الجمعة الثامنة والعشرين / السابع عشر من رجب 1435هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة التاسعة و السبعين ( 79 ) في تعداد الجمع ، والجمعة الثامنة والعشرين ( 28 ) من عام 1435 هـ وتوافق (1435 / 7 / 17 ) بحسب التقويم .

أيها الكرام : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما يزال الكرام من العلماء ينثرون حكمهم وتجاربهم في الحياة ليستن بها المستن ، وينظر فيها المتأمل ، ويقتبس منها طالب الهداية ، فالناس يكمل بعضهم بعضا ومن الكمال أن تبدأ من حيث انتهى الآخرون .

أيها السادة الأماجد : هذا رجل من علماء المسلمين نظر الناس في سيرته واستخلصوا منها بعض وصاياه  ذكر معظمها ابن أبي أصيبعة في : ( عيون الأنباء ) وأعاد صياغتها عبدالرزاق نوفل في كتابه : ( المسلمون والعلم الحديث ) ونقلها منه الأستاذ الدكتور : بركات محمد مراد في كتابه : ( الإنسان ورحلة الاستكشاف ) ونقلها منه أبو حكيم في مختارات الجمعة  فهذا سند ما نتكلم فيه وإليكموها وهي : ( إحدى عشرة وصية ) مع إضافات بين ( قوسين ) وقبل أن ندلف إليها هكم نبذة يسيرة عن قائلها (موفق الدين أبو محمد عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن علي بن أبي سعد ولد في بغداد في العراق سنة(  557هـ الموافق 1162 م ) في دار جده بدرب الفالوذج ببغداد، وهو من أصل موصلى، واشتهر باسم عبد اللطيف البغدادي، ولقب بابن اللباد، كان أبوه مشتغلًا بعلم الحديث والقراءات، كما أن عمه كان فقيهًا، لذلك فقد تعلم (البغدادي) ونهل من هذا المنهج العلمي الفياض، حيث يسر له والده وهو في صباه سماع الحديث من جماعة علماء أفاضل، مما جعله ينشأ في جو من العلم والتقوى ومن كتبه كتاب : الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر، وهو موجود على الشبكة العنكبوتية وستجد فيه لو قرأته تنفيذا للوصية الثانية من وصاياه وما أجمل : سمعنا وأطعنا ) :

1- لا تأخذ العلوم من الكتب ( مباشرة ) ،وإن وثقت في نفسك من قوة الفهم ، وينبغي أن تكثر اتهامك لنفسك وتسيء الظن بها . واعرض خواطرك على العلماء ، وعلى تصانيفهم ، وتثبت ولا تتعجل ، ولا تعجب فمع العُجب العثار ، ومن لم يعرق جبينه على أبواب العلماء ، لن يُعرق في الفضيلة ، ومن لم يحتمل ألم التعلم لم يذق لذة العلم .

( قال أبو حكيم : قد قيل : من كان شيخه كتابه كان وهمه أكثر من صوابه ) .

– ينبغي للإنسان أن يقرأ التواريخ ، وأن يطالع السير وتجارب الأمم ، فيصير بذلك كأنه في عمره القصير قد أدرك الأمم الخالية ، وعاصرهم وعاشرهم وعرف خيرهم وشرهم .

( قال أبو حكيم قد قيل :

ليس بإنسان و لا عاقل                 مَـن لا يعي التاريخ في صدره

ومن روى أخبار من قد مضى       أضاف أعمارًا إلى عمره ) .

 3- استكثر من حفظ الأشعار الأمثالية ، والنوادر الحكمية ، والمعاني المستغربة .

( قال أبو حكيم : قد قيل : اقرأ أحسن ما تجد ، واحفظ أحسن ما تقرأ ، وتحدث بأحسن ما تحفظ  ) ( فهي خلاصة من خلاصة والله يحب المحسنين ) .

4- إياك والهذر والكلام فيما لا يعني ، وإياك والسكوت في محل الحاجة ، ورجوع النوبة إليك إما لاستخراج حق ، أو اجتلاب مودة ،وتنبيه على فضيلة ، وإياك والضحك مع الكلام ، وتبتير الكلام ، بل اجعله سردا بسكون بحيث يُستشعر منك أن وراءه أكثر منه ، وأنه عن خميرة سابقة ، ونظر متقدم .

5- إذا تمكن الرجل من العلم واشتهر به ، خُطب من كل جهة ، وعرضت عليه المناصب ، وجاءته الدنيا صاغرة ، وأخذها وماء وجهه موفور ، وعرضه ودينه مصون .

6- العلماء لا يموتون أبدا ، وأنهم يخلدون في أعمالهم وآثارهم الباقية ، وعلمهم النافع والعالم الحق من يضع لنبة في بناء العلم العظيم .

7- ينبغي أن تحاسب نفسك كل ليلة حين تأوي إلى فراشك فما كان من الخير فاحمد الله عليه وطلب من الله المزيد ورتب نفسك فيما ستعمله في الغد من الحسنات ( قال أبو حكيم : فالنية الطيبة لها أجرها وفضلها ، وهذا يجعلك تدخل ضمن الرجال بكون يوميك ليسا سواء )  ، ومن كان من زلل وخطئية فاستغفر الله وتب منها فالله غفور رحيم .

8- إذا قرأت كتابا فاحرص كل الحرص على أن تملك معناه ، وتوهم أن الكتاب قد عدم ، وأنك مستغن عنه ، ولا تحزن لفقده ( قال أبو حكيم : هو في صدرك قد حفظ ، وقد قيل : العلم ما كان في الرأس وليس في القرطاس ) ، وإذا كنت مكبا على دراسة كتاب فتفهمه ، وإياك أن تشتغل بآخر معه ، واصرف الزمان الذي تريد أن تصرفه على غيره فيه ، ، وإياك أن تشتغل بعلمين دفعة واحدة ، و واظب على العلم الواحد سنة أو سنتين ، أوما شاء الله فإذا قضيت منه وطرك فانتقل إلى غيره . ( قال أبو حكيم : هذا بالأعم الأغلب وإلا من الناس من يؤتى القدرة على جمع علوم شتى في زمن واحد ) .

9- لا تحسبن أنك إذا حصلت علما فقد اكتفيت ، بل تحتاج إلى مراعاته لينمو ، ومراعاته لا تكون إلا بالمذاكرة والتفكير .

10- إذا تصدى المعلم لتعليم علم أو المناظرة فيه ، فلا يمزج معه غيره ، فإن كل علم مكتف بنفسه مستغن عن غيره .

11- إياك والغلط في الخطاب ، والجفاء في المناظرة ، فإن ذلك يذهب بهجة الكلام ، ويسقط فائدته ، ويعدم حلاوته ، ويجلب الضغائن ، ويمحق المودات ، ويصير القائل مستقلا بسكونه ، وأنهى إلى السامع من كلامه ، ويثير النفوس على معاندته ، ويبسط الألسن بمخاشنته ، وإذهاب حرمته .

رحمنا الله وإياك يا عبداللطيف ولطف بنا ، اللهم انفعنا بها يا كريم

والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

اترك تعليقاً