الجمعة الحادية والثلاثين / الثامن من شعبان 1435هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الثانية والثمانين( 82 ) في تعداد الجمع ، والجمعة الحادية و الثلاثين ( 31 ) من عام 1435 هـ وتوافق (1435 / 8 / 8 ) بحسب التقويم .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هل يمكن أن أصنع في هذا العالم فرقا ؟  أجزم أن الجواب ( نعم  )  فكيف ذلك ؟

قالوا : وأظنها للعقاد : إن لم تزد شيئا في هذا العالم فأنت زائد عليه .

أخي الكريم جعلك الله من بني آدم فيجب عليك خلافة الأرض (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) كان محمد بن إسحاق يقول في معنى هذه الآية  : ساكنا وعامرا يسكنها ويعمرها خلفا ليس منكم . ( تفسير ابن كثير )  ( قال أبو حكيم : قوله ” ليس منكم ”  أي ليس من الملائكة ) .

وقال ابن جرير : وإنما [ كان تأويل الآية على هذا ] معنى الخلافة التي ذكرها الله إنما هي خلافة قرن منهم قرنا .
قال : والخليفة الفعيلة من قولك ، خلف فلان فلانا في هذا الأمر : إذا قام مقامه فيه بعده ، كما قال تعالى : ( ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون ) [ يونس : 14 ] . ومن ذلك قيل للسلطان الأعظم : خليفة ؛ لأنه خلف الذي كان قبله ، فقام بالأمر مقامه ، فكان منه خلفا .

أخي الكريم : خلافة الأرض ليست لونا واحدا قال صلى الله عليه وسلم : (أَجْمِلُوا فِي طَلَبِ الدُّنْيَا فَإِنَّ كلا مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ) ( سنن ابن ماجة ( كتاب التجارات  ، باب الاقتصاد في طلب المعيشة و أخرجه الحاكم من طريق ربيعة بن أبي عبدالرحمن عن عبدالملك بن سعيد إلا أنه قال : ( لما كتب له منها ) وهو أصح وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ، قلت : ولا أدري من هو القائل : :  عبدالملك بن سعيد هو : ابن سويد  ، لم يخرج له البخاري شيئا  فهو على شرط مسلم وحده .  فانظر  ( في المكرمات أيها أراغب إليك  وأنت لها محب وإليها مائل ثم انطلق فيها  واجعل نصب عينيك نفع الناس وسيعود النفع عليك لا محالة ، ففي المزمل (وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

أخي الكريم نقل عن ( بيل جيتس)  أنه قال : (ليس عيبك أن تولد فقيرا ولكنه عيبك أن تموت فقيرا ).

أخي الكريم اليد العليا خير من اليد السفلى واليد العليا هي المنفقة والسفلى هي الآخذة فأيهما تريد ؟

يقول ابن القيم في إعلام الموقعين (4/204) : ” وقد كان لسفيان ( الثوري ) شيء من مال ، وكان لا يتروى في بذله ، ويقول : لولا ذلك لتمندل ( قال أبو حكيم  : تمسح ) بنا هؤلاء ( قلت : يعني الملوك )  . فالعالِم إذا منح غنى فقد أعين على تنفيذ علمه ، وإذا احتاج (قال أبو حكيم :أي العالم )  الناسَ فقد مات علمه وهو ينظر .”

أيها الفضلاء ممن صنع الفرق في زمننا الحاضر من الناحية المادية على مستوى العالم وليس على مستوى بلده ( ليس مهاتير محمد  ، ولا أردوغان ) على ما بذلا من جهد واضح وصنعا فرقا على دولة كاملة – وكانا في موقع المسؤولية – ( كلاهما رئيس وزراء) ولكن هذا  الرجل الذي قد لا يعرفه الكثير من المسلمين لم يكن سوى أستاذ جامعي ولكنه حمل هما ( وأراد أن يصنع فرقا )  وقد أخذ لعمله المتميز  جائزة نوبل للسلام مع بنك ” جارمين ” عام  (2006 م ) إنه ( البروفيسور محمد يونس ) المولود في بنقلاديش عام ( 1940م )   وهو الثالث من بين ثمانية أخوة حصل على شهادة الاقتصاد العالية  من أمريكا وعاد لبنقلاديش بعد الاستقال عام ( 1971 م ) ليعمل رئيس قسم الاقتصاد في جامعة ( تشيتاجونج ) وبدأ عمله في تقليل الفقر بعد مجاعة عام ( 1974 م )

والحكاية باختصار : في عام ( 1974 ) ضربت مجاعة بنقلاديش وكون ( الدكتور محمد يونس ) في أروقة الجامعة ويتكلم في الاقتصاد بملايين بل مليارات الدولارات فكان وضعه مريحا فمن الأقرب أنه لن يلتفت لما يدور خلف جدران جامعته ، ولكنه لما رأي المشابهون للهياكل العظمية  التي حطمها الجوع تظهر في محطات القطارات ومواقف الحافلات بالعاصمة ( دكا ) بدأ في التفكير بنظرياته الاقتصادية ، ما نفعها إن كان الرضع يواجهون الموت بسبب نقص الطعام ؟ ! .

ومن هنا جاء ( صنع الفرق ) اتجه إلى أقرب بلدة تلي العاصمة وهي قرية ( جوبرا ) ليعرف ما يمكنه أن يعرفه عن الفقر ( وما اكتشفه كان مذهلا للغاية )

وجد الفقراء يقترضون من الأغنياء بفوائد مرتفعة  ليقوموا بمشاريع صغيرة مثل (مشروع المرأة ( صوفيا بيجام ) والمتمثل في صنع كراسي الخيزران وتخرج في النهاية ( ببنسين ) كمكسب في اليوم ( لتصرف على نفسها وأولادها !!!!   وتستمر العجلة بالدوران فالفقراء يزدادون فقرا والأغنياء يزدادون غنى  .

يقول في كتابه ( مصرف الفقراء ) : كنت أتعامل في الجامعة مع ملايين الدولارات بل المليارات ،لكن هنا أمام عيني كانت مسألة الحياة أو الموت مطروحة أمامي ومتوقفة على قروش قليلة ، كان هناك شيء ما خطأ بالتأكيد ، لقد عمل النظام على التأكد من عدم قدرة هذه المرأة على الادخار أوالاستثمار في نفسها أو في  عملها ، ومثلها لم يكونوا فقراء لأنهم كسالى أو أغبياء ، لقد كانوا يعملون لساعات طويلة وفي أعمال معقدة ، وفي ظل غياب أي مؤسسة مالية لخدمة الفقراء ظهر نوع من أنواع ( التفرقة العنصرية المالية ) ، بعد ترك الفقراء تحت رحمة المرابين الذين فرضوا فوائد مرعبة على القروض ، بينما كل ما يحتاج إليه هؤلاء الأشخاص ليتحكموا في مصائرهم المالية كان القليل من المال – ويمكن لرأس المال حتى أقل الكميات منه –  أن يشكل الفارق بين تقدير الذات والإحباط أو حتى بين الموت والحياة .

أخي تخيل : أول دفعة من القروض  لـ ( 44 ) عائلة لكل عائلة ( 27 ) دولارا فقط في بلدة ( جوبرا ) .

لم يكن أي مصرف ليقرضهم لأنهم ليس لديهم ضمانات بنكية ، بل رفض كل المصرفيين فكرته بإقراض الفقراء لعدم الضمانات البنكية ، ولكنه وجد أن المخاطرة بإقراض الفقراء أقل منها مع الأغنياء حتى لو فرضت نسب عالية في الفائدة لأنهم يعيشون على المحك ، فهم مستعدون لفعل أي شيء للخروج من الفقر   هذه التجربة في (جوبرا ) كانت النواة لتأسيس بنك ( جارمين ) ويعني ( القرية ) ، ففي عام ( 1983م) أصبح ( جارمين ) مؤسسة بنكية لائقة ومنفصلة بمساعدة حكومة بنقلاديش  وفي عام ( 2007 ) تخطت حجم قروضه( 6) مليارات دولار مقدمة لأفقر الأسر في العالم ، وانتشرت فروع البنك في ( 60 ) دولة ، وتطور العمل ليشمل قروضا عقارية وخدمات الصرف الصحي بالمنازل وقروضا للتأمين الصحي والتعليم بل حتى قروضا لإنشاء شبكة الجوال في القرى ،  وأفضل عملاء ( جارمين ) كن النساء المعدمات لكون النساء أكثر حرصا على الإنفاق على المنزل والأطفال من الرجال الذين يميلون للإنفاق على أنفسهم !!! ( قلت : هذا ما وجدوه في عملائهم ) كما أن القرض رفع من شأن المرأة في تلك المجتمعات .

انخرطت دول ثرية في المشروع كما فعل ( بيل كلينتون وزوجته هيلاري  ) في أمريكا  مع فقراء أركنساس أو السكان الأصليين لأمريكا أو المدن السوداء الفقيرة .ملخص من كتاب مترجم  ( أهم 50 كتابا عن الرخاء)    والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

اترك تعليقاً