الجمعة الرابعة والعشرين / الثامن عشر من جمادي الثاني 1435هـ

من مختارات أبي حكيم في الجمعة الخامسة و السبعين ( 75 ) في تعداد الجمع ، والجمعة الرابعة والعشرين ( 24 ) من عام 1435 هـ وتوافق (1435 / 6 / 18 ) بحسب التقويم

الحمد الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده  :

قال أبو حكيم : الرحلة والاستكشاف كانت في الإنسان منذ القدم ، ولذا كان هناك رحلة كتبوا ما شاهدوا في رحلاتهم  ( ولعل أعظم الحث على الرحلة كانت في طلب الحديث وعلو السند ) ولذا قل أن تجد علامة حافظة ضابطا في الحديث ليس له رحلة .

ومما ينسب للشافعي قوله :

تغرَّبْ عن الأوطان في طلب العلا

 وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تَفَرُّج همٍّ، واكتساب مــعيشة

وعلم، وآداب، وصحبة ماجد
فإن قـيل في الأسفار ذُلٌّ ومحنـة

وقطع الفيافي وارتكاب الشدائد
فـقل موت الـفتى خير له من قيامه

 بدار هوان بين واشٍ وحـاسد

ومما قاله أيضا  :

ما في المقام لـذي عقـلٍ وذي  أدبٍ                  

من راحة فـدع الأوطـان واغتـرب
سافر تجـد عوضـاً عمـن  تفارقـه                

وانصب فإن لذيذ العيش في النصـب
إني رأيـت وقـوف المـاء يفسـده

إن ساح طاب وإن لم يجر لم  يطـب
والأسد لولا فراق الأرض ما افترست

والسهم لولا فراق القوس لم  يصـب
والشمس لو وقفت في الفلـك دائمـةً      

لملها الناس من عجـم ومـن عـرب
والتبر كالترب ملقـي فـي  أماكنـه            

والعود في أرضه نوع من  الحطـب
فـإن تغـرب هـذا عـز  مطلـبـه                

وإن تغـرب ذلـك عـز كالـذهـب

ومن الأمثلة ما نقله الأستاذ الدكتور : بركات محمد بركات في كتابه ( الإنسان والرحلة والاستكشاف ) فقال : 

ولد محمد بن عمر بن سليمان التونسي في تونس عام ( 1204 هـ  الموافق  1789 م ) ونشأ في مصر وتلقى تعليمه في الأزهر ، بدأ رحلته إلى ( دارفور في السودان ) وهو في الرابعة عشرة من عمره  ، وكان غرض الرحلة اللحاق بوالده الذي نزح من مصر إلى السودان ، ومكث في دارفور قرابة السبع سنوات ، عرف خلالها الإقليم وألم بأحوال أهله وصفاتهم  ، ومظاهر الحياة الاجتماعية فيه .

ثم أصدر كتابا عن السودان اسماه (رحلة تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان) ونشره عام (1850 م) .

تحدث التونسي عن إقليم ( دارفور ) واعتبره الإقليم الثالث في ممالك السودان ، وأورد الكثير من مظاهر البيئة فيه وبعض العادات والتقاليد السائدة  ، يقول في وصف جبل موجود في هذا الإقليم اسمه ( جبل مرة ) : هذا الجبل لا يرتفع عنه السحاب في السنة إلا أياما قليلة ، ولكثرة المطر يزرعون القمح ، وليس لقمحهم  نظير إلا ما كان في بلاد المغرب ، أو في أوربا ، لأنه حسن جدا .  وبقية ( دارفور ) لا ينبت عندهم قمح لعدم الأرض الصالحة ، ولعدم الأمطار إلا ما قل ، كأرض كوبيه وكبكابيه ، فإنهم يزرعون القمح ويسقونه بماء الآبار حتى يتم نضجه ، ومن غرائب عوائدهم ( أن الرجل لا يتزوج المرأة  حتى يصحبها مدة وتحمل منه مرة أو مرتين وحينئذ يقال إنها ولود  ، فيعقد عليها ويعاشرها … ومن طبعهم الجفاء وسوء الخلق وخصوصا إذا كانوا سكارى . ومن طبيعتهم البخل الزائد ، لا يُقْرُون ضيفا إلا إذا كان من ذوي قرابتهم ، أو لهم به علاقة ، أو كان إنسانا يخافون منه .

ومن عوائدهم أن الصبيان والبنات  والصغار لا يستترون إلا بعد البلوغ ، فيلبس الصبي قميصا ، وتشد الأنثى بميزر ، ويبقى ما زاد عن السرة إلى وجهها بارزا  ، ومن عاداتهم عدم الترفه والتفنن في الأكل ، بل كل ما وجدوه أكلوه ، لا يأنفون طعاما مرا  كان أو نتنا ، بل ربما أحبوا أكل المر ، واللحم النتن ، واستحسنوه على غيره .

ومن العجب أنهم لا يأكلون القمح الذي يزرعونه بل يبيعوه ويستبدلون به الدخن ، وأعجب من ذلك غلظ قلوبهم وجفاوتهم مع أنهم يمتزجون بالنساء امتزاجا كليا ، وهذا على خلاف المشاع على ألسنة جميع أهل بلاد أوربا أن الرجال إذا امتزجوا بالنساء تذهب غلاظة قلوبهم ويكتسبون الرقة وحسن الطبع .

والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

اترك تعليقاً