السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأضداد عند اللغويين : ( كلمات تؤدي إلى معنيين متضادين بلفظ واحد ) ، ككلمة ( الجون ) تطلق على الأسود والأبيض .
انقسم الناس فيها على ثلاثة أقسام : فمنهم من قال ( كالأصمعي وأبو عبيدة والسجستاني وابن السكيت وقطرب وابن الأنباري ) بإمكان وقوعها وعد وضعها في مألوف القوانين اللغوية ، وذلك لأن المعاني غير متناهية والألفاظ متناهية ، ومنهم من أنكر وجودها إنكار عنيفا وأبطلها إبطالا تاما وتأول ما جاء في اللغة ونصوص العربية وأشهر من أعلن هذا الرأي رجل يقال له ( ابن درستويه ) فإنه ألف كتابا سماه ( إبطال الأضداد ) وذهب إلى جحد الأضداد جميعها ، وقسم ثالث : أقر بوجود الأضداد ولكنه جعلها منقصة للعرب ومثلبة من مثالبهم ، واتخذها دليلا على نقصان حكمتهم ، وقلة بلاغتهم وزعموا أن ورودها في كلامهم كان سببا في كثرة الالتباس عند المحاورة وهؤلاء سماهم الأنباري ( أهل البدع والزيغ والازدراء بالعرب ) .
وابن الأنباري هو أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فروة بن قطن بن دعامة الأنباري .اتصل بخلفاء بني العباس وبالأخص الراضي وعلم أولادهم وأدبهم .ولد ببغداد عام ( 271 هـ وتوفي عام 327 هـ ) رحمه الله
قال عنه ابن النديم صاحب الفهرست : ( كان في نهاية الذكاء والفطنة وجودة القريحة وسرعة الحفظ ، وكان مع ذلك ورعا من الصالحين ، لا يعرف حرمة ولا زلة ، وكان يضرب به المثل في حضور البديهة وسرعة الجواب ) .
سألته جارية عن تعبير رؤيا فقال : ( أنا حاقن ) – ( قال أبو حكيم : (أي محصور) ) – ، ثم انصرف من يومه وأخذ كتاب الكرماني في تعبير الرؤيا وحفظه من يومه وجاء من الغد وصار معبرا .
كان شغوفا بالعلم لا يصرفه عنه صارف حتى صارت له هذه الحكاية العجيبة :
( وهب له الراضي – الخليفة العباسي – جارية حسنة كاملة الوصف ، فلما صارت إليه اشتغل قلبه بها ، فاختلفت عليه مسألة كان يطلبها ، فقال للخادم : ردها فليس قدرها أن تشغل قلبي عن علمي ، فلما بلغ الراضي أمره قال : لا ينبغي أن يكون العلم في قلب أحد أحلى منه في صدر هذا الرجل . ( رحمك الله ) .
ومع علمه وحفظه كان رجلا متواضعا للعلم لا يأنف أن يتعلم من غيره فقد روى أبو الحسن الدارقطني حيث حضر مجلس إملائه ( فتصحف اسم ) أملاه في سند حديث وأعظم أبو الحسن أن يحمل عن مثله وهْمٌ على جلالة قدره ، و هاب أن يكلمه في المجلس ، فلما انقضى مجلس الإملاء كلم أبو الحسن المستملي وبين له وهمه فلما كان من الجمعة القادمة قال الأنباري للمستملي : ( عرف جماعة الحاضرين أنّا صحفنا الاسم الفلاني لما أملينا حديث كذا في الجمعة الماضية،وقد نبهنا ذلك الشاب على الصواب ، وقد راجعناه فوجدناه كما قال ) .
ألف كتاب ( الأضداد ) في كلمات اللغة بمعانيها ، وهو أعظم كتب الأضداد خطرا ، وأوسعها كلما ، وأحفلها بالشواهد ، وأشملها للعلل ، فقد جاء على كل ما ألف قبله ، وأربى عليه وجاء بالعجيب من أراجيز العرب ، وشواهد الشعر والحديث والقرآن ، في كثرة بالغة ، وإسهاب كثير، مع عذوبة المورد ووضوح التعبير وإشراق الدلالة ، واطراد التنسيق ، وسهولة الأسلوب .
شاهد من كتاب الأضداد :
( كان ) للماضي و ( كان ) للمستقبل وكونها للماضي لا يحتاج إلى شاهد أما الحاضر فهو قول الشاعر:
فأدركت من كان قبلي ولم أدع
لمن كان بعدي في القصائد مصنعا .
أراد لمن يكون بعدي .
الأستاذ : محمد أبو الفضل إبراهيم حقق كتاب ( الأضداد للأنباري ) بمشورة الأستاذ الدكتور صلاح الدين المنجد مدير معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية وطبعته المكتبة العصرية ببيروت عام ( 1407 هـ )
وما سبق مختصر من هذه النسخة .
والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .