عما علمك الله وأجهله، أخبرني عن الصلاة؟، قال: صلِّ صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صلَّ فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإن حينئذ تسجر جهنم، فإذا أقبل الفيء فصل، فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة، حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار . 
قال: فقلت: يانبي الله فالوضوء؟ حدثني عنه، قال: ما منكم رجل يقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلا خرت خطايا وجهه وفيه ( قال أبو حكيم  أي : فمه )  وخياشيمه، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرَّت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلى، فحمد الله وأثنى عليه، ومجده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله، إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه ) . 
فحدث عمرو بن عبسة – رضي الله عنه – بهذا الحديث أبا أمامة – رضي الله عنه – صاحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال له أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة، انظر ما تقول في مقام واحد يُعْطَى هذا الرجل؟، فقال عمرو: يا أبا أمامة، لقد كبرت سني، ورق عظمي، واقترب أجلي، وما بي حاجة أن أكذب على الله، ولا على رسول الله، لو لم أسمعه من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا ـ حتى عدَّ سبع مرات ـ ما حدثتُ به أبدا، ولكني سمعته أكثر من ذلك )  

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

اترك تعليقاً